مشكلة فلسطين (8)

.
.

بقلم - شنودة الأمير

دائما ما يثير الفلاسفة قلقي، الفلاسفة الحقيقيون، في سبتمبر 1914 يستخدم الفيلسوف الألماني ارنست هاينريش فيليب أوغست هيكل تعبير "الحرب العالمية الأولى" على الحرب التي سوف يتحدث عنها الجميع أنها آخر الحروب العظمى قبل سبت الساحرات الحقير الذي دار في الثانية، وبدون تفصيلات متشابكة دارت هذه الحرب بين القوى العظمى الاقتصادية في العالم –الاقتصاد محرك الحروب الحقيقي– في تحالفين متعارضين: الحلفاء؛ بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا، ضد دول المركز (المحور) ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا، كان يجب أن تكون معهم إيطاليا ولكن انسحبت بسبب خلافات داخليه، ثم انضمت هي واليابان والولايات المتحدة الأمريكية إلى الحلفاء.

عندما يعلن خليفة المسلمين الجهاد المقدس ضد الحلفاء تظهر إشكالية غريبة أمام الدول التي تقع إسميا تحت سيادة العثمانيين، فمصر تحتلها بريطانيا بالفعل منذ 1882، وهكذا حال مناطق كثيرة شرقا وغربا، وهنا تصل فرنسا وبريطانيا إلى اتفاقات أن تظل المدينتان المقدستان للمسلمين "مكة والمدينة" خارج نطاق العمليات العسكرية، مع وعد للعرب باستقلال ذاتي (لاحظ أنه لم يكن هناك حدود واضحة لبلاد العرب هذه آنذاك).

وعن حال المشرق المظلوم دوما في كل ذكر لهذه الحرب، يذكر هنرى لورنس:

"والحال أن التواريخ العامة للحرب العالمية الأولى إنما تعالج الجبهات الشرقية على أنها مسرح ثانوي، حيث إن الأعمال الحاسمة الحقيقية قد حدثت على الجبهة الأوروبية.. وهذا مما لا جدال فيه، بيد أنه يؤدي إلى غض النظر عن الدمار الذي أصاب مجمل الشرق الأدنى باتساع غير معروف في أوروبا. فإذا كانت الخسائر البشرية الرئيسية في الغرب سوف تنزل بالعسكريين، فإن الأمر لن يكون كذلك في الشرق، حيث ستصل أرقام الوفيات من المدنيين إلى مستويات مخيفة، بل كارثية إلى أبعد حد... ولن تعرف فلسطين خرابًا مماثلاً".

عندما تنشب الحرب يتم تعيين جمال باشا أحد قادة جماعة "تركيا الفتاة" لحكم الولايات السورية وقيادة العمليات العسكرية، وبالطبع يتم طرد رعايا الدول المعادية للدولة العثمانية، وعندما يصل الأمر لليهود يتوسط الدبلوماسيون الألمان والنمساويون والأمريكيون حتى يتوقف القرار، وهو ما كان. ومن الناحية الأخرى يتم الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا على تقسيم الدولة العثمانية إلى مناطق نفوذ تتقاسمها الدول المتحالفة، لم يتم ذلك بعد الحرب، بل منذ بدايتها 1914.

وتدور مفاوضات بين سايكس وبيكو للاتفاق على هذه التقسيمات ووضع حدود لما يعرف ببلاد العرب وسوريا، كانت فرنسا تريد سوريا كاملة، أي سوريا الجنوبية وهي ما نعرفه الآن بأنه حدود فلسطين، وكذلك ولاية الموصل، والباقي لبريطانيا، إن تفاصيل الاتفاقات والكر والفر السياسي بين الدولتين لتحديد مثل هذه الحدود في هذا الوقت من بداية الحرب، أعتقد أنه كفيل ليجعل مواطن الشرق يشعر بالتدني، فمجرد قدرة شاب انجليزي هو سير مارك سايكس على الإقناع أو مجرد بحث بريطانيا عن طريق أكثر أمنا للهند أو شكل حكومة فرنسا أمام شعبها.. مثل هذه الأسباب فقط هي ما قسمت حدود دول الشرق الأدني التي نراها اليوم، مثل هذه الأسباب هي جزء من المشاكل التي تعانيها الشعوب حتى هذه اللحظة، وهذا هو دور الاستعمار التقليدي في كل مكان، أعتقد أن كل مشاكل أفريقيا بعد الاستعمار كان سببها الحدود التي وضعها المستعمر لا أهل البلاد... ولكننا، وكما نرث كل شيء من الماضي، ورثنا حدودنا وصراعاتنا.

ترشيحاتنا