الدكتور أيمن الغندور يكتب : أمريكا تعاقب المحكمة الجنائية الدولية ..بقانون الطوارىء

الدكتور أيمن الغندور
الدكتور أيمن الغندور

وافق مجلس النواب الأمريكى يوم الثلاثاء الماضى على مشروع القانون الذي قدمه الحزب الجمهوري بأغلبية 247 صوتًا مقابل 155 صوتًا، وانضم 42 ديمقراطيا إلى الجمهوريين والذى يتضمن فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية أو أى شخص يساعدها حال قيامها بالتحقيق أو الاعتقال أو الاحتجاز أو محاكمة أي شخص محمي من الولايات المتحدة أو حلفائها.
وقد عارض مشروع القانون النائب الديمقراطى (ميكس) إلى جانب معظم الديمقراطيين الآخرين الذين ضغطوا من أجل اتخاذ إجراء من الحزبين يعكس الرفض الواسع النطاق لتحرك المحكمة ولكن دون اللجوء إلى العقوبات. ومن المحتمل عدم إقرار القانون فى مجلس الشيوخ الذى تسيطر عليه الأغلبية الديمقراطية .
ويعكس اسم القانون إزدواجية المعايير الأمريكية فى التعامل مع المؤسسات الدولية وخاصة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ، فإذا اتخذت قرارات لصالح الولايات المتحدة وحلفائها تصفها بالشرعية ، فتريد استخدامها كأداة لتخويف الدول المارقة عن سلطتها ، على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست عضوا فى المحكمة ، فقد وقعت إدارة كلينتون على نظام روما الأساسي في عام 2000 لكنها في 6 مايو 2002 قامت بسحب توقيعها رسميًا وأشارت إلى أنها لا تنوي التصديق على الاتفاقية ، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية هى أول من أنشا المحاكم الجنائية الدولية (محكمتى نورمبرج وطوكيو) لمحاكمة مجرمى الحرب العالمية الثانية ، وعلى العكس نرى موقف الولايات المتحدة الأمريكية المعادى للمحكمة الجنائية الدولية منذ أن فتحت تحقيقاً بشأن الجرائم الدولية فى قطاع غزة ، فقد سمى مجلس النواب قانون معاقبة المحكمة بـ (قانون مكافحة المحكمة غير الشرعية) ، وتستخدم قانون الطوارىءالاقتصادية الدولية لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ، على الرغم من أن هذا القانون لا يستخدم إلا فى حالة وقوع تهديد غير طبيعى وغير متوقع يمثل خطراً على الأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة.
والحقيقة أن فتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً بشأن جرائم الحرب والإبادة والجرائم ضد الإنسانية فى قطاع غزة ، وطلب المدعى العام للمحكمة كريم خان إصدار مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتنياهو وغالانت أثار المخاوف الأمريكية من قيام المحكمة بفتح تحقيق مماثل ضد المسئولين الأمريكيين ، مما دعا النائب الجمهورى (تشيب روي) إلى تقديم مشروع القانون إلى مجلس النواب ، حيث قال فى تصريح له : "إنها خطوة ضرورية لمنع المحكمة الدولية من التصرف خارج نطاق اختصاصها ومعالجة المخاوف من أن تكون الإجراءات المتخذة ضد المسؤولين الإسرائيليين مقدمة لإجراءات ضد المسؤولين الأمريكيين."
وتحاول الولايات المتحدة من خلال هذا القانون بصورة فجة تسييس قرارات المحكمة الجنائية الدولية وتوجيهها لصالح الولايات المتحدة وحلفائها ، بجعل العقوبات تدور وجوداً وعدماً مع المصالح الأمريكية ، فيجيز القانون للرئيس الأمريكى إلغاء العقوبات المفروضة على المحكمة أو الأشخاص إذا شهد الرئيس أمام لجان الكونغرس المختصة بأن المحكمة الجنائية الدولية توقفت عن المشاركة في أي جهد للتحقيق في ملاحقة أو اعتقال أو احتجاز أو محاكمة جميع الأشخاص المحميين، أو قامت بإغلاق وسحب وإنهاء وإنهاء أي فحص أولي أو تحقيق أو أي جهد آخر تقوم به المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع جميع الأشخاص المحميين أو اعتقالهم أو احتجازهم أو محاكمتهم. فضلاً عن أن القانون لا يحمى فقط مواطنى الولايات المتحدة الأمريكية ، وإنما يحمى أيضاً مواطنى حلف الناتو ، ومواطنى الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية من خارج حلف الناتو وهى الدول التي تم تصنيفها الولايات المتحدة على هذا النحو وفقًا لقانون المساعدة الخارجية لعام 1961. والشخص الشخص المحمييعني )أ) أي شخص أمريكي، مثل الأعضاء الحاليين أو السابقين في القوات المسلحة للولايات المتحدة. والمسؤولين الحاليين أو السابقين المنتخبين أو المعينين في حكومة الولايات المتحدة . أي شخص آخر يعمل حاليًا أو من أجل فقط لدى حكومة الولايات المتحدة أو يعمل نيابة عنها.  كذلك أي شخص أجنبي مواطن أو مقيم قانوني في دولة حليفة للولايات المتحدة لم توافق على اختصاص المحكمة الجنائية الدولية أو ليس دولة طرفًا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، بما في: الأعضاء الحاليين أو السابقين في القوات المسلحة لهذا الحليف للولايات المتحدة . و المسؤولين الحكوميين الحاليين أو السابقين المنتخبين أو المسؤولين الحكوميين المعينين من هذا الحليف للولايات المتحدة. وأي شخص آخر يعمل حاليًا أو فقط لدى هذه الحكومة أو يعمل نيابة عنها. 
 
ويقوم الرئيس الأمريكى في موعد لا يتجاوز 60 يومًا بعد سن هذا القانون، إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية شرعت في أي محاولة للتحقيق مع أي شخص محمي أو اعتقاله أو احتجازه أو محاكمته، بفرض عقوبات تشمل تجميد الممتلكات وحظر جميع التعاملات ، بالإضافة إلى إلغاء تأشيرات الدخول ، وحظر إصدار التأشيرات للأشخاص المشار إليهم ، والإلغاء الفورى للتأشيرة أو وثائق الدخول الأخرى للأجنبي بغض النظر عن تاريخ إصدار هذه التأشيرة أو وثائق الدخول الأخرى ، على أي شخص أجنبي يحدده الرئيس: (أ) شارك بشكل مباشر أو ساعد بطريقة أخرى في أي جهد تبذله المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق أو الاعتقال أو الاحتجاز أو المحاكم شخص محمي. (ب) ساعد ماديًا أو رعى أو قدم دعمًا ماليًا أو ماديًا أو تكنولوجيًا أو سلعًا أو خدمات أو دعمًا لأي جهد تبذله المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع شخص محمي أو اعتقاله أو احتجازه أو محاكمته. (ج) تابع أو موجه من قبل، أو يعمل حاليًا أو يزعم أنه تصرف، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح أو نيابة عن أي شخص يشارك بشكل مباشر في أي جهد من جانب المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في، أو اعتقال، أو احتجاز، أو مقاضاة شخص محمي. 
ويمكن القانون : إن هذا القانون يمثل انتهاكاً للقانون الدولى ، والقانون الدولى الإنسانى،  والقانون الدولى لحقوق الإنسان ؛ ذلك أنه يمكن مرتكبى الجرائم الدولية التى تمثل عدوانا على البشرية جمعاء ، مثل جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب من الإفلات من العقاب أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وذلك بفرض حصانة قانونية على مواطنى الولايات المتحدة وحلفائها ، ومعاقبة كل من يحاول بأى طريق التحقيق معهم أو احتجازهم أو القبض عليهم أو مساعدة الضحايا كالمحامين وغيرهم ، فضلاً عن أنه يهدم فكرة القضاء الجنائى الدولى ويخالف المبأدى التى قررتها محكمتى نورمبرج وطوكيو ورواندا ويوغوسلافياً بشأن المسئولية الجنائية الدولية الفردية عن انتهاكات القانون الدولى الإنسانى ، وحماية للمسئولين الإسرائيليين الذى حاكموا (أدولف إيخمان) بعد 16 عاماً من انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1961 وحكم عليه بالإعدام شنقاً ونفذ فيه سنة 1962، على الرغم من كونه مواطنا ألمانيا تم اختطافه من الأرجنتين التى تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن بسبب ذلك .

 

ترشيحاتنا