هل يؤثر الذكاء الاصطناعى على إبداع الأدباء؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لم تكن برامج الذكاء الاصطناعي حين ظهرت قبل سنوات تنتج نصوصًا منضبطة، بل كانت تبدو قصصًا مفككة، أو أبيات من الشعر الساذج التى تحمل الكثير من الأخطاء النحوية، لكن مع التطور الهائل فى هذه التطبيقات والبرامج الحاسوبية، أصبحت الآن تكتب نصوصًا لها معنى واضح، خصوصا برنامج ChatGPT، الذى يمكنك أن تطلب منه إنشاء نصوص عن أى شيء يخطر ببالك، وفى أى قالب أدبى تريده، وسيكون من الصعب أن يدرك القارئ أو حتى المتخصص فى صنوف الأدب أن مَنْ صنعها روبوت ذكى وليس أديبًا موهوبًا!

 

◄ مجلة أمريكية تغلق بابها بعد تدفق قصص الساحر الذكى

فى عام 2016 نجح الذكاء الاصطناعي فى تأليف رواية وصلت لمرحلة متقدمة فى مسابقة أدبية باليابان تسمح بمشاركة نصوص من إبداع «غير البشريين»! وذكرت الصحف اليابانية وقتها أن «الرواية لم تكن قريبة من الجائزة الأولى لكن الذى حققه برنامج الذكاء الاصطناعى الذى قام بـ(توليد) النص ليس سيئًا».

 

وتلك الرواية كُتبت بمساعدة باحثين بجامعة FHU اليابانية، اختاروا الكلمات والخط العام للرواية ثم أعطوا أمرًا للبرنامج الحاسوبى بتأليف النص. وهى واحدة من 11 رواية كُتبت بمساعدة الذكاء الاصطناعى شاركت فى المسابقة مع 1450 رواية أخرى من إبداع كتّابٍ حقيقيين، ولم تكن لجنة التحكيم على علم مسبق بما هى الروايات التى كتبها أشخاص حقيقيون وتلك التى كُتبت بواسطة برامج الحواسيب اللغوية الذكية.

 

وقتها قال مؤلف روايات الخيال العلمي، ساتوشى هاسي: «إن الروايات المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعى التى شاركت بالمسابقة كانت جيدة، إلا أنها عانت مشكلات أبرزها طريقة وصف الشخوص».

 

أما الآن وبعد مضى سبع سنوات على هذه التجربة، فإن الذكاء الاصطناعي تطوّر كثيرًا، والمؤكد أنه سيكشِّر عن أنياب قدراته فى الكتابة بطريقة أسهل بكثير مما كانت عليه الأمور فى تجاربه الأولية عام 2016، وفى كل مجالات الإبداع الأدبي، قصة ورواية وشعرًا.. إلخ.

 

ويكفى أن كثيرين حول العالم بدأوا ينتجون قصصًا بالاعتماد على هذا الساحر الذكى (ChatGPT)، من دون أن يكلفهم عناءً ولا يطلب منهم شكورًا، ووصل الأمر إلى حد أن مجلة «كلاركسورلد» Clarkesworld الأمريكية المتخصصة فى نشر قصص الخيال العلمي، اضطرت لإغلاق باب التقديم فى فبراير الماضي، بعدما تدفقت عليها آلاف القصص المكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، بعض أصحابها يعترف باعتماده على هذه البرامج فى الكتابة، بينما لا يُصرّح آخرون بذلك.

 

 عبدالله راغب: المنافسة مع هذه التقنيات لن تكون لصالح الشاعر

◄ نبوءة رفعت سلام
الشاعر عبدالله راغب، عبَّر عن مخاوفه من تنامى قدرات الذكاء الاصطناعي بما يجعله يهيمن ويختطف أقلام المبدعين ويجلس على عرش مَلكات الإبداع: «فى حوار عابر مع الشاعر الراحل رفعت سلّام، قال جُملةً لم تَرُق لي: (سيأتى يومٌ يكتب فيه الكمبيوتر شعرًا أحسن من ذلك الذى يُكتب الآن)! ويبدو أن الرجل كان مُحقًا، فالذكاء الاصطناعى لم يعد على مسافة بعيدة من الإبداع والمشاعر وترجمتها إلى جُملٍ لها دلالاتٍ واضحة حتى إن كانت مختلطة أو معقدة ومتشابكة، والتى كنا نظن أنها مَيزة إنسانية فى المقام الأول، لكن الأمر خرج عن الثوابت الرائجة إلى حد كبير، والتى كانت سائدة للمثقف والمبدع العربى أو غيره، فقد استطاع الروبوت عن طريق خوارزميات معقدة أن ينقل ويصف لنا الحالات الشعورية المتباينة وترجمتها إلى منتج إبداعى غاية فى الدقة والجمال ورهافة الحس، سواء فى الموسيقى أو القصة وكذلك النقد الأدبي، لكن أن ينظُم الروبوت شعرًا فهذا ما لم يكن فى الحسبان أبدًا».

 

◄ معاناة الشاعر البشرى
ويضيف صاحب دواوين «سيدة الصباح»، و«هذا الراقص» و«ظلال»: «الأمر لا يقف عند هذا الحد، لكن أن تصبح هذه النصوص تشبه مستوى ماياكوفسكى وصلاح عبدالصبور وأدريان ميتشيل، فهذا يعنى أن الشاعر البشرى سيعانى بعد تطوير هذه الربوتات أو ما تُسمى بـ(تطبيقات النماذج اللغوية الحاسوبية)، ومثال على ذلك هذا النص الذى أنتجه الروبوت وهو يتحدَّث عن نصب تذكاري:


(لقد كنتُ مدينةً رائعة
الغزل والصراخ
وصوت الطريق
جُرِفتُ بعيدًا
الجبل يمر عبري
الشوارع ذهبت
والصمت يمطر
جالسًا فى صمت يتلألأ)

يبدو من النص أنه متماسك، وينطوى على تخييل مدهش، واللغة راقية وصحيحة. وعندما يتم تطوير هذه الروبوتات، واستخدام خوارزميات ذات تقنية أكثر حداثة مع الوقت، سيصبح الشاعر فى صراعٍ مع هذه التقنيات ولن تكون المنافسة لصالحه تمامًا مهما حاول استخدام آليات محلية أو عامة أو ترميزات غير معروفة.. الأمر معقد، ومشوّش حد الريبة فى مستقبل الإبداع البشري، الفردى أو الجماعي!

◄ ممدوح عبدالستار: مقلد عظيم.. ولا يمكن أن يبدع كالإنسان

◄ السؤال المحيّر
ما هو الإبداع؟ هل هو خيال، أم إنه حالة روحية خالصة؟ هذا سؤال يؤرق مضاجع جميع الكتّاب، ومن بينهم الروائى والقاص، ممدوح عبدالستار، حيث يقول: «فى الحقيقة سألت نفسى هذا السؤال كثيرًا، ولم أجد إجابة شافية ومريحة لى غير الدخول فى حالة الكتابة. الإبداع هو منحة من العلى القدير، مَنْ تعامل معها بالحُسنى كان لها مردود رائع، وهو التعبير عن الذات، وعن الواقع، وعن الأفكار، وعن الزمن، وعن المكان. الكتابة لديّ بوتقة من الأسئلة التى لا مفر منها ولا يوجد لديها إجابة، تَلبَسُك الفكرةُ الكلية للعمل الإبداعي، وتعيش بها ولها.. سواء رواية أو قصة، ثم تبحث عن التفاصيل، وعن الشخصيات التى لا بُد لها أن تكون من شحم ولحم وروح هائمة، فالإبداع حالة هندسية داخلية لم يتم اكتشاف مكنونها وعملها داخل روح وعقل الكاتب، وعلى الأخير أن يمزج الفكرة الكلية للعمل الأدبى بروحه، ويجب أن يكون العمل الإبداعى مثل صاحبه، ومثل بصمة اليد التى لا تنتمى إلا لصاحبها المبدع».

 

ويضيف صاحب رواية «أوراق ميت»، الحائز على جائزة الدكتورة سعاد الصباح فى الإبداع الفكرى (1988): «الذكاء الاصطناعى لا يملك روحًا، ولا يملك بصمة خاصة، إنه برنامج، يمكن أن يستمد معرفته من المُدخلات، وما سبق نشره، لكنه لا يمكن أن يأتى بجديد، ولا أن يعبِّر عن روحه، ومكنونات غريزته المتفردة مثل الإنسان، ولا عن أفكار مثل غريزة البقاء، والصراع، وسمو الروح. هو فقط مقلد عظيم، يمكن له أن ينتج إبداعًا مثل ما سبق نشره وكتابته، ويمكن أن يجوّده، لكن الأكيد أن الذكاء الاصطناعى لا يمكن أن يكون مبدعًا كالإنسان، لأنه لا يملك روحًا، ولا يصارع وجوده، ولا يحب، ولا يملك المشاعر الإنسانية المتضاربة».

 

◄ د.الخياري: الآلة ستظل عاجزة عن إدراك معنى الألم والأمل

◄ الهلع الوجودى
على الدرب ذاته، سار الناقد الأدبي، الدكتور محمد أبوالسعود الخياري، فهو واثق ببقاء سلطة الكتابة الإبداعية فى قبضة بنى البشر: «تنتاب الإنسان حالة من الهلع الوجودى عند تصوّره هيمنة الذكاء الاصطناعى على الكتابة الإبداعية، ولعل المكاسب المهولة التى حصدها الإنسان المعاصر من العقد الأخير من عمره فى ظل الحرية التى وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي، وما أتاحه الفضاء الأزرق فى الفيسبوك مثلًا من مساحة تعبير لا محدودة على الصفحة الشخصية، جعلت كل إنسان قادرًا على الكتابة والنشر معًا من دون تكلفة أو جهد أو معوقات، وهذه المَيزات الضخمة كانت على موعد مع كابوس من شأنه خلق كوكبٍ من الوجوه عديمة الملامح المميزة».

 

ويضيف: «إن دخول التكنولوجيا على خط الإبداع البشرى وما يحمله من نَفَسٍ شخصى ممتع وآسر قادر على نقل المتلقى إلى عوالم حميمة تنبض بالتجربة الإنسانية بصدقها الفنى الناتج عن صدق فى التجربة. بيد أن الهواجس السلبية يمكننا أن نهدّئ من وقعها عند تأمل تجارب سبقت كانت تهدّد الفن التشكيلى بل رسم البورتريه عندما اختُرِعت الكاميرا، وكان الخوف على مستقبل الخط العربى حينما أطلقت شركة مايكروسوفت برنامج (أوفيس)، وكذلك توقُع اختفاء مهارة الكتابة بالقلم واستخدام الورق».

 

لكن الخيارى يؤكد أن «إنسانية الإنسان هى الأمل فى كل مرة، والتفاف الناس حول اللوحات المرسومة باليد والحس والأعصاب والتوتر وتفضيلها على صور الفوتوغرافيا، هكذا يقول المستقبل عن سيادة إبداع الآلة هو إهانة للآلة نفسها التى تأبى أن تلعب دورًا يخالف قيمها؛ فالآلة شعارها الانضباط التام، يقابله شعار الكتابة الإبداعية: التمرد والانفلات التام».

 

◄ القرصنة والاختراق
يتابع: «إن حياد الآلة وطاعتها العمياء وتقليدها الأعمى هى سمات مطمئنة فى سياق القلق على مستقبل الإنسان المبدع الذى سيحتاج إلى الاستعانة بضخ المزيد من إنسانيته وسكبها على نصوصه حتى تعجز الآلات تمامًا أو حتى مَنْ يقومون ببرمجتها عن محاكاته. وبقى أن نقول إن البرامج الذكية هى صيد للقرصنة والاختراق فيما يخص معلوماتها ونظامها ونظم تشغيلها، وهو ما يهدّد مملكتها وينذر بخرابها أو بفقدان الثقة فيها فضلًا عن الاعتماد عليها. ولعل ظهور هذا (الخطر الاصطناعي) لَيتيح الفرصة للإنسان فى تأمل إبداعه الطبيعى المتميز الذى ينتجه من مكان ما فوق كوكب الأرض يعبِّر به عن محنته وحلمه وطموحه ويأسه فى مقابل الآلة التى عجزت عن مجرد إدراك معنى الألم والأمل، وإن غرقت حتى أذنيها فى بئر المعلومات».

 

اقرأ أيضا: الروبوت الأمريكي الذكي «Sage»: أساعد الجميع بغض النظر عن جنسياتهم أو مكان إقامتهم

 

ترشيحاتنا