أخر الأخبار

«ڤوي! ڤوي! ڤوي!».. عبور آمن للطبقة الكادحة

صفاء عبد الرازق
صفاء عبد الرازق

كتبت - صفاء عبد الرازق*

الأحلام دائما مؤجلة، والحياة تساوي الكثير، والسينما تحيي الكلمات، إلى مشاهد حية فيصبح فيلم "ڤوي! ڤوي! ڤوي!" عملا سينمائيا يبث الآمال المؤقتة، رغم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تملأ حياة أبطاله قسوة، وينعكس ذلك على المشاهد فيجد نفسه في حالة عبور آمن إلى الأحلام، دون إذلال أو فقدان لحياته.

في رحلة البحث عن حياة محتملة دون الإسراف في خطط مؤجلة مشروعة، تطلب الدنيا منك أحيانا أن تدفع أولا.. ذلك ما حدث مع حسن "محمد فراج"، وهو حارس أمن، فيحاول أن يعثر على ملجأ آمن للخروج من البلد، حتى لو تطلب الأمر أن يقيم علاقة جنسية مع امرأة في الخمسين من عمرها مقابل فيزا أو أن يتخلص من شخص يهدد سفره.

في العقد الحالي طرأت تغيرات ومفاهيم بدّلت أفكار الأجيال الجديدة عن سابقتها، فنجد شخصًا يعاني من إعاقة وهو ابن كابتن عادل "فؤاد بيومي"، ينصح والده بمحاولة السفر، نموذج يناقض شخصية الشيخ حسني الكفيف الذي كان ينصح ابنه يوسف "شريف منير" بعدم السفر والهروب، في فيلم (الكيت كات) -إنتاج سنة 1991م-.

لا أحد كان يتوقع أن يشاهد فيلما يحاكي المشاكل النفسية والفكرية لشريحة كادت أن تغيب عن شاشة السينما مقابل أعمال ولقطات عن حياة الأغنياء، و مقابل سينما المناطق الأكثر عشوائية في المجتمع المصري؛ لتظهر منه السيئ فقط.

فيلم "ڤوي ڤوي فوي" حاول أن يلتحم مع  المتفرج من خلال الديكور والإضاءة التي تتجسد في منزلين يسكنهما حسن والكابتن عادل، كما تتجسد أيضًا في المجتمع المحيط الذي ساهم في إنجاح الحالة، وذلك من خلال الحياة التي يعيشها حسن وأصدقاؤه الذين يتحولون فيما بعد.

ويسلط الفيلم الضوء على تعنيف النساء عبر شخصية ثانوية، هي بسمة "بسنت شوقي"، التي أُجبرت على الزواج رغمًا عنها.

وحاول الفيلم أيضًا أن يُظهر نوعًا من السيطرة النسوية، متمثلةً في شخصية زوجة كابتن عادل "بيومي فؤاد"، بطريقة تعاملها مع ابنه، وهو ما يظهر في الحوار بكلمات مثل: (بدل قعدة النسوان دي).

 ولم يترك المخرج والمؤلف عمر هلال، النمط السطحي من الشخصيات، عبر الشخصية الذي أجرت معها الصحفية إنجي "نيللي كريم" لقاءً حول التأثير الإيجابي لمشاهير السوشيال ميديا (البلوجز)، وإنجي هنا إنسانة جادة في عملها، تبحث عن مواضيع ذات أهمية لكنها تقع ضحية (حسن)، وتكتشف فيما بعد أنه يخدع الجميع.

ومع ذلك إنجي كانت النموذج النسائي الذي كان سببًا في تحوُّل (حسن) من شهواني إلى إنسان حساس، فيما تغيرت مفاهيم صديقه (سعيد) إلى العكس، عندما اكتشف أن حبيبته السابقة تعمل في (الدعارة).

واستطاعت حنان يوسف أن تجسد شخصية "والدة حسن" ببراعة، وتظهر في الفيلم، وقد فقدت عقلها بعدما حاولت أن تسرق من أجل أن يحصل ابنها على فيزا للسفر إلى إحدى الدول العربية.

نجح المخرج والمؤلف عمر هلال في تحويل فكرة سوداوية حصلت بالفعل في مجتمعنا، إلى كوميديا صارخة تتحايل على الوضع اليائس بأفكار وعلاقات جنسية مقابل الخروج دون تقلبات؛ تشبه ما نعيشه من تقلبات مناخية واقتصادية، فتنزع منّا الآمال والأمان.

كان للفيلم مفرداته وكلماته التي تعبر عن الطبقة الفقيرة والكادحة، هؤلاء الذين صارت وسيلتهم الوحيدة للحياة هو الهروب من فقر مظلم يسلب أرواحهم، إلى مستقبل ضبابي لكنه محتمل، رغم قسوة التنازل عن المنشأ وشخوصه وأحلامه.

حوّل المخرج والمؤلف عمر هلال حكاية أثارت جدلًا واسعًا على السوشيال ميديا عن هروب فرقة كرة قدم من المكفوفين، إلى حبكة استمتعنا بها وأعادت للسينما المصرية، أفلام الواقعية، لتكشف المستور عن طبقات انهارت مع وجود الكومباوند والمباني الفارهة.

حوّلت الإضاءة والديكور -عبر لقطات حية مع الفلاش باك-، صورة تبدو كوميدية إلى الأصل، وهو دراما عن مجتمع بائس ويائس، حينما علم حسن وصديقه سعيد "طه الدسوقي"، أنه من المحتمل ان تفشل السفرية بعدما دفعا ثلاثين ألف جنيه مقابل الهجرة، وعند وصوله يطلب منه البكاء.

الفيلم لم يكتف بتسليط الضوء على الفقراء، بل دلف من خلالهم إلى شريحة تعاني في الحياة للحصول على جزء من حقوقها وهي شريحة المكفوفين.

وحاول الفيلم أيضًا، قد يكون بوعي أو دون وعي، أن يبرز حالة الجندر، ببيع الجسد مقابل المادة، الدعارة التي كانت سلعتها النساء، لكن العالم تغير وحصل العكس.

 

* عضو مجلس إدارة بجمعية الفيلم

ترشيحاتنا