«سلاحف السولكاتا».. الصيد الجائر يهددها بالإنقراض

سلاحف السولكاتا
سلاحف السولكاتا

كتبت : علا نافع

فى صحارى السودان وشمال أفريقيا الممتدة تقبع سلاحف السولكاتا العملاقة فى جحورها الدافئة، تنتظر انتهاء موسم الأمطار وحلول فصلى الربيع والصيف لتتزاوج وتملأ الأنثى عشها بأكثر من ثلاثين بيضة سرعان ما تفقس بعد مرور ثلاثة أشهر، وتستمر دورة حياتها التى تصل أحيانا لـ150 عامًا، فهى من أكثر الحيوانات المعمرة على سطح الأرض، ومؤخرًا أصبحت تربية هذه السلاحف والتجارة فيها من المشروعات المربحة فى مصر، خاصة أنه يتم تصديرها لبعض دول أوروبا وأمريكا، إذ يعشقها كثيرون لملامحها المميزة وأصدافها الصفراء القاسية وأحجامها الكبيرة، كما أصبحت واحدة من الهدايا المفضلة فى أعياد الميلاد وحفلات الزفاف، وهناك من يعتقد فى قدرتها على طرد العين الحاسدة والأرواح الشريرة.

 

وتواجه مزارع تربية هذه السلاحف توحش مهربيها عبر الحدود المصرية السودانية، الذين يمارسون أعمالهم فى الخفاء ويستغلون معرفتهم الجيدة بدروب الصحراء، وهذا بالطبع يهدد بانقراضها حسب اتفاقية «سايتس» الدولية، لكن قوانين البيئة المصرية والمحميات الطبيعية تتصدى لتلك التجارة غير الشرعية وتتربص بأصحابها بالتعاون مع سلاح حرس الحدود.


زرنا واحدة من مزارع تربية السلاحف فى منطقة «أبو رواش» بمحافظة الجيزة للتعرف على طبيعة سلاحف السولكاتا، وكيفية تربيتها للحصول على إنتاج مثالى من الأجنة والبيض، وأهم المشكلات التى يواجهها المربون وتهدد باستمرارية تلك المزارع.

 

زواحف السماء
فى قرية أبو رواش المعروفة بعشق أهلها لتربية الزواحف خاصة الثعابين والسلاحف، تتوسط مزرعة مصطفى طلبة للسلاحف البيوت الحجرية العتيقة، التى أطلق عليها اسم «زواحف السماء»، اعتقادًا منه بأنها تختلف عن باقى الأنواع كأنها مرسلة من السماء خصيصًا لأهل الأرض لتعيش بينهم بسبب أعمارها المتقدمة وهيئتها الغريبة، فضلًا عن حجمها الذى يزيد على 90 كيلوجراما فى كثير من الأحيان.

 

وتنقسم المزرعة لحوضين كبيرين يتم ملؤهما بالماء كى تستطيع السلاحف شرب كمية كبيرة وتخزينها بجسمها لثلاثة أيام كاملة فى فصل الشتاء البارد.


مصطفى ورث عشقه للزواحف من والده وعائلته العريقة المعروفة بتربيتها للحيوانات بأنواعها الأليفة والمفترسة، فمنذ نعومة أظفاره كان يخرج فى رحلات لاصطياد العقارب والثعابين دون أن يساوره أى خوف، بل كان يشعر بلذة وانتصار لنجاحه فى اصطياد عشرات العقارب والثعابين السامة، حتى تحول لتربية سلاحف السولكاتا العملاقة، وباستيراد عدد محدود من إناثها يضاعف عدد الذكور، ومع اليوم الأول شعر بأنها ستكون «وش الخير» عليه.

 

دراسة جدوى
ويقول : «بدأت فكرة المشروع بعد دراسة متأنية وذلك باستيراد مجموعة من إناث السولكاتا السودانية ذات الأحجام الكبيرة، إذ إن لها قدرة على التزاوج بأكثر من ذكر وإنتاج ما بين 10 و45 بيضة فى موسم التزاوج، الذى يبدأ من شهر سبتمبر ويستمر حتى نوفمبر، وبعد ستين يومًا من التزاوج تبدأ الأنثى فى البحث عن مواقع التعشيش المناسبة لتضع البيض فيه».


ويوضح: «يستغرق حفر العش مدة تصل إلى خمس ساعات، وتبدأ الأم بوضع بيضة كل ثلاث دقائق، شرط أن يكون العش دافئًا وبعيدا عن العين، وبعد مرور ثلاثة أشهر كاملة يفقس البيض عن الصغار الذين تتراوح أطوالهم بين 3 و5 سنتيمترات، مؤكدًا أنها تنمو سريعًا فى سنوات عمرها الأولى حتى يصل طول الذكر الواحد أحيانًا إلى 25 سم». وهناك أنواع منها تعيش لأكثر من 100 عام، أما متوسط أعمار السلاحف الموجودة لديه فهو 80 عامًا، وهناك سلاحف يتخطى عمرها 150 عامًا مثل السلحفاة الموجودة بحديقة الحيوان بالجيزة منذ تأسيسها فى عهد الخديو إسماعيل.

 

طعامها خس وجزر
وحول كيفية تربيتها يقول: تعد مزرعتى واحدة من المزارع القليلة فى مصر المعروفة بتربية السلاحف السولكاتا، إذ إن تربيتها مكلفة للغاية، خاصة أن إطعامها بالخس والجزر والأعشاب يكلفنا فى الشهر الواحد أطنانًا عدة، إذ لابد من أن تشكل الأعشاب نسبة 75% من كمية طعامها، كذلك الكالسيوم الكافى لنمو عظامها بشكل سليم. كما أن تصديرها لأوروبا وأمريكا بات يكلفنا الكثير بعد زيادة رسوم الحجر الصحى وتصاريح وزارة البيئة.


وعن أشهر الدول التى تصدر لها السلاحف يقول: تتربع تايلاند على عرش الدول العاشقة للسولكاتا، كذلك دول أوروبا مثل هولندا وألمانيا، حيث يقدمونها كهدايا فى أعياد الميلاد وحفلات رأس السنة. أما الأمريكان فيجلبونها كهدايا للأطفال باعتبارها من الحيوانات المعمرة التى تستمر أجيالًا عدة، أما أسعارها فتختلف بحسب حجم وطول السلحفاة، فالواحدة ذات طول 20 إلى 40 سم يتم تصديرها بـ500 دولار، والتى يتراوح طولها بين 40 و60 سم تُصدَّر بـ750 دولارًا، أما ذات الـ90 سم فقد تتخطى ألف دولار.

 

محصنة من الأمراض
أما محمد طلبة أحد العاملين فى المزرعة، فيقول: «تحتاج السلاحف لكميات كبيرة من الطعام فى فصل الشتاء حيث يمتد بياتها الشتوى من شهر ديسمبر إلى مايو، وفيه تكون حركتها بطيئة وتتقوقع داخل أصدافها العملاقة، وعادة ما تفضل تناول البرسيم لأنه غنى بقدر كبير من الألياف والمياه التى تخزنها داخل أجسامها لمدة ثلاثة أيام على الأقل».


ويشير طلبة إلى أن سلاحف السولكاتا لا تهاجمها أى أمراض أو حشرات طفيلية مقارنة بأنواع أخرى من الزواحف أو السلاحف المصرية صغيرة الحجم، ومن السهل التفرقة بين الذكر والأنثى من خلال صلابة وحجم الصدفة، كما أن حجم الأنثى غالبًا ما يكون أكبر من حجم الذكر.

 

اتفاقية «سايتس»
وعن تربية سلاحف السولكاتا وتجارتها يقول الدكتور أيمن حمادة، رئيس الإدارة المركزية للتنوع البيولوجى بوزارة البيئة: «يهدد الصيد الجائر للزواحف والحيوانات البرية بانقراضها، وهذا ما جعل مصر ممثلة فى وزارة البيئة توقِّع اتفاقيات دولية مثل «سايتس» وهى اتفاقية معنية بالتجارة العالمية لأصناف الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض، وهناك كثير من المهربين غير الشرعيين الذين يهربون هذه السلاحف عبر الحدود المصرية السودانية بشكل سيئ فيما يُعرف بـ(السوق السوداء)».


يتابع: «هناك من يستخدم هذه النوعية من السلاحف كحيوانات أليفة، وآخرون للتربية التجارية وتصديرها للخارج وتكبيد الدولة آلاف الجنيهات، أما أصحاب المزارع الكبرى فعادة ما يحصلون على تصاريح من وزارة البيئة وتتناوب عليهم الحملات للتأكد من مطابقة مزارعهم لقواعد تحقيق الأمن والسلامة للحيوانات فضلًا عن شروط الحجر البيطرى».

 

اقرأ أيضا : حديقة الحيوان: إتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الحيوانات من التقلبات الجوية 

ترشيحاتنا