الحارة

.
.

بقلم - مصطفى شريف

يذكر العلّامة محمد رمزي، أن الحارة، ليس المقصود بها الطريق التي يمر فيها الناس بين المساكن كما هو المتعارف عليه اليوم، بل الحارة في زمن الفواطم قسم من مجموع مبانى المدينة ويخترقها الشوارع والدروب والأزقة ويوجد فيها المساجد والمدارس والأسواق والحمامات وغيرها، وإلى زمن قريب كان يقال لمن يتولى مباشرة أعمالها شيخ الحارة.

وفى العصر الفاطمي، عرفت الحارات بأسماء من سكنها، فيذكر عبد الرحمن ذكي، أن "حارة البرقية" تنسب إلى أهل برقة الذين استوطنوها فعرفت بهم، وحارة الديلم، تنسب لطائفة الديلم، وهم من الترك، وحارة كتامة، تنسب لقبيلة كتامة، وهم أصل الفواطم.

ويتتبع يحيى حقى، أسماء الحارات وتاريخها، فيذكر:

 وكنت منذ صغرى مشوقاً بتتبع الأسماء الغريبة أو ذات الدلالات الحارات مصر، مثل الزير المعلق، وبين النهدين»، «درب الأخوات إلخ إلخ .. وأشهرها عندى حارة الوداع، نصفها في المدينة مبلط، ونصفها في القرافة تراب.. أشد أنواع التراب نعومة.. كأنه طحن عظام.. وكنت أتتبع أبحاث المرحوم الأستاذ رمزى عن أسباب هذه الأسماء ونشأتها، ولكني لم أكن وقتذاك قد سمعت -أو تصورت- أن القاهرة بها حارة تسمى حارة السكر والليمون، وقد سحرني هذا الاسم -ولا أدرى لماذا؟ لعله كان بشيراً باتصال حياتي فيما بعد بالفنون الشعبية!- ولكن هذا الاسم جعلني أزداد حباً لأولاد البلد واستلطافاً لروحهم المرحة وفكاهاتهم الرقيقة وإعجاباً بإنسانيتهم، لعل هذه الحارة كان يسكنها في الأصل خدم القصور المكلفون بإعداد الشربات في الأعياد والمواسم من بقايا العهد الفاطمي الذي كانت فيه الدولة أكبر منتجة وموزعة للحلوى ولقمة القاضي.

وقد سعيت بطبيعة الحال إلى هذه الحارة.. فلم أجد بها لا سكراً ولا ليموناً، بل ولا شربتلى واحداً.. حارة مقبضة رهيبة..

ومن فكاهات أهل البلد ودعاباتهم -في باب تسمية الحارات- ما فعلوه مع مسيو كفاريللي؛ العالم الذي جاء مع نابليون في حملته على مصر، وسكن إحدى حاراتها.

- اسم الخواجة إيه؟

- قال اسمه كفاريللي

- يعني اللي كفر.

إبدال بسيط لنطق الكلمة فأصبحت اسماً على مسمى

وهكذا سميت الحارة حارة اللى كفر ولما بدأت مصلحة التنظيم تضع لافتات بأسماء الحواري وقفت حائرة أمام هذا الاسم، وأخيراً هداها الله أن تكتبه هكذا:

حارة الذي كفر

وأضاع التفاصح نكتة العامة وهذا القلب والإبدال من عادات أهل مصر.

 أذكر أن أهل القاهرة كانوا ينشدون فى أوائل الحرب العالمية الأولى أغنية غريبة مطلعها هكذا:

كت فين امبارح

أيا.. شن.. ورن..

كنت باسكر و باحشش

وبا حمص بن...

وظللت مدة لا أفهم مطلع هذه الأغنية أنها تقطيع لاسم كتشنر، العميد البريطاني وقائد الجيش.. دكت.. شن.. رنه، وأن الأغنية سخرية منه.

ترشيحاتنا