لماذا تتجاهل الدراما السينمائية والتليفزيونية الأدب الروائي؟!!!

محمد القصبي يكتب: لامكان للأدب الروائي في سينما " الزعيم"!!!

محمد القصبى
محمد القصبى

 

الإجابة على هذا السؤال المقلق ..كان هدف فرسان منصة مركز طلعت حرب الثقافي بالسيدة نفيسة..
خلال الندوة التي نظمها نادي القصة عصر السبت الماضي بالتعاون مع صندوق التنمية الثقافية..
وهل انتهت الندوة التي ادارها الناقد الكبير حسن الجوخ إلى اجابات؟.
نعم  ..إجابات تئن 
 بأوجاع أورام  سرطانية  تمكنت من جسد السينما والتليفزيون معا..
.....
قبيل الندوة.. خلال لقاء جمعنا في مكتب د.غادة المسلمي مديرة المركز.. قال   المخرج السينمائي أشرف فايق - أحد فرسان المنصة -  أنه سيطرح رؤيته وينصرف لأن هناك محاضرة سيلقيها في قصر ثقافة شبين الكوم..
وعن محاضرته تلك ومتلقيها فاض المخرج السينمائي  في الحديث بحماس عن  دورات تدريبية تنظمها هيئة قصور الثقافة للشباب حول صناعة الدراما السينمائية تحت شعار "ابدأ حلمك..السينما بين ايديك."
دورات تدريبية مجانية للشباب الراغبين في العمل بالحقل السينمائي ..
في نهاية الدورة.. كل مجموعة من المتدربين تصنع فيلما قصيرا..وبعد مشاهدة الفيلم إن كان جيدا يمنح صانعوه شهادات بأهليتهم في العمل السينمائي..
 تحدث فايق بتفاؤل عن حماس هؤلاء الشباب المتدفق بعشق السينما  
وإقبالهم على تلك الدورات واستيعاب مايقال واكتساب إمكانيات وقدرات تؤهلهم لأن يكونوا مواطنين فوق العادة في جمهورية السينما..

لكني لا أشاركه تفاؤله..
نعم ..في قصور الثقافة وعبر تلك الدورات  يجري إعداد فنيين مهرة لتوليد الطاقة النووية..
لكن أين المفاعل الذي سوف يمارسون فيه عملهم ؟!!!
المفاعل النووي المصري الذي توهج أكثر من نصف قرن  وأثرى الدماغ الجمعي..ليس المصري فقط بل العربي بأشعة الوعي والثقافة المستنيرة..من خلال دراما سينمائية وتليفزيونية راقية 
تديره الآن عقول ..يعضها بالكاد تفهم في تشغيل وابور جاز..وربما دون ذلك  "الكانون"..!!
أتذكر ..في طفولتي كانت مشاهدتي الأولى لفيلم " الباب المفتوح" ..إخراج الراحل هنري بركات.. و" المأخوذ عن رائعة الأديبة الراحلة لطيفة الزيات..  في إحدى حارات قريتي المعصرة / بلقاس.. حيث عرضته الثقافة الجماهيرية ..الحارة  اكتظت بالنساء والرجال..كثيرون أبدوا  سخطهم على محمود مرسي لمعاملته القاسية والمتعالية لفاتن حمامة..
من هذا المكان ومن هذا الفيلم تشكلت أول ذرة كراهية بداخلي للثقافة الذكورية..وكانت مشاهد الفيلم تراودني وأنا أسطر صفحات روايتي "مالم تقله النساء"..بعد ذلك بنصف قرن..
هكذا كان تأثير السينما  حين يكون صناعها بقامة لطيفة الزيات و هنري بركات وفاتن حمامة ومحمود مرسي..

لذا أخشى أن تكون تلك الدورات التي تنظمها هيئة قصور الثقافة لهؤلاء الشباب المتدفق حماسا وعلما هي خطوتهم الأولى نحو صناعة الدراما..والأخيرة!! 
لأن أجواء الفن السابع الذي ماعاد بفن سابع أو مئة ماعادت مثلما كان الحال في الخمسينيات والستينيات..!!
.....
 هل تبدو   تعبيراتي لوصف حال صناعة الدراما الآن.. قاسية؟!. هي كذلك ..لكنها  مستلهمة من رؤيتي كمشاهد لأوضاع صناعة الدراما الآن.. 
وهي رؤية وجدت دعما قويا  لها من فرسان منصة ندوة القصة..
......
المخرج أشرف فايق يتطرق إلى إحدى مصائب صناعة السينما الآن..النجم السوبر الذي يفرض إرادته على الجميع ..

يعرض عليه السيناريو.. إن وافق يقلص من أدوار هذا وذاك ويضخم من دوره..!!

نعم ..كمشاهدين ..هذا بالفعل مانلاحظه..
إله الدراما الذي لا يناقش فيما يقول..الممثل السوبر  الذي لايقبل أن ينافسه في العمل آخر.. لا ممثل ولا مخرج ولاسيناريست ..كلهم بجواره كومبارس..
يكتب اسمه  بنط مئة وجميعهم ..أعظمهم.. بنط ١٠ !!!
السيناريو يعرض عليه أولا ..إن قبل ..يحذف ويعدل .. فيهمش الجميع..بينما يهرمن دوره بحقن هرمونات التضخم!! بما يشبع غرور وصلف الأنا المتضخمة..!!!
 هو الملك وهم مجرد عساكر حوله.. الممثلين و المخرج والسيناريست..
والقرار الأول والأخير في اختيار كل فريق العمل له..
كل هذا  يجري ونقرأه في لافتة قد تبدو خفية..لكننا نراها جميعا:
"  أنا الزعيم"!!

ألهذا تجاهل العظيم يوسف شاهين "الزعيم"..ولم يستعن به في أي من أعماله الرائعة..؟!!!
....
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي التقيت بالفنان الكبير محمود المليجي..كان ذلك قبل وفاته ربما بعام أو عامين
 سألته عن أفضل أدواره فقال بغير تردد فيلم "الأرض"...
وإني كمشاهد أراه بالفعل أفضل أدواره..رغم أنه من بين ال٥٠٠ عمل فني التي شارك في بطولتها ثمة ٢٠  فيلما تم اختيارها - غير الأرض- من قبل النقاد عام ١٩٩٦ ضمن أفضل ١٠٠ فيلم في تاريخ السينما المصرية.

في فيلم "الأرض"  توحدت  عبقرية الحكي الأدبي "عبد الرحمن الشرقاوي" والإخراج "يوسف شاهين"                 والأداء" محمود المليجي..نجوى ابراهيم..عزت العلايلي ..يحي شاهين..علي الشريف..حمدي أحمد....."
وماكان  أداء محمود المليجي وحده  المبهر..هذا كان حال الممثلين الذين شاركوا في الفيلم ..حتى هؤلاء الذين لم يطلوا على المشاهد إلا في بضع مشاهد..جميعهم كانوا أبطالا..
بل لم أشعر كمشاهد أن أحدا منهم كان مجرد  "سنيد"..بل كانوا محوريين خلال أحداث الفيلم..
 وجميعا كانوا اختيار المخرج  يوسف شاهين..
ربما يستشير " شاهين "  هذا أو ذاك ..وقد يبدي أحدهم رؤية يراها سوف تثري العمل..لكن الكلمة الأخيرة له..هو مايسترو العمل..وعلى الجميع أن ينصتوا له.. عبقرية شاهين بدت في هذا الفيلم من خلال تضفير قدرات كل المشاركين ليكون الناتج تحفة سينمائية تخلد في الذاكرة الجمعية..
لذا ..في استفتاء النقاد عام ١٩٩٦ عن أفضل ١٠٠ فيلم..توج "الأرض" بالمركز الثاني بعد فيلم "العزيمة"..وكان من بين الأفلام المئة ٣٠ فيلما استندت في صناعتها على روايات أدبية ..
......
خلال حكيه لقصته كسيناريست لرائعة جمال الغيطاني " الزيني بركات" ..التي عرضها التليفزيون المصري في ٢١ حلقة..يشدد الكاتب الكبير محمد السيد عيد على مايراه ونراه أحد أهم شروط النجاح التي ينبغي أن تتوافر  في أرباب صناعة الدراما..
و توافرها كان وراء نجاح مسلسل الزيني بركات..
أديب عظيم بحجم جمال  الغيطاني..بل وتعد الزيني بركات من أعظم ماكتب ..
مخرج رائع  هو يحيي العلمي..
قطاع الانتاج في التليفزيون المصري ورئيسه المثقف الكبير ممدوح الليثي..
وفارس منصة ندوة نادي القصة الكاتب والسيناريست الكبير محمد السيد عيد..
كل قروء..لديه مرجعيته المعرفية العميقة..أسماء الأدباء تحتل واجهة ذاكرته ..ليس لمايقرأ عنهم في الصحف..بل لما يلتهمه من أعمالهم..

لقاء بالصدفة جمع بين يحيي العلمي وجمال الغيطاني تطرق إلى المسلسل الإذاعي "الزيني بركات" ..سأل الغيطاني العلمي : لماذا لايقدم المسلسل تليفزيونيا ؟
أبدى العلمي حماسه..لأنه ببساطة سبق وأن قرأ الرواية وتابع المسلسل 
الإذاعي..
عرض العلمي الأمر على ممدوح الليثي..لم يقل حماسه عن حماس العلمي..
- فمن يكون السيناريست..؟
- وهل هناك غيره..محمد السيد عيد ؟! ..
"عيد" قرأ الرواية بوعي مثقف مصري ..لديه مرجعية معرفية عميقة بالتاريخ.. لتتجيش  ملكات الإبداع بداخله..فكان الحصاد  المسلسل الإذاعي الناجح..ثم المسلسل التليفزيوني أيضا الناجح..
 
اذن هو أمر طبيعي ..مع توحد تلك القامات.. مع حسن اختيار الممثلين يفيض قطاع الانتاج في التليفزيون المصري بإحدى روائعه..مسلسل "الزيني بركات"!!
الآن..لو عرض مخرج على أي من منتجينا أمر تحويل رواية أدبية لحمدي البطران أو محمد القصبي أو سمير الفيل أو محمد عبد الهادي أو سيد نجم أو أي من الروائيين إلى دراما سينمائية أو تليفزيونية..فلايستبعد أن يسأل المنتج في دهشة: من هذا الذي تتحدث عنه؟!
.....
 د.اشرف توفيق أستاذ النقد السينمائي والتليفزيوني في أكاديمية الفنون يبدي اتفاقه  مع  زملائه على المنصة في كل هذا الطرح..ويسوق نماذج لروايات تاريخية يراها  جديرة بتحويلها إلى أعمال درامية مثل :
- عتبات الجنة للروائي فتحي امبابي
- عزازيل للروائي يوسف زيدان.
- الخاتم  للأديب أدهم العبودي
- كوكو سودان كباشي للروائية سلوى بكر
- التابوطي للروائية سهام بيومي
- الموريسكي الأخير              للروائي صبحي موسى
- عراف السيدة الأولى للروائي محمد القصبي..

ويرى أشرف توفيق أن هذه الأعمال لو عولجت سينمائيا يمكن أن تحقق نجاحا كبيرا..
  
 إلا أن أشرف توفيق يلقي أيضا بجزء من مسئولية الخصومة بين المشهدين الأدبي والسينمائي على الأدباء..حيث ينوه إلى  أن الكثير مما  يكتب في مجال الحكي الأدبي الآن  لايصلح لصناعة السينما..بل ويرى أن العديد  من الروايات التي صدرت حديثا رديئة السرد..ولاتهدف إلا للتسلية..وكل هم كتابها الوصول الى البيست سيلر..وهذا لايشجع السيناريست الجاد على التعامل معها..
ويعرج أشرف توفيق إلى  ما يكتبه الأدباء الشباب..حيث يجنح هؤلاء الشباب إلى كتابة تهويمات شديدة التمركز حول الذات دون الاشتباك مع هموم المجتمع..
بل أن بعض كتابات  هؤلاء الشباب - يستطرد أشرف توفيق- عبارة عن تجسيد مرضي للشبق الجنسي..ورغم مافي ذلك من إغراء للسينما التجارية إلا أن الاقتراب من تلك الموضوعات سينمائيا يصطدم بالرقابة.
.......
عقب انتهاء الندوة هاتفني الشاعر عادل سلامة الذي لم يتمكن من الحضور لأسباب صحية..سألني باهتمام عما دار في الندوة ..
فأوجزت له رؤى فرسان المنصة..ليبدي مباركته لما قالوا ..وقال انه كمشاهد " مدمن " للسينما  لديه وجهة نظره  في هذا الشأن ..ولقد أرسل لي عبر الواتس رؤيته وتتمحور حول:
 ـ النهضة الثقافية الشاملة و تحت مظلة اجماع أو مشروع وطنى كتلك التى شهدها الوطن خلال أربعينات و خمسينات و ستينات القرن المضى هى البنية الأساسية و الأرضية التى يؤكد توافرها العلاقة المثمرة  بين الأدب و السينما .
ـ تلاحقت بعد تلك الفترة موجات التجريف الثقافى التى تعرض لها الوطن لأسباب عدة فأصابت مجمل البنيان الثقافى فى الصميم و أثرت بالطبع على جميع الركائز البشرية التى تقوم عليها صناعة السينما :
  -كاتب السيناريو الحالى هو ابن مرحلة ثقافية هزيلة و تغلب عليها السطحية و احتياجات جمهور عريض خاصم الثقافة و تلقى تعليما دراسيا ضحلا و مسطحا . 
 -افتقاد المخرج عالى الثقافة و الذى يمتلك رؤية..  و المتمكن فى نفس الوقت من أدواته الفنية .
 -جمهور السينما الحالى على الأغلب ينتمى.. إما إلى فئة المتعلمين الذين تلقوا تعليما بائسا و مسطحا خلال العقود الماضية ، أو ينتمى إلى طائفة الحرفيين و أصحاب المهن ، و كلا الفئتين فى العموم تخاصم الأعمال الأدبية و لن تتعاطف مع سينما راقية تقدم أعمالا روائية فى قالب سينمائى 
 - و بالطبع تخلى الدولة عن الانتاج و ترك الساحة لصنّاع اللحوم و تجار الخردة قد وضع ختم الطلاق بين الأدب و السينما .
....
وماذا بعد..؟
ما طرح في هذه الندوة يؤكد ما ألح عليه دوما أن الثقافة المصرية الآن في محنة...
وهذا أمر في حاجة إلى ندوات..بل مؤتمرات.. 

على أية حال ندوتنا المقبلة ستسعى للبحث عن إجابة على سؤال يرتبط جينيا بتلك المحنة : أين المثقف المصري؟
سؤال قد يجيب عليه البعض بمرار : وهل لدينا مثقفون!!!!!

ترشيحاتنا