محمد القصبي يكتب: حتى تستعيد بهية عافيتها

الكاتب الصحفى محمد القصبي
الكاتب الصحفى محمد القصبي

 
 
أكثر من  ٣.٦ ملايين مريض تلقوا علاجهم  على حساب الدولة داخل مصر وخارجها خلال عام ٢٠٢١ .
فإن أضفنا إليهم عدد المترددين 
على المستشفيات والعيادات الخاصة..فقد يتجاوز الرقم خمسة مليون مواطن..
أظن أن هذا الرقم  يمكن أن ينخفض إلى النصف وربما دون ذلك... لو : 
-التزمنا بنظم غذائية صحية
- أصبح المشي والرياضة بشكل عام  جزءا من حياتنا اليومية..
- حرصنا على اتباع قواعد المرور ونحن نقود سياراتنا.. وكف سائقو النقل والتريلات عن تعاطي المخدرات.. "عدد ضحايا حوادث السيارات سنويا يتجاوز ٦٤ ألفا منهم ٨ آلاف قتيل " ..
- أن نضع حدا لحروبنا اليومية.. في العمل..في البيت..في الشارع ..مع الجيران ..تلك الحروب التي لاتستند في معظمها للمنطق ولا للأخلاق ..يقينا تضع الدماغ المصري في حالة استنفار قصوى ..وتنتهي مع الكثيرين بنزيف وجلطات وانهيار عصبي.." طبقا للمسح القومي عام ٢٠١٨ تبين أن ٥٠% من البالغين في مصر يعانون من اضطرابات نفسية.. وبدلا من ان يتوجه  هؤلاء الى الأطباء يطرقون أبواب ٣٠٠ الف دجال ليهدروا على مباخرهم نحو ٤٠ مليار جنيه..والتشخيص المضحك المبكي للحالة..جني لابسك " !!
......
أيكفي مراعاة كل هذه الأمور  ..لتنخفض معدلات  ترددنا على المستشفيات..ونحظى بالصحة والعافية ؟ 
بل ثمة أمر بالغ الأهمية ينبغي التشديد عليه..
 
تلك الصبية الشاحبة التي وقعت عليها عيناي منذ عدة أيام  خلال زيارتي لمستشفى القاهرة الجديدة  لبحث التعاقد مع نقابة الصحفيين لعلاج أعضائها..
يفترض أن تبند في خانة الجميلات..خاصة مع سنواتها التي ربما لاتتجاوز السادسة عشرة..
لكن ملامح الوجه المنطفئة  توحي بشيء آخر ..أنها ..ربما تقترب من الخمسين..!!!!!!
 كانت تجرجر طفلا في ذيل جلبابها، وتئن بثقل ربما طفلين يتكوران في بطنها..
وكما يبدو من انتفاخ البطن أنهما على وشك الانزلاق..
أهذه الصبية التعيسة ابنة الخفير " غ " ؟!
كان يقيم و"قبيلته"   في  عشة  بمدخل منطقة جاردينيا هايتس ..في مواجهة المنطقة الصناعية بالقاهرة الجديدة..قبل أن يزيل المسئولون  بالحي العشة..لينتقل وقبيلته للعيش في عمارة تحت الإنشاء!
 ..تزوج حتى الآن عشرا ..وأنجب حتى الآن سبعة عشر..
وأقول حتى الآن لأنه في مطلع الخمسينيات ..ولاشيء يحول دون زواجه من عشر أخريات وإنجاب العشرات..
وكما علمت من إحدى بناته 
ان هذا حال أسرته.. بمجرد أن تصل أي من بناته  إلى الخامسة عشر وربما دون ذلك يبحث لها عن عريس!! وسريعا  يجد !!
توجهت إليه ناصحاً وشارحا.. أن مايفعله يجلب ضررا هائلا عليه وعلى أزواجه وأولاده وبناته والبلد ..فإذا به يرد بأن مايفعله من صحيح الإسلام..!!
شكوته لشيخ الزاوية التي نصلي بها..فإذا بالشيخ ..يرد :  " غ " هذا شيخ تقي ورع..!!! 
طفحت سخطي وغصبي على هذا الشيخ "التقي الورع "  في مقال نشرته بالدستور..كان عنوانه " عدو مصر " !!.. وأظن أن هذا الخفير والمشايخ وغيرهم ممن يناصرونه " من بينهم جاري  الطبيب "  يرون مع كتابة هذا المقال أنني  عدو الإسلام..!!
اتلك الصبية التي رأيتها في مستشفى القاهرة الجديدة..ابنة هذا الخفير ؟!!! 
أو ابنة أي من أمثاله المنتشرين في قاع مصر..ويعدون سببا رئيسيا  للانفجار السكاني..الذي تعاني منه الدولة المصرية " مايقرب من مليوني ونصف المليون طفل  تنزلق من ارحام نسائنا  سنويا " 
مما يمثل  ضغطا هائلا ..ليس فقط على المنظومة الصحية في مصر..بل على الموارد الاقتصادية والمرافق  والمواصلات ..." لكن أظن أنهم لايمثلون ضغطا كبيرا على منظومة التعليم..لأنهم إن ألحقوا أولادهم  بالمدارس ..فبعد عدة سنوات يسحبونهم..حتى دون استكمال المرحلة الابتدائية..ويدفعون بهم إلى الشوارع..لعمل اي شيء ..حتى التسول..!!!" ...
 
 إذن..الحد من فاعلية رحم تلك الصبية مطلب مهم جدا لتخفيف الضغط على مستشفياتنا وكافة مرافق الدولة.. 
فكيف نراعي تلك الاعتبارات التي يمكن أن تكون البوابة الملكية لصحة..بل حياة  أفضل في كافة الجوانب  للمصريين ؟
.......
خلال زيارتي لمستشفى القاهرة الجديدة..لفت انتباهي طبيبة في قاعة تلقي محاضرة..شهوة الفضول زجت بي الى داخل القاعة..عرفت اسم الطبيبة ..د.مي..
كانت تتحدث  عن الإصابات  التي تتعرض لها العين نتيجة الحوادث أو اصطدام العين بأي شيء، وكيفية تعامل الطبيب  مع المريض وأسلوب العلاج..
عقب انتهائها اعتلت المنصة طبيبة ثانية اسمها د.ضحى 
، تحدثت عن فحص يسمي مجال الإبصار للعين، وكما فهمت أن هذا أمر مهم في  حالات المياه الزرقاء والجلوكوما وحالات أخرى كثيرة، وقد تناولت المحاضرة كيفية عمل الأجهزة، وقراءة نتيجة الفحص..
 وكما يبدو أن مثل هذه المحاضرات موجهه للفريق الطبي الخاص بطب العيون..وليس للعامة من أمثالي.. 
فالمحاضرتان كانتا مغرقتين في تفاصيل  ومصطلحات طبية تغيب عن المرجعية  المعرفية لغير المتخصصين  في مجال طب العيون.. ..ومع ذلك  فوجئت بنفسي أتابع ما تردده فارستا المنصة باهتمام..توج بسؤال : لماذا لاتشهد تلك القاعة أيضا ندوات ومحاضرات يلقيها الأطباء على الجمهور العادي..من سكان المنطقة؟ 
منذ مايقرب من العام اصطحبني الصديق المخرج التليفزيوني عمرو نسيم لزيارة المستشفى ..حيث مررنا على ذات القاعة ..واقترح محادثة المسئولين في المستشفى بشأن تنظيم ندوات حول أمور صحية ..بل وحتى غير صحية ..تستهدف الجمهور العام  ..بهدف الارتقاء ليس فقط  بمستوى الوعي الصحي ، بل وايضا محاربة الجهل والدجل والشعوذة في كافة أمور حياتنا ..الأمر الذي سوف ينعكس ايجابا على صحة المصريين..
 
عقب انتهاء المحاضرة اخبرتني  د.ضحى ..أن هناك محاولات  من قسم طب العيون في المستشفى لنشر الوعي بين المرضى من خلال منشورات يجري توزيعها ..وقد لاحظت بالفعل  ان ثمة منشورات حول هذا الأمر تعلو جدران قسم العيون..
لكن أظن أن هذا لايكفي..
لابد من تنظيم ندوات داخل المستشفى..داخل كل مستشفياتنا ..وخارجها..
وعلى الميديا الجماهيرية  أن تحرص على تغطية مثل هذه الندوات.. و أن تحرص على استضافة الأطباء.. ليس هؤلاء  الأطباء الذين يوظفون  " البالطو الأبيض" في المتاجرة بأمراض الغلابة.. بل أطباء يقاتلون من منطلق وطني وديني من أجل تحويل شعار ميت صحة وعافية  إلى واقع حقيقي..
ومثل هؤلاء المنتمين بقوة ..للبلد ..للدين  رأيتهم في العديد من المستشفيات.. مستشفى سيد جلال..مستشفى شربين العام..وغيرهما..عشرات المستشفيات في مصر تكتنز  بأطباء واطقم تمريض بهذه الروح الإيجابية.. 
خلال زيارتي تلك  
 لمستشفى القاهرة الجديدة ..رأيت كبار  المسئولين بالمستشفى لايكفون عن التجول بين الأقسام.. منصتين لشكاوى المرضى وذويهم ان كان ثمة شكاو..
جراح يتابع حالة مريضة عقب إجراء العملية الجراحية من خلال التواصل  مع ذويها للاطمئنان..
 
ولولا خشية الظن بأن هدفي  " تلميع " هؤلاء..لذكرت اسماءهم..
هؤلاء الأطباء ..وأمثالهم .. الآلاف في الجغرافية المصرية يمكن أن يلعبوا دورا مهما في نشر الوعي الصحي  سواء من خلال القاعات داخل المستشفيات أو خارجها..قاعات المدارس..
والجامعات والأندية ومراكز الشباب.. أو عبر الميديا..
 
وهذا ما ألح عليه دوما ..في مقالاتي والندوات التي كنت أشرف بإدارتها في قاعة مصطفى أمين بمؤسسة أخبار اليوم..بل وفي ندوات نادي القصة التي أتولى حاليا تنظيمها في مركز طلعت حرب الثقافي بالتعاون مع وزارة الثقافة..
حيث  أحاول الخروج من خلال القضايا التي أطرحها للمناقشة إلى الشارع..إلى معاناة الناس..معاناة الدولة المصرية مع تفشي  الجهل والدجل والشعوذة ..
ولاأكف عن طرح ما أراه مشروعا قوميا..مصر في أشد الحاجة إليه..استراتيجية تشارك وزارات التعليم والثقافة والرياضة والشباب والأوقاف والأزهر الشريف..لإعادة هيكلة الدماغ الجمعي على أسس من الاستنارة والتفكير العلمي ..حينها لن ينجب الخفير " غ "  سوى طفلين..حينها  لن يسقط سنويا ٦٤ ألف مصري  ضحايا حوادث الطرق  بسبب طيش السائقين أو تناولهم المخدرات..حينها سوف يتوجه كل مريض نفسي إلى الأطباء وليس إلى  الدجالين..
حينها سنعي أهمية أن نمشي ونمارس الرياضة..أهمية أن نحرص على تفادي تناول ماهو مضر من الأطعمة والمشروبات  حتى لو كانت شهية.. 
حينها سيكفي طرح مصانعنا و حقولنا ما يفي  باحتياجاتنا ..بل سيكون ثمة فائض للتصدير..حينها   ستتلاشى وطأة ضغوطنا على المستشفيات..
 على كل مرافق الدولة..
حينها ستنعم مصر بالصحة والعافية..
ويردد أبناؤ ها عن واقع فعلي : مصر يامه يابهية..ياام طرحة وجلابية..الزمن شاب وانت شابة هو رايح وانت جاية..!!
 
 
 
 
 

ترشيحاتنا