البك المصري.. مصور الحرمين المدني والمكي

محمد بك صادق
محمد بك صادق

كتبت - شذى يحيى

 

بعيدة يا بلاد النبي

بعيدة يا بلاد الرسول

يا جِمال النبي ثلاثة وقاعود

واردين يشربوا على عد مسعود

ثلاثة وبكرة

واردين يشربوا على عدة خضراء

حجنا يا حجنا.. لما ييجي حجنا

نذبح ذبيحة لربنا

حجنا يا حجنا.. لما ياجب بالسلامة

نذبح ذبيحة لربنا

محمد صادق (1822-1902)، مهندس وجغرافي وضابط مصري ولد في القاهرة وتعلم في مدرسة الخانكة العسكرية التي أنشأها الوالي محمد علي، ثم أُرسل في البعثة الرابعة إلى فرنسا بترشيح من سليمان باشا الفرنساوي عام ١٨٤٤ لكلية البوليتكنيكEcole Polyteqnique وتعلم التخطيط والرسم المساحي والزخرفة ومبادئ التصوير الفوتوغرافي الوليد في ذلك الوقت، وعاد إلى مصر ليصبح مدرسًا للرسم المساحي في المدرسة الحربية بالقلعة، تحت نظارة رفاعة الطهطاوي، حتى ألغاها سعيد باشا في عام ١٨٥٥، فعمل كمهندس مساحة في الحكومة المصرية، وتدرج الرجل في المناصب والرتب على مدى عمره وخدمته حتى أصبح اللواء محمد صادق باشا المصري.

خشم باب النبي بنية بدورة

عمان تنادي يا عطشان تعالى أُروى

خشم باب النبي بنية بطاسة

عمان تسقي العطاشى

 

وفي عام ١٨٦٠ذهب للأراضى الحجازية بمعية سعيد باشا، وبعدها بسنة واحدة أوكلت إليه مهمة عمل مسح طوبغرافي في مناطق من شبه الجزيرة العربية؛ بالتحديد المنطقة من المدينة المنورة إلى بقعة تسمى الوجه، فاصطحب معه فريقًا صغيرًا من المساحين، إضافة إلى كاميرا فوتغرافية، وذهب في بعثة ليوثق على هامشها وبدون أي إسناد رسمي ما كان من أوائل الصور الفوتغراغية للمنطقة وأشكال الحياة بها، ويصقل مهاراته في التصوير ويطور معملًا صغيرًا متنقلًا لتحميض الصور الخاصة به، وكانت صوره للمدينة المنورة هي أول صور تؤخذ لها على الإطلاق للمكان.

 

 سجل صادق أحداث هذه التجربة في كتابه نبذة في استكشاف طريق الأرض الحجازية من الوجه وينبع البحر إلى المدينة المنورة.

وفي هذا الكتاب كان حريصًا على تسجيل أنواع النباتات وطبيعة الصخر والجبال، إضافة للصور الفوتغرافية التي التقطها بكاميرته الضخمة.

يقول محمد صادق عن التقاط الصور في المدينة: "أخذت رسم المدينة المنورة بواسطة الآلة الشعاعية المسماة بالفوتغرافية، مع قمة المقام الشريف، جاعلًا نقطة منظر المدينة من فوق الطوبخانة -حسبما استنسبته- لكي يحوز جزءًا من المناخة أيضا، وأما منظر القبة الشريفة فقد أخذته من داخل الحرم، بالآلة المذكورة أيضا، وما سبقني أحد لأخذ هذه الرسومات بهذه الآلة اصلًا".

 

وعُرضت صور صادق بك في المعرض المئوي الذي أقيم في فيلادلفيا بالولايات المتحدة عام ١٨٧٦م.

يذكر أن زوجة محمد صادق توفيت في المدينة المنورة، في واحدة من رحلاته، ودفنت في البقيع.

لما ضرب طبل النبي صحاني من نومي

يا وابور النبي يا أحمر يا دومي

الجمل هام للنبي يا صلاتك يا نبي

لما ضرب طبل النبي صحاني من نعسي

يا وابور النبي يا أحمر يا عدسي

 

ورغم مرور السنين لم تنقطع صلة محمد صادق بالحجاز، فقد عُين أمينا لصرة الحج في عام ١٨٨٠م ليعود هذه المرة للحجاز على رأس موكب المحمل المصري، كان ذلك في نهاية سبتمبر، ما جعل الظروف المناخية مهيأة لالتقاط صور واضحة وجيدة جدًا بتقنية ألواح الكولودين المبللة wet collodion، وضمّنها في كتابه مشعل المحمل في سفر الحج برًا، وكتب في مقدمته:

"أما بعد فيقول الفقير إلى مولاه محمد صادق بك أميرالاي أركان حرب المصري أنى قد استخرت الله في أن أشرح ما شاهدته برًا في طريق الحج الشريف من كل مأمن أو مخيف، وما هو جار في كيفية أداء  هذه الفريضة الإسلامية ليكون دليلًا مختصرًا مفيدًا للأمة المحمدية وخدمة لأبناء الوطن".

 

يا حمام الحمى يا أبو جناح لموني

دلني عالطريق والدرب الطويلي

يا حمام الحمى يا أحمر يا عسلي

من حبي فالنبي صحيني من نعسي.

 

وعاد محمد صادق للحجاز مرة أخرى سنة ١٨٨٤م، أيضا أمينًا لصرة المحمل وكتب رسالة أخرى اسمها كوكب المحمل وصف فيها المنازل والأماكن، ثم أُوكل إليه في العام التالي ١٨٨٥ مهمة تسليم قمح صدقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة بجدة، وكتب رسالة ذكر فيها مقدار الصدقة ومراسم الاستقبال وطريقة توزيع الصدقة.  

 

محمد صادق كتب عن صوره في الحرم المكي: "وقد تيسر لي في هذه الأيام أخذ رسم المسجد المكي والكعبة بالفطوغرافيا وأخذ رسم مسطحة على قدر الإمكان مع كثرة الازدحام وعدم الفراغ ".

كما ذكر أنه صوّر الحرم باكمله: "وقد تيسر لي رسم مسطح الحرم بالبيان وأخذ رسم منظره من جملة جهات مع ما حوله من البيوت بواسطة آلة الفوطغرافيا".

كما رسم بالآلة أيضا -على حد تعبيره- صورة للشيخ عمر الشيبي الموكل بمفتاح بيت الله وشريف شوكت باشا حامي المسجد النبوي، وأيضا قام بتصوير مقبرة مكة ومشعر منى.

نخلتين في الحرم محلى هواهم

أزور النبي وأتمردغ في هواهم.

محمد صادق بلا جدال كان موهبة فذة استخدم كل معارفه في المساحة والبعد والمنظور والتكوين والعمق في خلق كادر تصويري مذهل في شكله البصري، إضافة إلى مضمونه الساحر المحمل بدلالة روحية وإيمانية قوية لدى المسلمين، ونجاحه في إظهار قوة هذا الشعور من خلال بانوراما الصورة، وكان للصور دلالة أخرى في الغرب، فهي صور لمناطق محرمة على الأوربيين وغير المسلمين، هذه الصور التي أماطت اللثام عن جزء من أسطورة الأرض المحرمة كانت بمثابة انتصار للتقدم العلمي والابتكار وانتصار للصناعة والتطور.

لذلك لم يكن غريبا أن يستعان بها في عشرات الكتب وأن تتصدر الدوريات العالمية.

ويحصل محمد صادق على العديد من الجوائز والتكريمات؛ شهادات تقدير وميداليات ذهبية من المعرض الجغرافي بفينيسيا في دورتيه الأولى والثالثة أعوام ١٨٧٦و١٨٨١والميدالية الذهبية من الدرجة الأولى عام ١٨٨١ أيضا من المعرض العالمي بفيينا ثم ميدالية الخديوي ١٨٨٧م.

 

اللواء محمد صادق باشا عاش حتى الثمانين، شهد مطلع القرن العشرين وخدم سعيد باشا وإسماعيل وتوفيق وعباس حلمي وتولى العديد من المناصب المرموقة منها نائب مدير المساحة وحاكم العريش لمدة قصيرة، اعتزل بعدها بسبب كبر السن وإصابته بضربة شمس قوية.

 طبع كتبه الأربعة أكثر من مرة وما زالت صوره بمثابة الكنوز حتى اليوم.

يا بشير الهنا يا رايح بلدنا

قول لأبويا العزيز يزوق عتبنا

زوقوا البوابة وحنوا عتبها

واعملوا لي الزواق غزالة وولدها.

 

شذى يحيى

باحثة في التاريخ الثقافي

 

ترشيحاتنا