انعكاسات حرب غزة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة

حرب غزة والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة
حرب غزة والانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة

مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، ألقت حرب غزة بظلالها على الداخل الأمريكي؛ حيث واجه الرئيس الأمريكي "جو بايدن" العديد من الانتقادات الداخلية جراء دعمه غير المسبوق لإسرائيل، وفي ضوء ذلك أشارت بعض التحليلات إلى تراجع فرص فوزه بولاية ثانية، هذا إلى جانب ما أثارته الحرب من انشقاقات داخل الحزب الديمقراطي، الأمر الذي يهدد بفقدانه الأصوات التي ساعدته في هزيمة الرئيس السابق "دونالد ترامب" في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وسيتم فيما يلي تسليط الضوء على أبرز ما تداولته الصحف والمجلات ومراكز الفكر الغربية من تحليلات حول سياسات "بايدن" المتبعة خلال حرب غزة، وتأثيرها على شعبيته في الداخل الأمريكي، فضلًا عن انعكاسات الحرب على شعبية الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

تصاعد الانتقادات تجاه دعم "بايدن" لإسرائيل

أدى الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل في حربها على غزة إلى تصاعد الانتقادات تجاه السياسات الأمريكية المتبعة. وفي هذا الصدد، أشار مقال نشره مركز "فورين بوليسي إن فوكس" (Foreign Policy in Focus) بعنوان "صانعو الأسلحة الأمريكيون يستفيدون من الصراع" إلى أن قيام إدارة الرئيس "جو بايدن" بتقديم الدعم العسكري لإسرائيل في حربها ضد قطاع غزة، ومساندتها للهجمات المروعة التي تشنها إسرائيل على المدنيين، يتعارض مع القيم الديمقراطية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية وتدافع عنها، منوهًا إلى أن هجمات حماس لا تبرر شن حرب شاملة تجاه المدنيين في غزة.

وعلى هذا النحو، نبه مقال نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" بعنوان "ما يفرضه دعم بايدن لإسرائيل في حرب غزة من تكلفة على الولايات المتحدة الأمريكية"  إلى أنه على الرغم من تأكيد "بايدن" في عام 2022 دور الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز حقوق الإنسان والقيم المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فإنها تستمر في دعم إسرائيل سياسيًّا وماليًّا وعسكريًّا في حربها ضد غزة، وذلك بالرغم من جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في القطاع. محذرًا من أن قيام دول الجنوب العالمي بالمقارنة بين الخطاب الأمريكي المدافع عن حقوق الإنسان في سياق الحرب الأوكرانية وبين موقفها المؤيد لإسرائيل في حرب غزة، سيزيد من التنديد بالمعايير الأمريكية المزدوجة، حتى بين حلفاء الولايات المتحدة.

هذا، وقد شدّد مقال نشره موقع "ذا هيل" (The Hill) "بعنوان"حرب غزة يمكن أن تنتهي اليوم إذا اتخذ الرئيس بايدن إجراءً لتحقيق ذلك على ضرورة قيام "بايدن" بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والدخول في مفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى حل سلمي للقضية الفلسطينية، حتى لو تطلب الأمر التهديد بوقف المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها واشنطن لتل أبيب، محذرًا من خطورة قيام الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين بالموافقة على مطالب رئيس وزراء إسرائيل "بنيامين نتنياهو" ببقاء القوات الإسرائيلية في غزة بعد انتهاء الحرب، مشيرًا إلى أن "نتنياهو" يسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز بقائه في السلطة، وذلك بالرغم من تراجع شعبيته في الداخل الإسرائيلي.

 وفي سياق متصل، أشار مقال نشره "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني"  بعنوان "التصعيد الإيراني في العراق وسوريا: التداعيات والخيارات الأمريكية"  إلى أن الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية في المنطقة في ظل استمرار حرب غزة ستزيد من مطالبة الرأي العام الأمريكي بالعودة إلى الوطن والانسحاب من المنطقة، محذرًا من أن حساسية الرأي العام الداخلي تجاه الخسائر الأمريكية ستزداد على نحو خاص إبان فترة الانتخابات الرئاسية المرتقبة خلال عام 2024.

 انحصار فرص "بايدن" في الانتخابات الرئاسية المقبلة

تطرقت بعض التحليلات إلى تأثير سياسات الرئيس "جو بايدن" تجاه إسرائيل والحرب في غزة على تراجع شعبيته الداخلية، فضلًا عما أثارته من انشقاقات داخل الحزب الديمقراطي. وفي هذا الإطار، أشار مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" بعنوان "تراجع شعبية بايدن وارتفاع شعبية ترامب وسط الحرب الإسرائيلية على غزة" إلى انخفاض شعبية الرئيس الأمريكي "جو بايدن" والتي وصلت إلى أدنى مستوى لها مُنذ توليه رئاسة البلاد، وذلك بسبب سياساته في التعامل مع أزمة غزة. منبهًا إلى استطلاع رأي أجرته شبكة "إن بي سي نيوز" الأمريكية  في نوفمبر 2023، والذي أشار إلى أن 62% من الأمريكيين يعارضون سياسة "بايدن" الخارجية، فضلًا عن معارضة 56% من الأمريكيين سياسات "بايدن" تجاه الأزمة في غزة، هذا إلى جانب ما أشارت إليه نتائج الاستطلاع من أنه في حال أجريت الانتخابات اليوم فإن "بايدن" سيحصل على نسبة 44% من الأصوات بينما سيحصل "ترامب" على 46% من الأصوات.

 

وأشار مقال نشرته صحيفة "بوليتيكو"  بعنوان "الحرب في قطاع غزة تُعيد تشكيل المشهد السياسي لعام 2024"  بأن دعم إدارة "بايدن" غير المحدود لإسرائيل من شأنه أن يضع التقدميين الشباب وبعض الناخبين الأمريكيين العرب في حيرة من أمرهم بشأن إعادة انتخاب "بايدن" من عدمه لولاية ثانية، منوهًا إلى أن نتائج استطلاع رأي أجراه "المعهد العربي الأمريكي"  في أكتوبر 2023 كشفت عن فقدان الرئيس "بايدن" شعبيته بشكل كبير بين الأمريكيين من أصل عربي جراء دعمه المطلق لإسرائيل؛ إذ إنه بالرغم من أن تأييدهم له في انتخابات عام 2020 وصل إلى 59%، فإن الاستطلاع أوضح أن 20% من الأمريكيين من أصل عربي يوافقون إلى حد ما على أداء "بايدن" بينما يحمل 66% وجهة نظر سلبية تجاه إعادة انتخابه.

وفي سياق متصل، نشر موقع "إكسيوس" (Axios) الأمريكي مقالًا بعنوان "اضطراب فريق بايدن لعام 2024 بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة حماس"  كشف فيه عن وجود انقسامات حادة بين أعضاء الحملة الانتخابية للرئيس "بايدن" بشأن كيفية التعاطي مع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، موضحًا أنه في الوقت الذي يرى فيه أعضاء الحملة أن "بايدن" يُحرض على هجوم غير إنساني ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، فإن البعض الآخر يعتقد أن موقف "بايدن" المؤيد لإسرائيل يهدف بالأساس إلى إظهار الالتزام الأمريكي بحماية إسرائيل، مضيفًا أن هذه الانقسامات تظهر بشكل كبير بين أعضاء الحزب الديمقراطي الأكبر سنًا المؤيدين لإسرائيل والتقدُميين الأصغر سنًا الذين هم أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين.

 

هذا، وقد نبه مقال نشرته "منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي"  بعنوان "يجب على بايدن الاستماع إلى معارضة وزارة الخارجية الأمريكية بشأن غزة "  إلى تزايد المعارضة داخل إدارة الرئيس "جو بايدن" بشأن سياساته الخارجية المتبعة تجاه حرب غزة، مشيرًا إلى مطالبة عدد من المسؤولين الأمريكيين للإدارة الأمريكية بالتدخل من أجل وقف إطلاق النار، مرجحًا أن تؤدي سياسة "بايدن" تجاه غزة إلى تنامي حالة الشعور بالغضب داخل الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أن المسؤولين الأمريكيين يشعرون بقلق عميق من التداعيات السلبية المحتملة لحرب غزة على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، ومستقبل السياسة الخارجية الأمريكية في المجمل.

وأشار مقال نشرته وكالة "أسوشيتد برس"  بعنوان "تخوف الديمقراطيين من تأثير موقف بايدن بشأن الحرب بين إسرائيل وحماس على إعادة انتخابه في ولاية ميشيجان" إلى التحذيرات التي أصدرها أعضاء الحزب الديمقراطي بولاية "ميشيجان"  لـ "بايدن" حول استمرار نهجه المؤيد لإسرائيل في حربها على غزة، الأمر الذي يهدد بخسارة أصوات المجتمع العربي الأمريكي في الولاية، ومن ثمّ، خسارته لولاية "ميشيجان"، وتراجع فرص فوزه في انتخابات الرئاسة 2024.

انعكاسات الحرب في غزة على شعبية "الحزب الجمهوري"

أشارت بعض التحليلات إلى استغلال الحزب الجمهوري والرئيس السابق "دونالد ترامب" للانتقادات التي طالت سياسات الرئيس "جو بايدن" تجاه حرب غزة لتعزيز فرص فوزهم في الانتخابات الرئاسية القادمة. وفي هذا الصدد، نبه مقال نشرته صحيفة "ذا جارديان بعنوان "ترامب يستغل الحرب بين إسرائيل وحماس في السباق الرئاسي ليتهم بايدن بجلب الفوضى والإرهاب" إلى استغلال "ترامب" لحرب غزة لتحقيق مكاسب سياسية في الانتخابات الرئاسية القادمة، وذلك من خلال إلقاء اللوم على "بايدن" فيما يتعلق بتصاعد الصراعات حول العالم خلال فترة رئاسته، ومقارنتها بفترة رئاسة "ترامب" التي لم تشهد مثل تلك الحروب.

وعلى هذا النحو، أشار مقال نشره موقع "ذا هيل"  بعنوان "استطلاع: الناخبون يثقون بترامب أكثر من بايدن فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى استطلاع رأي أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" وكلية "سيينا"  في نوفمبر 2023 بشأن أفضل أداء فيما يتعلق بالتعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والذي أظهر أن 50% من الناخبين المسجلين في ست ولايات أمريكية متأرجحة اختاروا "ترامب"، بينما اختار 39% فقط الرئيس "بايدن".

 

وختامًا، فمن المرجح أن تلعب حرب غزة دورًا في تشكيل نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، فضلًا عن زيادة الانقسامات في أروقة السياسة الأمريكية، لا سيما داخل الحزب الديمقراطي، الأمر الذي قد يفسح المجال أمام الحزب الجمهوري لاستقطاب بعض الأصوات التي صوّتت من قبل للحزب الديمقراطي، خاصة مع استمرار الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، وتدهور الأوضاع الإنسانية، وارتفاع عدد الضحايا من المدنيين.