هذه ليست قصيدة احمد شوقي..يا وزير التعليم!

د.ايمن تعيلب
د.ايمن تعيلب

 

أستاذ النقد  الأدبى الحديث

العميد السابق لكلية الآداب جامعة السويس

عندما دعتنى ابنتى سماء ذات الثمانى سنوات وهى طالبة فى الصف الرابع الإبتدائى هذا العام 2021 ـــ 2022 إلى ضرورة قراءة وشرح قصيدة شعرية مقررة عليها فى الكتاب المدرسى لأنها صعبة،كنت فى مكتبى أقرأ رسالة دكتوراه لأحد طلابى تمهيدا لمناقشته قريبا بإحدى كليات الآداب،تركت رسالة الدكتوره على الفور بسبب إلحاح ابنتى علاوة على أننى ضعيف جدا أمام هذه البنت من بناتى خاصة،وما إن أمسكت بالكتاب وبدأت أقرأ النص حتى أحسست بضيق شديد واستفزاز أشد،لأننى شاهدت كذبا مرعبا من وزارة التربية والتعليم على طلابنا وأبنائنا البرآء فى هذه المرحلة التكوينية الإبتدائية التى تكون وعى التلميذ ليعرف حقيقة كل شىء من حوله فى تاريخ بلاده شعره ونثره،وماسيترتب على ذلك من آثار ضخمة فى حياة الطالب وحياة وطنه الذى ينتمى إليه،وجدت قصيدة عنوانها (فى حب مصر) ثم كتب تحتها مؤلفو الكتاب المدرسى أنها من تأليف الشاعر أحمد شوقى أمير الشعراء،ثم أتبعوا القصيدة بصورة لأمير الشعراء،لكننى بعد قراءتى القصيدة شككت تماما أن يكون هذا أسلوب أحمد شوقى فى الشعر فأنا أستاذ جامعى بجامعة السويس وتخصصى فى النقد الأدبى الحديث وأظن أن هذا كاف أن اكون متمرسا بطعم أسلوب أحمد شوقى،رجعت على الفور إلى ديوان شوقى وكان على بعد مترين من يدى فى مكتبتى،وابنتى تنظر إلى فى دهشة واستغراب ثم تقول لى يابابا: لو سمحت أنت رايح فين؟،من فضلك يابابا اشرح لى القصيدة أنا مش فاهمة حاجة منها خالص،نظرت إلي ابنتى فى حب وشفقة وحزن كأننى أنظر فى وجوه كل بنات مصر الصغيرات اللائى لم يتعدين الثمانى سنوات وهن يتنفسن خطايا وزارة التربية والتعليم ،وأرجو ألا يكبر على نفس وكرامة الوزارة ومركز تطوير التعليم أن أصفهم بالتدليس والكذب وإلا فليقولوا لى بماذا أصفهم؟ هل أصفهم بالكذب أم بالتزوير أم بالتدليس أم بالجهل أم بعدم الأمانة،أم بعدم القدرة على تحمل المسؤولية،فليختاروا صفة لهم من بين كل هذه الصفات أو غيرها من الصفات التى تحلو لهم.

فى الحقيقة اشتعلت غضبا واتصلت على الفور بصديقى القديم الدكتور محمد غنيم الموجه العام للغة العربية بمحافظة الشرقية لأنه صديق دراسة أولا وكاتب أديب مبدع ثانيا يتمتع بالخلق الجم والعلم الوافر ومعروف بغيرته الشديدة على أبنائنا ووطنيته مشهود بها فى عمله العام،حكيت له ماحدث فتوجع مثلى ووعدنى بأنه سينهى هذا الخطأ الجسيم.دون إحداث أى ضجيج أو صخب حول ماحدث.

و لست من أهل الضجيج ولا من محبى الصخب،لكني ارى أن من الخير لنا أن نضج ونصخب كلما رأينا صورة قاسية من صور القبح العام المقرر على طلابنا،ألم يكتفى مركز تطوير المناهج بآلام كورونا على بناتنا الصغار البرآء فأراد أن يزيدهن كورونا شعرية أخرى تصيبهن فى مقتل فكذب عليهن بقصيدة نسبها لأحمد شوقى زورا وهى ليست له ثم التقط صورة لأمير الشعراء ثم وضعها تحت القصيدة حتى تكتمل المسرحية الهزلية ثم عرف أمير الشعراء بكلمتين اثنتين فقط فقال عنه: انكب على الشعر وكان أمير الشعراء.مع أن كل شعراء العالم انكبوا على أشعار من سبقوهم ولم يصيروا أمراء للشعر!!

ولست أدرى لماذا فعل مركز تطوير التعليم هذا بأبنائنا؟ أن يأتى بقصيدة (فى حب مصر) فينسبها لأمير الشعراء أحمد شوقى بينما هى فى الحقيقة للشاعر المهندس الصديق وحيد حامد قابل الدهشان؟ هل كل هذا فى حب مصر يامركز التطوير؟ هل إلى هذا الحد نسخر من عقول بناتنا وأولادنا فى طفولتهم البريئة الأولى وهم يتفتحون على معرفة الحقائق من حولهم فنقول لهم إن أحمد شوقى أمير الشعراء هو وحيد حامد قابل الدهشان،وأن وحيد حامد قابل الدهشان هو أمير الشعراء أحمد شوقى؟،ياسلام على افتراء مركز تطوير واسمحوا لى أن أصف ماحدث  بقسوة شديدة بانه  إهمال جسيم فى تحمل المسؤولية.أرجو أن يتدخل السيد الوزير طارق شوقى وهو عالم جليل يدرك خطورة ماحدث حتى و يحاسب هؤلاء القائمين على أمانة تعليم أبنائنا لأنهم فى الحقيقة لم يقوموا بالأمانة على وجهها الصحيح النافع للبلاد والعباد.

وهاهب قصيدة الشاعر وحيد حامد قابل الدهشان التي ينسبونها لأمير الشعراء احمد شوقي :

(في حب مصر)

وحيد حامد الدهشان

في حب مصر

يا مصرُ، حبكِ في الفؤادِ كبيرُ

وله أريجٌ طيبٌ وعبيرُ

هو دوحةٌ أغضانُها كعروقِنا

يمتدُّ فينا عطرُها المسحورُ

هو ذلكَ الجبل الأشمُّ كمجدنا

رغمَ الزوابع راسخٌ ووقورُ

هو شمسُنا الخضراءُ من أنوارها

لا يستقرُّ بأرضنا دَيجورُ

يا مصرُ، يا أرض السماحةِ والندى

يا واحةً يسعى لها المقهورُ

في وجهها للزائرينَ بشاشةٌ

ورحابةٌ ومودةٌ وسرورُ

في حضنِها دفءُ الأمانِ لخائفٍ

بالحقِّ يُجبرُ عندها المكسورُ

في عُسْرها جادَت وكمْ ذي عُسرةٍ

بلغَ الذُّرا وتقهقرَ الميسورُ

يا مصرُ، كم أدمى فؤادكِ حاسدٌ

أو جاهلٌ متعاقلٌ موتورُ

ولكم عفوتِ تكرمًا عن شاردٍ

فأتى إليكِ وذنبه مغفورُ

يا مصرُ، يا مهدَ الحضارةِ والهدى

وترابُ أرضكِ مؤمنٌ وطهورُ

كم شدتِ في دنيا العلومِ منارةً

يكفيكِ هذا الأزهرُ المعمورُ

فيك المآذنُ والقباب شموخُها

يبقى وسعيُ المارقينَ يبورُ

يجتثُّ ما غرسوا ويذبلُ ذكرهمْ

ويخوض فيهم ماردٌ مأجورُ

يا مصر، يا أرضَ المروءةِ والنُّهى

مهما علا واستكبرَ المغرورُ

من فيض نِيلكِ أينعتْ عَبر المدى

رغمَ الأنوف براعمٌ وزهورُ

الشعر باسمكِ في الثُّريا سابحٌ

والشعرُ في مدحِ الطغاة حقيرُ

يا مصر، لسنا الأدعياءَ، وحبُّنا

فيه التُّقى، وعطاؤنا موفورُ

يا مصر، نحن الأوفياءُ ودربُنا

دربُ الهداةِ، وسِفرنا منشورُ

الصدقُ شيمتهُ وسرُّ بقائهِ

ويشعُّ من ألقِ الحروف النورُ

ولأنتِ يا مصرُ الحبيبةُ أمُّنا

لك - يا أبيَّةُ - لا عليكِ نثورُ

أنت التي تحمِي العقيدةَ، سيفُها

في وجهِ أصحاب الفرى مشهورُ

أجنادُها عند السلام حمائمٌ

ولهم إذا احتدمَ الصراع زئيرُ

يا ربِّ، بارك مصرَنا ما أشرقَت

شمسُ الحياةِ وزقزقَ العصفورُ. 

.....

صورة الكتاب المدرسي الذي وقعت به هذه الجريمة البشعة موجودة لمن يهمه الأمر.

ترشيحاتنا