مشكلة فلسطين (12)

.
.

بقلم - شنودة الأمير

 

في 1920 يتم تعيين هربرت صمويل كمندوب سامي بريطاني على فلسطين رغم كل المعارضات العربية، حيث عُرف بدعمه المطلق للصهيونية، ويعلن صمويل أنه سيعمل على تكوين وطن قومي لليهود مع الاحترام الصارم لحقوق غير اليهود!!

ويصدر تقرير "بالين" وهو مثل كل تقارير لجان تقصي الحقائق على الأرض – والتي لم يستمع لها الساسة البريطانيين– كان يقر بأن الوجود الصهيوني في المنطقة سيصنع عنفا لا ينتهي، فهو ينفي أن الأرض التي سيسكنها الصهاينة أرضًا خالية من السكان، فالتقرير يقول صراحة "لا توجد أرض شاغرة في فلسطين"، كما أن تصريحات الصهاينة بصُنع "فلسطين يهودية كما أن انجلترا إنجليزية" سوف يؤدي إلى نزاع لا محالة حيث ان فلسطين (عربية) في المقام الأول.

يعُقد في ديسمبر 1920 المؤتمر الفلسطيني العربي الثالث في حيفا بتمثيل 46 جمعية إسلامية – مسيحية ومجموعات سياسية، وهدفه الرئيسي إعلان تكوين حكومة وطنية، ورفض الوطن القومي لليهود، وهو لحظة تاريخية هامة في مسار القضية الفلسطينية، فهنا تغلبت الصيغة الفلسطينية للنزعة القومية عن الصيغة العربية الجامعة، ولأن التاريخ مليء بالمصادفات ففي يوم افتتاح المؤتمر العربي وفي المدينة نفسها كان يوم نهاية أعمال مؤتمر العمال اليهودي الذي أسس للاتحاد العام للعمال اليهود "الهستدروت"، وتتمثل مهمته في تمثيل العمال اليهود وحدهم في جميع مجالات الحياة الاجتماعية.

وفي مؤتمر القاهرة الذي يعقده تشرشل، يلتقي زعيم وفد فلسطين موسى كاظم مع القوميين العرب وأيضاً مع إسماعيل صدقي باشا الذي ينصحه بتشكيل حزب سياسي، ولكن لا تكف المناوشات بين الطرفين الفلسطيني (مسلمين ومسيحيين) مع الطرف اليهودي، ففي احتفالية عمالية ينشب صراع – أراه غريبا وعجيبا – بين الاشتراكيين اليهود والصهيونيين في مدينة يافا 1921، ولكن يسقط عربي وسط هذه الاشتباكات، ويهب السكان في موجة عنف وسلب ضد اليهود، مما لا يجعل أمام السلطات البريطانية إلا إجلاء اليهود جميعا من يافا إلى تل أبيب، وتنتقل الإضطرابات إلى نابلس – طولكرم، لتنتهي بحصيلة قتلى 48 عربيًا، 47 يهوديًا. وهنا يكتشف العرب أن بريطانيا عندما جردت السكان من السلاح تركت لليهود أسلحتهم، لقد كانت كل الأحداث ضد التصور البريطاني أنهم في وقت ما يستطيعون العيش بسلام، ومع ذلك استمرت بريطانيا في مخططها.

ومن تقرير اللجنة العربية التنفيذية عن الأحداث: ".. إن أهل البلد وقد يئسوا من عدالة العالم المتمدن، سوف يستخفون بالحياة وينتصبون كرجل واحد دفاعاً عن وطنهم ودينهم وشرفهم"، ما أشبه الليلة بالبارحة.

يلقي العسكريون البريطانيون المسئولية عن الاضطرابات على انحياز حكومتهم إلى الصهيونية الذي أدى إلى قنوط العرب.

يعقد اليهود مؤتمر كارلسباد في تشيكوسلوفاكيا سبتمبر 1921، ولا يأتي بجديد في المخطط الصهيوني ولكن أهم نقطة – من رأيي – هي الاتفاق على تكوين قوة دفاع يهودية مسلحة سرية سيكون لها دور كبير فيما بعد هي "الهاجاناه"، وتتسبب تصريحات وايتزمان التي نقلتها الجرائد للعرب بأنه يعمل على أن تكون فلسطين يهودية في اضطرابات جديدة واكبت ذكرى وعد بلفور.

عندما يسافر وفد فلسطيني إلى لندن في العام 1922، نستطيع ان نرصد موازين القوى آنذاك، فكبرى الصحف البريطانية تقف ضد الصهيونية وكذلك العسكريون، ثم إن كل اللجان كانت تقاريرها ضد خلق مشكلة متفاقمة إذا تم تنفيذ وعد بلفور، وكذلك نرى فرنسا والبابا – وهو الموقف الذي يثير قلق وايتزمان – ضد المشروع الصهيونى، ولكن ساسة بريطانيا يمضون قدما رغم كل هذه المعارضات، وهو موقف غريب لمن يراقب الأحداث، (دعنا مستقبلا نحاول بحث أسبابه). والمشكلات لها أسباب واقعية لا أيديولوجية كما يعتقد البعض، فمثلا في نفس العام تهدد الهاجاناة باستخدام العنف ضد اليهود العرب – الذين عاشوا في المنطقة قبل الهجرات الحديثة– وأيضا مشكلة المياه سابقة الذكر تدل على أن المنطقة لا تحتمل هجرات ضخمة فجائية، وكذلك مشكلة تتبع كل حرب وهي ارتفاع نسبة البطالة التي يعاني منها الشرق الأوسط، فلنتخيل مع ذلك هجرة عشرات الآلاف إلى بلد تعاني البطالة بالفعل، لقد كانت هناك أسباب كثيرة واقعية تتجاور مع الشكل العام للمشكلة والذي هو جوهري في ذاته، فهل من الطبيعي أن تهجر جماعة إلى دولة عامرة بالسكان وتجعل ساداتها ومواطنيها يراقبون في صمت؟!!!

ترشيحاتنا