الدكتور أيمن الغندور يكتب: العقوبة الرادعة لحجب السلع الاستراتيجية

الدكتور أيمن الغندور
الدكتور أيمن الغندور

نظرًا لقيام بعض التجار بالاستمرار فى حجب وإخفاء السلع الغذائية الأستراتيجية عن التداول الطبيعى فى الأسواق ، وذلك بالمخالفة لقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 5000 لسنة 2023 الصادر فى 30 ديسمبر 2023 الذى نص على تحديد سبع سلع وهى : زيت الخليط، والفول، والأرز، واللبن، والسكر، والمكرونة، والجبن الأبيض من المنتجات الاستراتيجية في تطبيق حكم المادة (8) من قانون حماية المستهلك الصادر بالقانون رقم 181 لسنة 2018، التي تحظر حبس تلك السلع والمنتجات عن التداول سواء من خلال إخفائها، أو عدم طرحها للبيع، أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخري، وذلك لمدة ستة أشهر تبدأ من تاريخ العمل بهذا القرار، أو لحين اشعار آخر أيهما أقرب؛ من أجل احتكارها ورفع سعرها لتحقيق مكاسب سريعة ، وما ترتب على هذه الممارسات من عدم توافر وارتفاع أسعار هذه السلع  التى تمس الأمن الغذائى ، وحفاظا على الأمن القومى للدولة ، وحماية لحق المواطنين فى الغذاء ؛ تقدمت الحكومة بمشرع قانون لتشديد العقوبات المنص عليها فى المادة 71 من قانون حماية المستهلك الصادر بالقانون رقم ١٨١ لسنة  ٢٠١٨ ، وتضمن مشروع القانون تشديد العقوبة المالية ، وذلك برفع الحدين الأدنى والأقصى لعقوبة الغرامة ليكون حدها الأدنى مائة وخمسين ألف جنيه بعد أن كانت مائة ألف جنيه ، ويكون حدها الأصى ثلاثة ملايين جنيه بدلا من مليونى جنيه .
ولم يكتفٍ مشروع القانون بتشديد العقوبة المالية فقط وهى الغرامة ، وإنما فضلا عن ذلك تضمن النص على عقوبة جديدة لم يكن منصوصاً عليها من قبل ، توقع على الشخص المعنوى وهو المحل التجارى ، وهى إغلاق المحل ستة أشهروهى تماثل العقوبة السالبة للحرية التى توقع على الشخص الطبيعى ، وهى عقوبة وجوبية توقع فى كل الحالات ، ويجب على القاضى الحكم بها ، كما خول المشروع المحكمة أن تقضى بإلغاء رخصة المحل التجارى ، وهذه العقوبة تماثل عقوبة الإعدام التى توقع على الشخص الطبيعى ، إذ تنطوى على إنهاء الوجود القانونى للمحل التجارى ، هى عقوبة جوازية تتمتع المحكمة بسلطة تقديرية فى الحكم بها أو عدمه وفقا لظروف ووقائع كل قضية على حدة . وقد وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب على  مشروع قانون مقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون حماية المستهلك.
والملاحظ أن مشروع القانون لم يتعرض للعقوبة السالبة للحرية وهى الحبس ، وأرى أنه كان من الأفضل ومراعاة للتدرج فى العقاب ، ولمواجهة هذه الظاهرة وما تشكلة من خطورة على الأمن القومى والاستقرار تشديد العقوبة السالبة للحرية ؛ ذلك أن العقوبة المالية قد لا تكون رادعة فى بعض الحالات وخاصة إذا وقع الحجب من شركة كبرى وحققت مكاسب كبيرة من حجب وإخفاء واحتكار السلع تفوق الغرامة المقضى بها ، فهنا لا تكون العقوبة المالية رادعة ، أرى أن تكون العقوبة السالبة للحرية فى حالة العود هى السجن وليس الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنوات الموجودة فى النص الحالى ، لتنقل الجريمة فى حالة العود من مرتبة الجنحة إلى مرتبة الجناية ، وإلغاء رخصة المحل ؛ ذلك أن العود لارتكاب الجريمة نفسها مرة أخرى ينبىء عن خطورة إجرامية فى نفس الجانى ، تتمثل فى انتهاجه لحجب وإخفاء السلع منهجا لتحقيق الكسب السريع ، فجيب أخذه بالعقاب الشديد تحقيا للردع العام والخاص .

وبالنسبة لسئولية مدير الشركة أو المؤسسة أو السلسلة التجارية التى ترتكب جريمة حجب السلع عن التداول ، فإنه يُشترط لمعاقبته عن جريمة حجب السلع الاستراتيجية طبقا للمادة (٧٤) من قانون حماية المستهلك : أن يثبت علمه بحجب أو إخفاء السلع ، وأن يكون إخلاله بالواجبات التي تفرضها عليه تلك الإدارة قد أسهم في وقوع الجريمة. وفى الواقع يصعب إثبات أن إخلاله بالواجبات التي تفرضها عليه تلك الإدارة قى ساهم فى وقوع جريمة الحجب ، لذلك أرى تعديل نص المادة (74) ليشمل التعديل كافة الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون، أو إضافة المسئولية الجنائية للمسئول عن الإدارة الفعلية عن جريمة حجب السلع الاستراتيجية إلى نص المادة (71) كيما تتضمن نصا خاصا يُعاقب المسئول عن الإدارة الفعلية للشخص المعنوى عن جريمة الحجب ؛ لأن وقوع الجريمة مرة أخرى من الشخص المعنوى قرينة على عدم قيام المسئول عن الإدارة الفعلية بالواجبات التى تفرضها عليه الإدارة ، ومنها التأكد من عدم قيام مرءوسيه بحجب أو إخفاء السلع الاستراتيجية بالمخالفة لأحكام المادة 8 من قانون حماية المستهلك .

ترشيحاتنا