الدكتورمنجى على بدر يكتب : تفعيل دوائر العلاقات الخارجية المصرية مع دول القلب والاطراف

 الدكتورمنجى على بدر
الدكتورمنجى على بدر

  تعمل مصر على تنشيط دوائر العلاقات الخارجية مع العالم فى القلب مع العالمين العربى والافريقي  ومع تركيا وشمال المتوسط ، وفى الاطراف مع دول جنوب وشرق آسيا ودول أمريكا الجنوبية وخاصة دول تجمع الميركسور.

  واتسعت الدائرة خلال العشر سنوات الأخيرة وتم تثبيت دعائم السياسة الخارجية وظهرت نتائج دبلوماسية الرئاسة بتوطيد العلاقات الخارجية مع الشرق والغرب لتحقيق المصالح المصرية دون الالتفات لجوانب الحب والكره  أو الجوانب الشخصية ، حيث بدأت مرحلة جديدة من العلاقات بين مصر وتركيا بعد زيارة الرئيس التركى الى مصر ، كما تحرص مصر على تنفيذ رؤيتها فى الصراع الفلسطينى الاسرائيلي حتى الآن فى ظل الانحياز الامريكى الكامل لاسرائيل وثبت للمجتمع المصرى أن عزته وكرامته فى قوة وصلابة الجيش المصرى واقتنع شعب مصر بنظرة الرئيس السيسي بأهمية تقوية وتطوير القوات المسلحة ، حيث تسابق الخبراء والمفكرون على كافة توجهاتهم بأن الجيش المصرى هو العزة والكرامة والحامى لمصر والمنطقة. 

   وخلال العقد الأخير، استقرت قناعة لدى صانع القرار المصري على تنويع العلاقات مع مختلف القوى الإقليمية والعالمية بحيث لا تتعرض مصر لأي ضغط قد يؤثر على قرارها السياسي من خلال الاستفادة من الأطراف الإقليمية والدولية والتي تمكن مصر من تحقيق الاستفادة منها عن طريق تعميق الشراكات والاستفادة من دروس التجارب الناجحة في المجالات ذات الاهتمام المشترك.

  وكان من الطبيعي أن يكون المحرك الاقتصادي واحدًا من المحركات الأساسية لدفة السياسة الخارجية المصرية ، خصوصًا مع الدول التي تتشابه مع التجربة المصرية ومنها تركيا والهند والصين واندونيسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية التي تشكل رغم البعد الجغرافي عن مصر عاملًا مهمًا يمكن أن يسهم في تنشيط الاقتصاد على الجانبين .

  وسوف نشير لمثالين لدولتين الأولى فى قلب الشرق الأوسط والثانية فى الاطراف وهما تركيا والبرازيل على التوالى وكذا العلاقات المصرية مع بعض القوى الكبرى:

  أولا : فيما يخص العلاقات مع البرازيل وبمناسبة مرور 100 عام على اقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وهى واحدة من أكثر العلاقات تميزًا بين مصر ودول القارة اللاتينية ، وأيضا العلاقات المصرية مع دول أمريكا اللاتينية آخذة فى النمو خاصة بعد دخول اتفاقية الميركسور حيز النفاذ.

 وتشكل علاقات مصر مع البرازيل فرصة واعدة لجذب الاستثمارات ليس للقاهرة فقط ولكن للقارة الأفريقية باعتبار مصر عضوًا في التكتلات والتجمعات الاقتصادية في القارة الأفريقية وعلى رأسها الكوميسا واتفاقية التجارة الحرة الافريقية وتعول مصر على كونها سوقًا كبيرا يضم نحو 110 ملايين نسمة مما يضمن مستويات طلب مرتفعة على السلع وتنشيط حركة الصادرات من والى دول أمريكا اللاتينية.

  وتتشارك مصر مع البرازيل وجهات النظر بشأن قضايا هامة في المحيطين الإقليمي والدولي وعلى رأسها الحرب الروسية الاوكرانية والقضية الفلسطينية والحرب المستمرة في قطاع غزة ، فالرئيس البرازيلي مؤيد واضح لحقوق الشعب الفلسطيني في إعلان دولته كما انتقد عدوان إسرائيل على غزة ، وقدم الدعم المناسب في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، 

  وتعد مصر والبرازيل ممثلتين للدول النامية في قارتي أفريقيا وأمريكا الجنوبية وأيضا عضوين فى تجمع البريكس وتطمحان لإدخال إصلاحات هيكلية في طريقة عمل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكذلك في مجلس الأمن، مما قد يؤدي إلى زيادة تمثيل بلدان الجنوب فى المنظمات الدولية .

 ثانيا: تطورت العلاقات المصرية التركية بحيث يمكن التأكيد على أن مرحلة "التأسيس الاستراتيجي" للعلاقات المصرية التركية ينبغي أن يرافقها استمرار الجهد والبحث المؤسسي لتعميق التعاون الثنائى والمتعدد ، مع تنشيط دور منظمات المجتمع المدنى في تعميق علاقات الشعبين وبناء منظومة القيم المشتركة باستخدام القوة الناعمة فى البلدين .

  ويعتبر الملف الاقتصادي من أبرز الملفات ويستدعي تعزيز الاستثمار والمشروعات المشتركة الاقتصادية والتكنولوجية لتحقيق المصالح المشتركة، ويمكن لتركيا أن تسهم بدور كبير مع مصر ودول الخليج في إعادة بناء الدولة الوطنية في سوريا والعراق وليبيا والصومال، عبر جهود مشتركة لإعادة الإعمار، والمساعدة في بناء مؤسسات هذه الدول .

  كما يمكن لمصر وتركيا كقوتين إقليميتين على ضفاف البحر المتوسط، حيث ممرات التجارة والمضائق المائية والغاز الطبيعى أن يشكلا معا قوتين للاستقرار الإقليمي في البحر المتوسط بجانب جهود بعض الدول المشاطئة ، وتحديدا يمكن لمصر أن تساعد تركيا في تحسين علاقاتها مع اليونان وقبرص، استثمارا لعلاقات مصر المتميزة مع البلدين، ولا يزال الملف الخاص بالغاز الطبيعى وترسيم الحدود البحرية يحتاج لجهد كبير، وتحتاج منطقة شرق المتوسط لعناية خاصة من البلدين.

ثالثا : العلاقات المصرية مع القوى الكبرى : 

 نشير الى العلاقات المصرية مع كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية والاتحاد الاوربى والصين وفى ظل عالم متغير فقد ظهرت ارهاصات نظام عالمى جديد ثنائى القطبية له جناحين الأول أمريكا وأوربا ومن يدور فى فلكهم و الثانى الصين وروسيا ومحبيهم ، ونؤكد أن مصر تاريخيا هى واحدة من الدول التى تحدد نهايات الامبراطوريات بدءا من الهكسوس والمغول والصليبيين الى فرنسا وانجلترا وأيضا حينما تفكك الاتحاد السوفيتى لم تكن العلاقات مع مصر فى أحسن حالاتها، وأيضا موقف مصر المتزن من المطالبة  لكل من ايران واسرائيل بضبط النفس وعدم توسيع دوائر الصراع فى الشرق الأوسط ، لهو دليل آخر على تركيز قيادة مصر على تحقيق المصالح المصرية فهما للواقع الاقليمي والعالمى .

  وليس تزيدا ولا انحيازا لدور مصر، ولكن المدقق فى التاريخ قد يدرك ذلك ويفهم عبقرية المكان لمصر وشعبها ، وأرى أن مصر لم تحصل حتى الان على مقابل مناسب لدورها الاقليمي والعالمي ولكن كل المبادرات الدولية والاقليمية لمساعدة مصر مرتهنة بأوضاع اقليمية بائسة ووعود لاتتعدى الحناجر الا القليل منها.

 

  والتساؤل هل عقلانية وواقعية السياسة الخارجية المصرية مازالت مناسبة  لتحقيق مصالحها فى الوقت الراهن الذى يتميز بسيولة عالمية كبيرة، وهل الأدوات والسياسات الخارجية المصرية مستعدة لمرحلة مابعد انتهاء الصراعات بين القوى الكبرى وتابعيها ، وأيضا أهمية اعداد المجتمع المصرى بالشكل المناسب للتعامل مع المتغيرات الدولية خاصة مجالات المنافسة فى تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعى والصناعات ذات العائد المرتفع ومدى قدرة المجتمع على التعامل مع وسائل الاعلام الحديثة وخاصة السوشيال ميديا ، وكذا أهمية الدفع فى اتجاه اعداد شرائح جديدة من الرأسمالية المصرية المتوسطة والصغيرة. 

 تساؤلات نرجو أن نجد سويا توضيح لها خاصة مع بدء الولاية الجديدة للسيد الرئيس ، حيث الوضع الحالى فى مصر يستوجب ليس فقط كيفية التعامل مع الاوضاع الاقليمية والدولية، وإنما تحقيق الانطلاقة الكبيرة لمصر بحيث تكون دولة عظيمة ومؤثرة فى محيطها استنادا الى «رؤية مصر ٢٠٣٠» وأيضا تكون ضمن العشرين دولة الأولى فى العالم مع حلول عام 2030 وباقى من الزمن 6 أعوام فقط .

==

 كاتب المقال وزير مفوض

 ومفكر اقتصادى وعضو مجلس ادارة الجمعية المصرية للأمم المتحدة 

     

ترشيحاتنا