عطور الزهور.. هدايا الأمهات

شذى
شذى

بقلم - شذى يحيى

 

الورد له في روايحه لغات

تجمع بين النار والجنة

حَكَم الزهور زى الستات

لكل لون معنى ومغنى

كل البشر يعشقون أمهاتهم، يغرمون بهن منذ لحظة ميلادهم وحتى آخر يوم في العمر، يظل داخل كل منّا طفلٌ صغير يحن مثل قصيدة درويش إلى خبز أمه وأيضا إلى حضنها، صوتها، ضحكتها، نظرتها، وأكيد إلى رائحتها، تلك الرائحة الزكية التي تملأ أنف الشخص، عندما يجالس أمه أو يتذكرها وهي بعيدة.

هل لهذا علاقة بأن أغلب هدايا عيد الأمهات تكون عطورًا؟!، ربما.. وربما يكون لهذه الهدية علاقة بارتباط الأنوثة بالجمال الذي تستشعره الحواس الخمس ومنها حاسة الشم أو أن المصريين القدماء كانوا مقتنعين بأن الآلهة وكل ما يمثل الخير تفوح منه رائحة عطرة، بينما الخبث والشر لابد أن تفوح منه رائحة كريهة.

كل البشرية أحبت العطر منذ إنسان الكهف الذي اكتشف أن أنفه تستلذ وتستحسن روائح معينة، وتأنف من روائح أخرى، فلجأ إلى حرق النباتات والمواد التي يستحسن رائحتها لكي تفوح أكثر وكان البخور الذي أحبه البدائي فأحرقه على مذابح آلهته استجلابًا لرضاها.

وقبل الميلاد بخمسة آلاف عام بدأت محاولات في مصر القديمة وبابل لاستخلاص الرائحة وحفظها في قوارير لاستعمالها في أي وقت برع المصريون في تقطير هذه الخلاصات ومحاولات إضافة مواد لتثبيت الرائحة، مثل زيوت اللوز والخروع وشحوم الحيوانات وشمع العسل، أواني العطور المستخلصة من البخور واللبان والمر والزهور المختلفة تملأ المقابر، كذلك صور الاحتفالات التي تضع فيها النساء أقماع العطر فوق رؤوسهن وأيضا احتوت بعض البرديات على تصنيع أنواع من العطور، ولعل عطر "إيزيس نفرت" زوجة رمسيس الثاني التي أطلق عليها سيدة النفحات لطيب ريحها المصنوع من اللادن من أشهر عطور المصريين القدماء.

عطر إيه؟!، ده العبير اللي فى أيديك

بيقول إيديك هى العبير

في العصور البطلمية والرومانية، أصبحت مصر وخاصة مدينة الإسكندرية، مركزًا مهما لتجارة العطور في البحر المتوسط وتطورت خلطات العطر والزيوت والدهون والمراهم العصرية وأتت الزهور والأخشاب والمواد العطرية إلى مصر من آسيا عبر البحر الأحمر وأفريقيا، من التجارة مع بلاد بونت والحبشة لتصنع كعطور ويعاد بيعها للوجهاء والأغنياء والحكام والأمراء، لأن هؤلاء هم القادرون على شراء العطر الذي لم يكن في متناول العامة وفي العصر القبطي ازدادت مهارة المصريين في صنع العطور، لكن اقتصر استعمالها على رجال الدين في مناسبات معينة، وعلى النساء.

 

أما فى العصر الإسلامي فقد حدث توسع كبير في صناعة ماء الورد وتقطيره واستخلاص زيوت الناردين ونبات البلسان الذي كان لا ينمو إلا في المطرية، وظلت مصر مركزًا مهمًا لتصدير الزيوت العطرية في عصر أسرة محمد علي التي استجلبت أنواعًا جديدة من الأعشاب والنباتات لتصنيع العطور، وكانت محلات البخور والعطور تنتشر فى شوارع منطقة الحسين والجامع الأحمر ومنطقة الموسكي في القاهرة، وسوق العطارين وزنقة الستات في الإسكندرية.

 

وقرب نهاية القرن التاسع عشر، عرفت مصر كغيرها من بلاد العالم العطور التى احتوت على مشتقات البترول التي تجعل العطر أخف، وفوَّاحا أكثر، لكن هذه العطور المستوردة كانت باهظة الثمن، وفي عام ١٩٢٠م قرر حمزة الشبراويشي صانع العطور في الحسين إنشاء مصنع مصري للعطور الحديثة وواكب الشبراويشي بعطوره كل أحداث العصر بداية بعطر صفية زغلول وعطر سعد واستخدام أم كلثوم في دعايته، وحتى الملك سعود ولاحقا الملكة فريدة، وطرح العطر والكولونيا بقروش زهيدة فانتشر في كل مكان وارتبط بكل البيوت والمناسبات، خاصة عيد الأم فحمزة الشبراويشي -عبقرى الدعاية الذي كان يشارك في المعرض الصناعي الزراعي كل عام منذ العشرينات، والذي كان يقام في مارس- كان يضع نافورة كبيرة تضخ الكولونيا العطرة في جناح مصنعه، ما شجع رواد المعرض وجذبهم لشراء منتجاته كهدايا وللاستخدام الشخصي، فارتبط العطر بالمناسبة المواكبة للمعرض وزاد انتشار عطور الشبراويشي أو شركة قسمة الشبراويشي بعد تأميمه وضمه لشركة صناعة السكر التكاملية، فأصبحت كولونيات "خمس خمسات - تلات خمسات - اللافندر -أنوثة - عطور سكرية - فام شيك – جاردينيا"، موجودة في كل بيت مصري، وكانت علبة الهدية الزرقاء الشفافة المربوطة بشريط أحمر، والتي تحتوي على زجاجة السكرية أو الفام شيك ومعها المناديل المطرزة بالوردات الصغيرة والدبوس الفرو هو الهدية الرسمية لكل أمهات مصر، حتى أوائل التسعينات، بعد ذلك انحسرت الشركة وتنوعت الهدايا، ثم عادت كولونيا الشبراويشي إلى الساحة كالبطل المظفر فى أيام جائحة كورونا لأن نسبة الكحول النقي فيها أهلتها لاأن تكون معقمًا ومنقذًا من الفيروس القاتل، حتى أنها طرحت فى منافذ السلع التموينية.

أجمل هدية أقدمها لبنات بلدي

أقطفها من جنتك يا ورد يا بلدي

أحمر بلون حرقتي

أبيض في يوم سعدي

أصفر من الغيرة على سبب وعدي

قبل الملبس والشربات يقدموك ليلة الحنة

أصل الزهور زي الستات لكل لون معنى ومغنى.

 

ترشيحاتنا