دكتور أيمن الغندور يكتب: مسئولية الدول الداعمة للإبادة الجماعية فى قطاع غزة

دكتور أيمن الغندور
دكتور أيمن الغندور

أقامت جمهورية نيكاراجوا بتاريخ 1 مارس 2024دعوى أمام محكمة العدل الدولية ضد جمهورية ألمانيا الاتحادية بسبب انتهاكها لالتزاماتها الناشئة عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها واتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الإضافية، ومبادئ القانون الإنساني الدولي غير القابلة للانتهاك ، وغيرها من قواعد القانون الدولي العام فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما قطاع غزة. ويثور التساؤل حول مدى مسئولية الدول التى تقدم الدعم المادى والعسكرى واالوجيستى لاسرائيل عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية فى قطاع غزة ، وهل يشكل التأييد والدعم السياسى للعمليات العسكرية ضد قطاع غزة ، انتهاكا للالتزمات الدولية طبقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ؟ ولماذا قدمت نيكارجوا الدعوى ضد ألمانيا ولم تقدمها ضد إسرائل نفسها ؟
فى الإجابة عن ذلك يمكن القول : إنه وفقا للمادة الأولى من الاتفاقية، تعهدت جميع الدول الأطراف فيها "بمنع والمعاقبة على" جريمة الإبادة الجماعية ، وهى ارتكاب أي فعل من الأفعال التالية بقصد التدمير كليا أو جزئياً، لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه : قتل أعضاء الجماعة (المادة الثانية، الفقرة (أ) ؛ التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير لأفراد المجموعة (المادة الثانية، الفقرة (ب) ؛ تعمد إخضاع الجماعة لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا (المادة الثانية، الفقرة (ج) ؛ وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة (المادة الثانية، الفقرة (د) ؛ نقل أطفال الجماعة قسراً إلى جماعة أخرى (المادة الثانية، الفقرة (هـ). عملاً بالمادة الثالثة من اتفاقية الإبادة الجماعية، تحظر الاتفاقية أيضًا الأفعال التالية: التآمر لارتكاب الإبادة الجماعية (المادة الثالثة، الفقرة (ب) ، والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية (المادة الثالثة، الفقرة (ج). ومحاولة ارتكاب الإبادة الجماعية (المادة الثالثة، الفقرة (د) والتواطؤ في الإبادة الجماعية (المادة الثالثة، الفقرة (هـ) . 
 
وفيما يتعلق بالإبادة فى قطاع غزة ، فإنه عقب أحداث 7 أكتوبر 2023 قامت إسرائيل بعمليات عسكرية وحشية ضد قطاع غزة ، من قتل وقصف وتدمير وحصار وتجويع ومنع مساعدات طبية وغيرها بقصد إبادة سكان قطاع غزة ، وهذه الأفعال ترقى إلى مرتبة جريمة الإبادة الجماعية ، ونظراً لهذا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولى الإنسانى فقد قدمت دولة جنوب أفريقيا يفي 29 ديسمبر 2023 طلبًا إلى محكمة العدل الدولية لإقامة دعوى ضد إسرائيل تتعلق بانتهاكات اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في قطاع غزة ، وطلبت من المحكمة الإشارة إلى تدابير مؤقتة . 
 
وبتاريخ 26 يناير 2024 أصدرت المحكمة قرارها بشأن طلب التدابير المؤقتة ، وقررت أنه يجب على إسرائيل، وفقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، فيما يتعلق بالفلسطينيين في غزة، أن تتخذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأعمال التي تدخل في نطاق المادة الثانية من هذه الاتفاقية، وعلى الأخص: (أ) قتل أفراد الجماعة. (ب) التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء الجماعة ؛ (ج) فرض ظروف معيشية على الجماعة عمداً يقصد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً؛ (د) فرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة. وتشير المحكمة إلى أن هذه الأفعال تقع ضمن نطاق المادة الثانية من الاتفاقية عندما ترتكب بقصد تدمير مجموعة من الأشخاص كليًا أو جزئيًا. وترى المحكمة كذلك أنه يجب على إسرائيل أن تضمن على الفور عدم قيام قواتها العسكرية بارتكاب أي من الأفعال المذكورة أعلاه. ويجب أيضًا أن تتخذ جميع التدابير التي في حدود سلطتها لمنع ومعاقبة التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية ضد أعضاء الجماعة الفلسطينية في قطاع غزة. كما يجب على إسرائيل أن تتخذ تدابير فورية وفعالة لتمكينها من توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية التي تشتد الحاجة إليها ؛ لمعالجة الظروف المعيشية المعاكسة التي يواجهها الفلسطينيون في قطاع غزة. فضلاً عن منع التدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بمزاعم ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية ضد أفراد المجموعة الفلسطينية في قطاع غزة. 
 
إلا أن إسرائيل لم تلتزم بالتدابير المؤقتة ، واستمرت فى ارتكاب المزيد من أعمال الإبادة الجماعية ، وأعلنت عن نيتها لاجتياح رفح عسكريا ؛ مما دفع جنوب أفريقيا إلى التقدم بطلب إجراءات مؤقتة إضافية بتاريخ 12 فبراير 2024 ، وفى 16 فبراير 2024 نظرت المحكمة في طلب جنوب أفريقيا واتخذت قرارا أشارت فيه إلى أن التطورات الأخيرة في قطاع غزة، وفي رفح على وجه الخصوص، "من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوسًا إنسانيًا له عواقب إقليمية لا توصف"، وأن هذا الوضع الوضع الخطير يتطلب التنفيذ الفوري والفعال للتدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في قرارها الصادر في 26 يناير 2024، والتي تنطبق في جميع أنحاء قطاع غزة، بما فيها رفح، ولا يتطلب الإشارة إلى تدابير مؤقتة إضافية. وأكدت المحكمة أن إسرائيل لا تزال ملزمة بالامتثال الكامل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية ، بما في ذلك ضمان سلامة وأمن الفلسطينيين في قطاع غزة.
 
ونظراً لقيام بعض الدول خاصة الغربية بتقديم الدعم العسكرى والمادى واللوجيستى والسياسى لإسرائيل ، ، فقد قامت نيكارجوا برفع دعوى ضد ألمانيا الاتحادية ، وتستند نيكاراجوا إلى أنه على "كل طرف متعاقد في اتفاقية الإبادة الجماعية عليه واجب بموجب الاتفاقية بذل كل ما في وسعه لمنع ارتكاب الإبادة الجماعية" وأنه أكتوبر 2023هناك "خطر معترف به بوقوع إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، موجه في المقام الأول ضد سكان قطاع غزة". وأنه من خلال توفير الدعم السياسي والمالي والعسكري لإسرائيل ومن خلال وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، تسهل ألمانيا ارتكاب الإبادة الجماعية، وقد فشلت في التزامها بالقيام بمنع ارتكاب الإبادة الجماعية".
 
وتسعى نيكاراجوا إلى تأسيس اختصاص المحكمة على قبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة طبقاً للمادة التاسعة من اتفاقية الإبادة الجماعية. ويتضمن الطلب أيضًا طلبًا للإشارة إلى التدابير المؤقتة، عملاً بالمادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة والمواد 73 و74 و75 من لائحة المحكمة. أما عن سبب عدم رفع الدعوى مباشرة على إسرائيل ؛ فذلك يرجع إلى أن نيكاراجوا قد تدخلت بتاريخ 8 فبراير 2024 فى الدعوى المقامة أمام محكمة العدل الدولية من جنوب إفريقيا ضد إسرائييل ، ومن ثم ؛ فلا حاجة لديها لرفع دعوى جديدة ضد إسرائيل .
 
وفى ضوء ما تقدم ؛ تقوم المسئولية الجنائية للدول التى تقدم الدعم العسكرى والمالى والسياسى ، أو التى تتخذ إجراءات تحول دون منع الإبادة الجماعية فى قطاع غزة عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ، مثلها فى ذلك مثل الأفراد مرتكبى هذه الجريمة ، فقد أقرت محكمة العدل الدولية النظام المزدوج للمسؤولية عن جريمة الإبادة الجماعية، المسؤولية الجنائية الفردية ، ومسئولية الدولة عن ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ، وذلك فى حكمها الصادر في ٢٦ فبراير ۲۰۰۷ في قضية البوسنة ضد صربيا والجبل الأسود، حيث تبنت تفسيرا واسعا للإتفاقية ، فقررت أن الاتفاقية تفرض على الدول المتعاقدة نفسها ، بصفتها من أشخاص المجموعة الدولية ، وجوب عدم ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية على النحو الوارد في الاتفاقية ، وأن هذا الالتزام لا يقتصر فقط على منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فحسب، بل يشمل أيضا الالتزام بالامتناع عن المشاركة في أعمال الإبادة الجماعية بأى صورة كانت ، سواء بالتآمر أو التحريض والتواطؤ، ويدخل تحت هذه الصور تقديم الدعم العسكرى والمالى والسياسى والتحريض على الإبادة الجماعية .

ترشيحاتنا