خالد الشناوي يكتب: الشوق أقلقني وصوت الحادي

خالد الشناوي
خالد الشناوي

حينما تنطلق - في كل عام - قوافل الحجاج قاصدين بيت الله الحرام وروض رسوله الأكرم عليه الصلاة والسلام تتحرك المشاعر وتسيل الدموع من المآقي منحدرة على الخدود شوقا واشتياقا لأطهر البقاع على وجه البسيطة.

تسير الوفود وهناك من كتب الله له السير في ركابها فكان سعيد الحظ بهذه الرحلة النورانية والروحانية بينما هناك من لم تصادفه العناية لأداء  تلك الفريضة والسير إلى هذه الرحاب المنيعة الماتعة  ..

فيقعد وقد عالجه الشوق وغالبه البكاء ما بين حنين وانين ولوعة واشتياق إلى أماكن فيها الوصال والتلاق  .

ومع كل هذا الحنين لا ينسى المحبين أنين الشاعر اليمني الكبير "عبد الرحيم البرعي" الذي جادت قريحته بأبيات من الشعر كتب لها الخلود تنقل الحب والشوق الى أطهر البقاع .

ورغم مرور عشرات السنين على هذه الأبيات العصماء إلا أنه قد كتب لها القبول والخلود فتناقلتها ألسنة الناس هنا وهناك متغنية تارة ومرتنمة وباكية تارة أخرى .

أراد الشاعر اليماني عبد الرحيم البرعي أن يحج ويزور البيت الحرام ورسول الله عليه الصلاة والسلام وبينما كان في طريقه لأداء الحج نزلت به العلة وأعاقه المرض من إكمال رحلته و قد كان على بعد خمسين ميلا من مكة المكرمة فنظم قصيدته الباكية حتى إذا بلغ البيت الأخير منها لفظ أنفاسه ومات !

أي حب عاش في حشاشة هذا الرجل العاشق وأي شوق دفين كان في طيات روحه حتى استطاع بهذه الحالة الوجدانية أن يعبر عن حال جميع  المشتاقين إلى أداء مناسك الحج والعمرة .

إنه الصدق الذي تمكن من مشاعر الرجل فكتب لكلماته الخلود وقديما قالوا:"من كانت لكلماته اجنحه طار بها وعاش إلى ما لا نهاية" .

يا راحلين إلـى منـى بقيـادي 

هيجتموا يوم الرحيـل فـؤادي

سرتم وسار دليلكم يا وحشتـي 

 الشوق أقلقني وصوت الحـادي

حرمتمُ جفني المنام لبعدكم 

 يا ساكنين المنحنى والوادي

فإذا وصلتُم سالمينَ فبلّغوا

منّي السلام أهيلَ ذاك الوادي

وتذكّروا عند الطواف متيماً

 صبّاً فني بالشوق والإبعادِ

لي من ربا أطلال مكّة مرغبٌ

فعسى الإلهُ يجودُ لي بمرادي

ويلوح لي ما بين زمزم والصفـا 

عند المقام سمعت صوت منادي

ويقول لي يا نائماً جدَّ السُرى 

عرفاتُ تجلو كلّ قلبٍ صادي

من نال من عرفات نظرة ساعة  

نال السرور ونال كل مـرادي

تالله ما أحلى المبيت على منـى 

 في ليل عيد أبـرك الأعيـاد

الناسُ قد حجّوا وقد بلغوا المنى 

وأنا حججتُ فما بلغتُ مرادي

حجوا وقد غفر الإلهُ ذنوبَهُم 

 باتوا بِمُزدَلَفَه بغيرِ تمادِ

ذبحوا ضحاياهُم وسال دماؤُها 

 وأنا المتَيَّمُ قد نحرتُ فؤادي

حلقوا رؤوسَهم وقصّوا ظُفرَهُم 

 قَبِلَ المُهَيمنُ توبةَ الأسيادِ

لبسوا ثياب البيض منشور الرّضا 

وأنا المتيم قد لبست سوادي

يا ربِّ أنت وصلتَهُم وقطَعتني

 فبحقِّهِم يا ربّ حل قيادي

باللَه يا زوّارَ قبرِ محمّدٍ 

من كان منكُم رائحٌ أو غادِ

لِتُبلغوا المُختارَ ألفَ تحيّةٍ 

من عاشقٍ متقطِّع الأكبادِ

قولوا له عبدُ الرحيم متيِّمٌ 

 ومفارقُ الأحبابِ والأولادِ

صلّى عليكَ اللَهُ يا علمَ الهدى  

ما سارَ ركبٌ أو ترنَّمَ حادِ

رحم الله عبدالرحيم البرعي رحمة واسعة وانزل السكينة على  قلبه في رمسه بدفء وصاله واسكن لوعته في حضرة الجمال الأسنى فقد عاش من جاءوا بعده واقع حاله .. كيف لا؟

و بين المحبين سر ليس يفشيه قلم ولا كتاب عنهم فيحكيه  ورحم الله من تواجد في قديم الزمان فقال:

سَقَوني وَقالوا لا تُغَنَّ وَلو سَقَوا

جِبالَ حُنَينٍ ما سُقيتُ لَغَنَّتِ

تَمَنَّت سُلَيمى أَن أَموتَ بِحُبَّها

وَأَسهَلُ شَيءٍ عِندَنا ما تَمَنَّتِ

كل عام وانتم بخير تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال 

 

ترشيحاتنا