دكتور أيمن الغندور يكتب: هل يعد قرار مجلس الأمن حول غزة ملزما؟

دكتور أيمن الغندور
دكتور أيمن الغندور

لماذا يعتبر قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم الذي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار ملزماً قانونياً؟
أصدر مجلس الأمن الدولى في جلسته رقم 9586 المنعقدة يوم الأثنين 25 مارس 2024القرار رقم (2728 /2024)الذى يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف مما يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار، ويطالب أيضًا بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية، و ويطالب كذلك الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين يحتجزونهم؛ ويشدد على الحاجة الملحة لتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزة بأكمله، ويكرر مطالبته برفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي وكذلك القرارين 2712 (2023) و 2720 (2023).
 
وعقب صدور القرار، صرح المتحدث باسم الولايات المتحدة (ماثيو ميللر)بأن :"القرار اليوم هو قرار غير ملزم"، وبعبارات مختلفة تحمل نفس المعنى قالت (ليندا توماس غرينبرغ) الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة : إن الولايات المتحدة "تدعم بشكل كامل بعض الأهداف الحاسمة في هذا القرار غير الملزم". كما شكك ممثل (كوريا الجنوبية)فى مؤتمر صحفي عقده ممثلو مجموعة العشرة(الدول غير دائة العضوية فى مجلس الأمن)التى قدمت مشروع القرار في القوة الإلزامية للقرار استناداً إلى أنه لا يتضمن كلمة "يقرر" ولم يصدر بموجب الفصل السابع من الميثاق ، وهنا يثور التساؤل حول مدى إلزامية هذا القرار لإسرائيل ؟
 
ويمكن القول : إن قرارات مجلس الأمن الدولى تتمتع بصفة الإلزام سواء صدرت طبقا للفصل السادس من الميثاق الخاص بحل المنازعات حلاً سلمياً، أم صدرت طبقا للفصل السابع الخاص بما يتخذ من أعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان ، وهى ما يطلق عليه (تدابير القمع) ؛ ذلك أن المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة نصت على أن : "يتعهد أعضاء "الأمم المتحدة" بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق" وأن كلمة قرارات جاءت عامة فتشمل القرارات الصادرة من مجلس الأمن طبقا للفصل السادس أو السابع ، ولو أراد الميثاق قصر الصفة الملزمة لقرارات مجلس الأمن التى تتخذ طبقا للفصل السابع لنص على ذلك صراحة ، ولا يجوز تحميل النص ما لا يحتمل من تفسيرات تتعارض مع صراحته ، فضلاً عن أن حل المنازعات الدولية يكون تدريجيا يبدأ غالبا باستخدام الوسائل السلمية المنصوص عليها فى الفصل السادس فى المادة (33) من الميثاق كالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع على طرفى النزاع اختيارها.ولمجلس الأمن طبقا للمادة (36) من الميثاق في أية مرحلة من مراحل نزاع من النوع المشار إليه في المادة 33 أو موقف شبيه به أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية ،على أنه إذا رأى مجلس الأمن أن استمرار هذا النزاع من شأنه في الواقع، أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي قرر ما إذا كان يقوم بعمل وفقاً للمادة 36 أو يوصي بما يراه ملائماً من شروط حل النزاع طبقا للمادة (37) من الميثاق وتكون قرارات مجلس الأمن فى هذا الشأن ملزمة لطرفى النزاع ،
 
فإذا فشلت الوسائل السلمية فى حل المنازعات ، انتقل مجلس الأمن إلى استخدام التدابير القسرية أو القمعية المنصوص عليها فى الفصل السابع من الميثاق بالتدريج أيضا من التدابير المؤقتة إلى التدابيرغير عسكرية ثم التدابير العسكرية . وفى عدم التفرقة فى الطبيعة الملزمة لقرارات مجلس الأمن بين القرارات الصادرة طبقا للفصل السادس و القرارات الصادرة طبقا للفصل السابع ذكرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشارفى قضية (ناميبيا) الفقرة (113)أنه:"لقد قيل إن المادة 25 من الميثاق لا تنطبق إلا على تدابير الإنفاذ المعتمدة بموجب الفصل السادس من الميثاق. ولا يمكن أن نجد في الميثاق أي تأييد لهذا الرأي. ولا تقتصر المادة 25 على القرارات المتعلقة بإجراءات الإنفاذ، بل تنطبق على "قرارات مجلس الأمن" التي يتخذها وفقا للميثاق. علاوة على ذلك، فإن تلك المادة لم توضع في الفصل السابع، بل مباشرة بعد المادة 24 في ذلك الجزء من الميثاق الذي يتناول مهام وسلطات مجلس الأمن. إذا كانت المادة 25 تشير فقط إلى قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإجراءات الإنفاذ بموجب المادتين 41 و 42 من الميثاق، أي إذا كانت هذه القرارات فقط هي التي لها أثر ملزم، فإن المادة 25 ستكون تزيداً عن الحاجة، لأن هذا الأثر مضمون بموجب المادتين 48 و49 من الميثاق."
 
وفي البت في الطبيعة الملزمة لمجلس الأمنفي القرارات المعنية، تشير المحكمة إلى المقطع التالي في فتواها الصادرة في 11 أبريل 1949 بشأن التعويض عن الأضرار المتكبدة في خدمة الأمم المتحدة: "لم يكتف الميثاق بجعل المنظمة التي أنشأها مجرد مركز" "لتنسيق أعمال الأمم لتحقيق هذه الغايات المشتركة" (المادة 1، الفقرة 4). وقد جهزت ذلك المركز بالأجهزة، وكلفته بمهام خاصة. وحددت موقف الأعضاء فيما يتعلق بالمنظمة. المنظمة بمطالبتها بتقديم كل مساعدة لها في أي إجراء تتخذه (المادة 2، الفقرة 5)، وقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها. (تقارير محكمة العدل الدولية لعام 1949، ص 178.) وبالتالي، عندما يتخذ مجلس الأمن قرارًا بموجب المادة 25 وفقًا للميثاق، فإن على الدول الأعضاء الالتزام بهذا القرار، بما في ذلك أعضاء مجلس الأمن الذين صوتوا ضده و أعضاء الأمم المتحدة الذين ليسوا أعضاء في المجلس. والقول بخلاف ذلك يعني حرمان هذا الجهاز الرئيسيلوظائفه وصلاحياته الأساسية بموجب الميثاق.
 
وفيما يتعلق بالغة والألفاظ المستخدمة فى صياغة القرار وقد ذكرت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشارفى قضية (ناميبيا) الفقرة (114)أنه :وقد قيل أيضاً أن مجلس الأمن المعنيتتم صياغة القرارات بلغة تحفيزية وليست إلزامية، وبالتالي، لا تهدف إلى فرض أي واجب قانوني على أي دولة أو التأثير قانونيًا على أي حق لأي دولة. وينبغي تحليل لغة قرار مجلس الأمن بعناية قبل أن يتم التوصل إلى نتيجة بشأن تأثيره الملزم. وبالنظر إلى طبيعة الصلاحيات المنصوص عليها في المادة 25، فإن مسألة ما إذا كانت قد تمت ممارستها بالفعل أم لا يجب تحديدها في كل حالة، مع مراعاة شروط القرار المراد تفسيره، والمناقشات التي أدت إليه، وأحكام الميثاق. و بشكل عام، بجميع الظروف التي قد تساعد في تحديد العواقب القانونية لقرار مجلس الأمن.) وبتطبيق ذلك على القرار 
 
وبالتالي هناك حجة نصية ومنهجية يمكن تقديمها بأن المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تمتد لتشمل جميع قرارات مجلس الأمن.
ليس من الضروري استخدام كلمة "يقرر" بشكل صريح لكي يكون القرار ملزمًا قانونًا
 
ومن ثم، فإن ما إذا كان القرار يحتوي على مقرر أم لا، يتم تقييمه على أساس النص المعني، وليس ما إذا كان القرار قد تم اعتماده بموجب الفصل السابع أو الفصل السادس. تنص محكمة العدل الدولية على ما يلي: "ينبغي تحليل لغة قرار مجلس الأمن بعناية قبل التوصل إلى نتيجة بشأن أثره الملزم." (فتوى ناميبيا، الفقرة 114).
 
وهنا يشير ممثل كوريا الجنوبية إلى أنه نظرا لأن مجلس الأمن لم يستخدم كلمة "يقرر"، فلا يوجد إلزام قانوني. ومع ذلك، فإن مجلس الأمن لا يقرر عادة وجود وقف لإطلاق النار – فهو لا يستطيع أن يفرض وقف إطلاق النار على الوجود من خلال قرار. بل إنها تستخدم هذه اللغة، على سبيل المثال، لتقرر إنشاء بعثة لحفظ السلام أو تقرر نشر مراقبين. إن نص القرار الذي تم اعتماده اليوم واضح وقوي: فهو يطالب صراحة بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان وكذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن. ليس هناك شك في اللغة: ما هو الوزن الذي ينبغي أن يحمله الطلب، إن لم يكن وزن الالتزام القانوني؟ وللمقارنة، وجدت المحكمة، في فتوى ناميبيا المذكورة أعلاه (في الفقرة 115)، أن الطلبات التالية، في جملة أمور، كانت ملزمة قانونًا: "تدعو حكومة جنوب أفريقيا إلى سحب إدارتها من الإقليم على الفور" (S/Res / 169 (1969)، الفقرة 5) و"يدعو جميع الدول... إلى الامتناع عن أي تعامل مع حكومة جنوب أفريقيا يتعارض مع الفقرة 2 من هذا القرار [الذي يعلن أن استمرار وجود جنوب أفريقيا في ناميبيا غير قانوني]" (S/Res/174 (1970)، الفقرة 5). ليس من الواضح على أي أساس ينبغي أن يكون هناك فرق بين كلمتي "يدعو" و"يطلب" - إذا كان هناك أي شيء، فإن الأخيرة لها دلالة أقوى.
 
وفي الختام، فإن القرار - على الرغم من التصريحات التي تشير إلى خلاف ذلك - ملزم قانونًا وينص على طلب ملزم قانونًا بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان وطلب ملزم قانونًا بالإفراج الفوري عن جميع الرهائن. والمشكلة الواضحة هنا هي التنفيذ: فمن سيتولى تنفيذ قرار مجلس الأمن في الوضع الحالي؟ ويقع على عاتق أطراف النزاع في نهاية المطاف الاستجابة لنداء مجلس الأمن، وعلى المجلس نفسه تنفيذ طلباته. وبالنظر إلى تجربة الأشهر الماضية، فإن هذا لا يدعو إلى الحماس. ومع ذلك، فإن حقيقة أن المجلس قد يوافق على النص، بعد خمس مرات من استخدام حق النقض بشأن هذه المسألة، ربما تكون بارقة أمل.
يجب علينا أن نفرق بين الطبيعة الملزمة لقرارات مجلس الأمن وبين طبيعة الإجراءات المتخذة ، طبقا للفصل السادس الخاص بحل المنازعات بالطرق السلمية ، أم طبقا

ترشيحاتنا