مشكلة فلسطين (13)

.
.

بقلم - شنودة الأمير

يراوغ الساسة البريطانيون محاولين تنفيذ وعد بلفور بكل الطرق رغم المعارضات، ويصدر تشرشل "الكتاب الأبيض" الذي يطمئن فيه العرب بأننا "لن نعطي كل فلسطين لليهود بل جزء منها – جزء كبير– فقط".. أما موقف الوفد الفلسطيني كما نقله لورانس في (مسألة فلسطين) فهو: 

"والحال أن الوفد الفلسطيني العربي إنما يرفض بالكامل الكتاب الأبيض (ووصفه بأنه وفد للجمعية الإسلامية - المسيحية وليس ممثلاً لمسيحيي ومسلمي فلسطين): إن العلاقات فيما بين العرب واليهود، قبل ۲ نوفمبر/ تشرين الثاني ۱۹۱۷، كانت مثالية. والصهيونية هي سبب جميع الشرور. فهي قد فصمت الأواصر فيما بين الجماعتين السكانيتين. ومجرد الاعتراف بأن الوجود اليهودي في فلسطين له طابع قومي إنما يشكل عدواناً على الحقوق القومية لنسبة لـ93% من سكان فلسطين. ومن السهل تفنيد الحجاج الخاص بمراسلات حسين – ماكماهون.

ولا يمكن فهم التأخير في منح الحكم الذاتي إلا بالرغبة في ترقب قيام جماعة سكانية يهودية لها وزنها. واللجان الحكومية ذات طابع استشاري بشكل خالص. ولا تسمح طبائع الأمور بقيام روح تعاون بين شعبين على هذه الدرجة الكبيرة من التباين ولا يمكن توقع أن العرب سيقبلون ظلماً كهذا ولا أن الصهيونيين سوف ينجحون بهذه الدرجة من السهولة في تحقيق أحلامهم. إن الحكومة البريطانية إنما تنخرط في سياسة لا يمكن للعرب قبولها لأنها تعني زوالهم في هذا الأمد أو ذاك. وإذا لم يجر تغيير هذه السياسة، فإن ذلك سوف يعني قيام مقام قومي يهودي سيقود إلى محو أو إلى إخضاع السكان العرب ولغتهم وثقافتهم في فلسطين".

ولكننا نعلم للأسف الشديد قرارات عصبة الأمم التي صدقت على تصريح بلفور المشؤم وشرح كتاب تشرشل الأبيض للوضع، ويكتب عمر البيطار رداً باسم اللجنة التنفيذية الفلسطينة العربية يعلن فيه ".. إننا لن نحيد عن حقوق الأمة الفلسطينية قيد شعرة وعن مطالبنا القومية المتمثلة في حماية تراثنا الأدبي وممتلكاتنا وحريتنا الفردية إلى جانب وجودنا القومي".

ويختم البيان "عاشت فلسطين العربية حرة ومستقلة". أود أن أذكر القاريء أن هذا البيان في يوليو 1922 وليس في العام 1948.

تطمئن بريطانيا قليلا حيث كانت تتوقع اضطرابات عنيفة بعد قرار عصبة الأمم ولكنه لم يحدث، حيث يحاول قادة اللجنة الفلسطينية اللجوء إلى المفاوضات والضغط السياسي، في نفس التوقيت تدفق الأسلحة بصورة سرية على اليهود، وبعد إثارة قلق البريطانيين من أن يحوزها اشتراكيون يهود اطمأنوا أنها بهدف الدفاع فقط إذا هاجمهم العرب، وتغاضى البريطانيون عن هذه الأسلحة وذهب أغلبها – أو كلها – لعصابات الهاجاناة، وفي نفس التوقيت يتبرع الصهاينة لـ "الجمعية الإسلامية – الوطنية" المطلوب منها التصدي للجمعيات "الإسلامية – المسيحية" أثناء الانتخابات المقرر إقامتها، وفي نفس التوقيت جانب كبير من العرب ينقسم عن الوحدة الفلسطينية مطالبا عودة الانتداب التركي – حيث خليفة المسلمين الشرعي – وآخر يدعم عبدالله ملكا على سوريا وفلسطين معا، بجانب الأموال الأخرى التي دفعها الصهاينة لخلق أحزاب معتدلة بين العرب تتعاون مع دولة صهيونية وكاد اكتشافها يؤدي إلى صراع عربي عربي، لقد كانت الظروف السياسية الداخلية وصراعتها أكبر عضد للخطوات التي تقدم بها المشروع الصهيوني داخل فلسطين.

لقد كانت الصهيونية أيضا تعاني من ظروف مشابهة، ولكنهم دوما ما كانوا يتحدون لمجابهة الصعاب الخارجية خلافا لما صنعه العرب.. يبدو ذلك رؤية سطحية ولكن للأسف لا نملك المساحة الكافية هنا لسرد كل التفاصيل الصغيرة، والتي حقا تكمن بها الشياطين دوما.

يتم إلغاء الانتخابات بسبب المقاطعة، ويعين المندوب السامي لجنة من ثماني مسلمين (يتبعون الجمعية الإسلامية الوطنية) ومسيحيين اثنين ويهوديين اثنين، والرد هو عقد الإسلاميين – المسيحيين مؤتمر فلسطين السادس في يافا (يونيو 1923) وهم يحدوهم الأمل بالضغط الدبلوماسي. قد يكون مناسبا أن نضيف أن سبب الأمل واقعي جدا وهو دعم كبرى الصحف البريطانية للقضية الفلسطينة آنذاك.

في نفس التوقيت يعقد المؤتمر الصهيوني الثالث عشر لينظم ترتيب البيت من الداخل أيضا، ويفك الاشتباكات بين المنظمة الصهيونية وباقي التجمعات اليهودية.

وفي 3 مارس 1924 يلغي كمال أتاتورك الخلافة العثمانية، ليعلن بعدها عرب الحجاز والعراق وشرق الأردن الملك حسين الهاشمي خليفة للمسلمين. وفي 30 يونيو 1924 نستطيع أن نقول إن الصهاينة نفذوا أول إغتيال سياسي، حيث قتل دكتور دي هان وهو يهودي أرثوذكسي، بعدما قرر السفر إلى لندن، فموقفه القوي مع عرب فلسطين كان سيقوي موقفهم إزاء أي مفاوضات، كان اليهود الأرثوذكس ومازالوا مع العرب في حقوقهم قلبا وقالبا.

ومع بداية 1925 يسيطر آل سعود على الحجاز ولا يتبقى للملك الخليفة إلا شرق الأردن ليحكمه ابنه علي بعدما تنازل له عن الملك، أما في فلسطين فيفقدون الأمل في أي دعم خارجي، ورغم ذلك يضعفون أنفسهم في صراع طموحات وهمية بين آل النشاشيبي وآل الحسيني وأتباع كل منهم، فتدخل الحركة القومية الفلسطينية حالة خمول في وقت جد عصيب.

 

ترشيحاتنا