الأحتفال بـ ليلة الرؤية طقوس رمضانية وتاريخية

ليلة الرؤية
ليلة الرؤية

تعد ليلة رؤية هلال شهر رمضان من أبهج ليالي العام لدى المسلمين لمكانة الشهر الكريم عندهم، ولازال الاحتفال برؤية هلال رمضان في مصر له طابع خاص عن بقية الاقطار الاسلامية

وعن عادات وتقاليد هذه الليلة  نجد إن ليلة رؤية هلال رمضان مرت بعصور وحقب تاريخية متعاقبة بدأت في عام 155هـ حينما خرج أول قاض لرؤية هلال رمضان وهو القاضي" أبو عبدالرحمن عبدالله بن لهيعة"، الذي ولي قضاء مصر وخرج لنظر الهلال، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته، حيث كانت تعد لهم دكة على سفح جبل المقطم عرفت بـ (دكة القضاة)، ويخرج إليها لاستطلاع الأهلة.

 و حلول شهر رمضان والاحتفال به كان من المناسبات التي أعطاها الفاطميون أهتماما خاصا، فقد اعتاد المصريون منذ العصر الفاطمي الاستعداد لاحتفالات رمضان بدءا من الثلاثة أيام الأخيرة من شهر شعبان بتفقد قضاة مصر لنظافة واصلاح وفرش مساجد القاهرة والفسطاط والقرافة وتزيين ازقتها وشوارعها وإضاءة الفوانيس والمصابيح إحياءا لهذه الليلة.

 وتابعت أن القاهرة كانت تتهيأ في هذه الليلة لاستقبال الشهر الكريم باحتفالات دينية تنتهى بمائدة السحور وصلاة الفجر، وكان من ضمن التقاليد المتبعة من قبل الخليفة الفاطمي إبطال المنكرات، وجرت العادة في آخر جمادي الآخرة من كل سنة أن تغلق جميع قاعات الخمارين بالقاهرة ومصر وتختم ويحذر بيع الخمر ويعمم ذلك على سائر أعمال الدولة.

 وفي العصر الأيوبي، كانت تتم رؤيه هلال شهر رمضان من الصحراء القريبة من القاهرة ثم ينطلق الموكب المكون من محتسب القاهرة وقاضى القضاة ووالى القاهرة وعدد من الجنود حيث يدعو الناس إلى الصيام في اليوم التالى بقول القائل " صيام صيام غدا صيام ".

 و في العصر المملوكى تم نقل مكان رؤية الهلال إلى منارة مدرسة السلطان قلاوون بشارع المعز لوقوعها أمام المحكمة الصالحية (مدرسة الصالح نجم الدين ايوب) حيث يخرج قاضى القضاة لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف.

 و كان إذا تأكدت رؤية الهلال أضيئت الأنوار على الدكاكين والمآذن وتضاء المساجد ثم يخرج قاضى القضاة في موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام وينادى المنادون بان اليوم التالى هو أول أيام شهر رمضان.

وبالنسبة للعصر العثماني، نجد إن موضع استطلاع الهلال عاد مرة أخرى إلى المقطم فكان يرى من قبل قاضى العسكر وقضاة المذاهب الأربعة والمحتسب الذين يجتمعون في مدرسة قلاوون، ثم يركبون بصحبة أرباب الحرف إلى موضع مرتفع بجبل المقطم فإذا ثبتت رؤيته يعودون بأيديهم المشاعل والقناديل إلى مدرسة قلاوون ليسير موكبهم بعد الرؤيا مخترقا قلب القاهرة صعودا إلى قلعة الجبل لتهنئة الوالى بحلول شهر رمضان.

و في عصر أسرة محمد على تم إنشاء أول مرصد بمصر بالقلعة عام 1838م، ثم تم نقله إلى العباسية، وفي عام 1903م انتقل إلى حلوان ومنذ ذلك التاريخ انتظم العمل بالحسابات الفلكية في مصر بجانب الاستطلاع بالعين المجردة والميكروسكوب، واستمر الأمر كذلك إلى عهد الخديو عباس حلمى الثانى الذي أمر بإنشاء دار الإفتاء في القرن التاسع عشر، وأسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان، والاحتفال به، وتقوم الدار بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان.

وفي زمن الحملة الفرنسية في مصر، كان قاضي القضاة والمحتسب ومشايخ الديوان، في ليلة الرؤية، كانوا يجتمعون ببيت القاضي "المحكمة" بين القصرين، وعند ثبوت الرؤية يخرجون في موكب يحيط بهم مشايخ الحرف و" جملة من العساكر الفرنساوية"، وتطلق المدافع والصواريخ من القلعة والأزبكية.

وكان نابليون بونابرت كان يصدر أمره بالمناداة في أول رمضان بألا يتجاهر غير المسلمين بالأكل والشرب في الأسواق، وألا يشربوا الدخان ولا شيئا من ذلك بمرأى منهم، كل ذلك لاستجلاب خواطر الرعية، كما أقام نابليون عام 1798م في الإسكندرية بطارية مدفع فوق كوم الناضورة مزودة "بكرة"، وتتصل البطارية بمرصد حلوان بحيث يتم إسقاط الكرة ساعة غروب الشمس، فتحدث صوتا، وأصبح هذا الصوت إيذانا بموعد الإفطار وأطلق عليه " كرة الزوال ".

ترشيحاتنا