روايات على حد السكين .. من نجيب محفوظ إلى سلمان رشدى

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

حسن حافظ

أعادت محاولة اغتيال الروائى البريطانى من أصول هندية، سلمان رشدى، تسليط الضوء على محاولات الاغتيال التى تعرض لها روائيون من مختلف الثقافات، فضلا عن تهديدات جدية بالقتل تلقاها مبدعون بسبب أعمال روائية لهم تعرضت لتفسيرات متشددة ومتشنجة، وهى ظاهرة محل رفض، إذ لا يوجد عاقل يوافق على استخدام السلاح ضدهم بدلا من استخدام الفكر فى مواجهة الفكر، لتكون المواجهة بين مداد حبر المبدعين فى مواجهة حد السكين للمتطرفين..

 

محاولات اغتيال الروائيين تصل إلى محطة جديدة بالهجوم على سلمان رشدى

كشفت محاولة اغتيال سلمان رشدى، استمرار نهج استخدام العنف فى مواجهة الفكر، وليس الفكر فى مواجهة الفكر، فالرجل الذى أصدر روايته المثيرة للجدل «آيات شيطانية» (1988)، تعرض للطعن على يد شاب من أصول لبنانية فى أغسطس الجارى، بعد سنوات من تهديدات بالقتل وفتاوى من المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله الخمينى، بهدر دمه وقتله مقابل مكافأة مالية، وهى الجريمة التى تم تنفيذها بعد أكثر من ثلاثين عاما من إصدارها، وفى مدينة نيويورك أثناء استعداد رشدى لإلقاء محاضرة خلال فعالية ثقافية هناك، الأمر الذى أدى لموجة إدانة عالمية، لتعيد محاولة الاغتيال فتح ملف اغتيال الروائيين من جديد.

 

وتعد حالة نجيب محفوظ نموذجية هنا، وربما من ضمن أشهر الحالات العالمية، إذ أصدر فى خمسينيات القرن العشرين رواية «أولاد حارتنا» مسلسلة على صفحات جريدة «الأهرام»، وثارت ضجة وقتها بسبب تأويل البعض لأحداثها بشكل دينى، ما أدى لمنع طبعها فى مصر، وبعد فوز صاحب الثلاثية بجائزة نوبل للآداب عام 1988، أثار الأمر غيظ تيارات الظلام المتطرفة، التى عادت لتشن هجومها على محفوظ، فى وقت عاشت مصر مواجهة مفتوحة مع الإرهاب، تمثلت بعض فصولها فى اغتيال المفكر فرج فودة، ليتعرض محفوظ لمحاولة اغتيال أمام منزله فى حى العجوزة بالجيزة فى أكتوبر 1994.

 

المدهش أن الشاب الذى طعن نجيب محفوظ لم يقرأ حرفا له ولم يطلع على أى من رواياته، وهو فنى كهربائى انضم للجماعة الإسلامية الإرهابية، واعترف أنه نفذ فتاوى أمير الجماعة الإرهابى عمر عبدالرحمن بإهدار دم أديب نوبل، لكن محاولة الاغتيال فشلت وعاش محفوظ وإن أصيب ببعض العجز عن الكتابة لأن محاولة الاغتيال التى تمت باستخدام السكين أصابت شريانا رئيسيا فى الرقبة، ما أدى لإعاقته عن الكتابة بشكل مستمر، وكان الرابط قويا بين نجيب محفوظ وسلمان رشدى، إذ قال الإرهابى عمر عبدالرحمن فى تصريح صحافى، إنه لو تم تنفيذ حكم الردة فى محفوظ لتأدب سلمان رشدى، وذلك فى معرض تنديده برواية «آيات شيطانية»، ولا تتوقف عمليات التشابه عند هذا الحد بل إن منفذى محاولة الاغتيال لمحفوظ ورشدى اتفقت شهادة كل منهما بعد إلقاء القبض عليهما، بالقول إن منفذ الجريمة لم يقرأ حرفا للروائى المستهدف!

 

إذا كانت السكين امتدت صوب أعناق بعض المبدعين بتهمة الإساءة للأديان، فإن التلويح بها يظل ظاهرة أساسية فى العديد من الحالات، فقد أعلنت الروائية الإنجليزية جى كى رولينج، مؤلفة سلسلة «هارى بوتر» الشهيرة تلقيها تهديدات بالقتل بسبب إعلان دعمها لسلمان رشدى عقب محاولة اغتياله فى نيويورك، فعقب كتابتها تعليقًا على تويتر لدعم رشدى، تلقت تهديدا صريحا بالقتل من متطرف باكستانى داعم لإيران، حيث كتب لها: «لا تقلقى.. أنت التالية»، كما تلقى الكاتب السورى حيدر حيدر تهديدات عديدة بالقتل بعد إصدار روايته «وليمة لأعشاب البحر» (1983)، التى رأى فيها الكثيرون تجديفا وإساءة للذات الإلهية، وقد أثار إعادة طبع الرواية فى مصر عام 2000 موجة من المظاهرات داخل الأزهر، ما أدى لمنعها.

 

وسبق أن تعرض الكاتب الأمريكى دان براون، لتهديدات بالقتل على يد متعصبين دينيين بسبب تقديم روايات عديدة تقوم على تحدى الرواية الرسمية للكنيسة الكاثوليكية لتاريخ المسيحية، وهو ما ظهر بوضوح فى عمله الروائى الأشهر «شفرة دافنشى»، التى منعت من دخول دولة الفاتيكان وعدة دول أوروبية، ولم تتوقف تهديدات القتل عند براون فقط، بل طالت كل القائمين على إنتاج الفيلم السينمائى المأخوذ عن هذه الرواية من بطولة الممثل الأمريكى توم هانكس، بينما تعرض الروائى التركى الحائز على جائزة نوبل أورهان باموق لتهديدات جدية بالقتل بسبب بعض الأفكار فى رواياته فضلا عن اعترافه بجرائم الإبادة التركية ضد الأرمن، ليصبح مطلوبًا من العنصريين الأتراك.

 

أما أحدث تهديدات القتل فتلك التى طالت الصحفى والأديب إبراهيم عيسى، إذ حرض تنظيم القاعدة الإرهابى على اغتيال عيسى مؤخرا، بزعم أنه يعمل على هدم الدين الإسلامى وينتقص من قدر أصحاب نبى الإسلام، ووصف عيسى بأنه أحد رموز «الإعلام الملحد»، إذ سبق أن تعرض لعدد من القضايا الخلافية فى تاريخ المسلمين فى أعماله الروائية مثل «رحلة الدم.. القتلة الأوائل» التى تتعرض للسنوات التى تلت وفاة النبى محمد (صلى الله عليه وسلم).

 

ولا تتوقف عمليات الاغتيال عند خانة المتعصبين الدينيين، بل طال الاغتيال روائيين بسبب مواقفهم السياسية والنضالية، ويقف فى مقدمة الصف حالة الروائى الفلسطينى غسان كنفانى، الذى تعرض للاغتيال فى يوليو 1972، بانفجار سيارته التى فخخها عملاء إسرائيليون فى بيروت، كعقاب على أعماله الروائية التى فضحت عدوان المحتل الإسرائيلى، ودافعت عن الحق الفلسطينى فى الأرض، فلم تجد آلة القتل الإسرائيلية إلا الدم لترد به على حبر الورق، فكان قرار الاغتيال لكنفانى عقابا له على رواياته التى فضح فيها الاحتلال الإسرائيلى، وفى مقدمة هذه الأعمال الخالدة تأتى رواية «رجال فى الشمس».

 

اقرأ أيضا: إبنة نجيب محفوظ تستعد لنشر كتابها الأول .. ويضم مذكرات أديب نوبل لأول مرة

 

ترشيحاتنا