أخر الأخبار

الدكتور حسين عبد الفتاح أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة قناة السويس يكتب لـ« الأخبار المسائي» 

د. حسين عبد الفتاح
د. حسين عبد الفتاح

الكذب الإلكتروني

ظاهرة تعود للظهور من حين لآخر إن لم تكن لم تتوقف طيلة الوقت، وتنتشر الظاهرة بين الأفراد أو المجتمعات التي يسود فيها الشد والجذب حول موضوعات أو إتجاهات، وأحيانًا لمجرد الاختلاف حول أمور غير مهمة؛ حيث يحاول كل فرد أو فريق إصابة الفريق الآخر والنيل منه حتى ولو بالتلفيق والكذب المعزز بنتاج التقدم التقني الهائل والمتسارع.

في خضم ذلك لا مناص للجميع من أن يناله خبر كاذب مصحوب بصورة سواء كان التلفيق بالصورة زمانًا أو مكانًا وربما بتخليق الصورة نفسها من العدم لفكرة أو لشخص ونسبتها له في مضمون أو مناسبة قد تكون حدثت بالفعل وربما تكون هي الأخرى مختلقة، وإن كان ذلك ليس بالجديد وموجود منذ عشرات وربما مئات السنين إلا أن التقنيات التي تشهد تسارعًا وتطورًا محمومًا كالذكاء الاصطناعي بشتى صوره والوسائط التي يقوم بتخليقها من صور وأصوات ولقطات فيديو أدى إلى اقتراب هذا الكذب والتزييف العميق من الواقع للحد الذي بات التفريق فيه بين الوهم والحقيقة أمر بالغ الصعوبة في بعض الأحيان، أما تحديدًا الظاهرة السيئة وهي الكذب والتلفيق الإلكتروني والتي عكست كيف عندما بدأ المجتمع العربي إستخدام التقنية استخدمها بكل أسف أسوأ إستغلال حتى أن اسم برنامج فوتوشوب صار مرادفًا للكذب والتلفيق عند كثير من العامة وغير المتخصصين، والعكس بالعكس عندما يحاول فريق دفع اتهام أو خبر عنه حتى إن كان صحيحًا فيسارع بسهوله ويقول "فوتوشوب".

تلك الظاهرة بدأت ربما ببداية معرفة السواد الأعظم من المستخدمين بالمنطقة العربية لمفاهيم تكنولوجية جديدة عليهم وكانوا يجهلونها كليًا سواء جهلاً بكيفية الاستخدام أو ربما جهلاً بالمفهوم من الأساس، كانت هذه البداية مع دخول جمهور عريض لعالم شبكات التواصل الاجتماعي والذي أصاب هذا العالم الافتراضي في منطقتنا العربية بفوضى عارمة زاد الفجوة الثقافية بين مجتمعات العرب وباقي الشعوب بعد أن كشفت مواقع التواصل الاجتماعي فجوات أخرى غير تلك التكنولوجية وأهمها الفجوة السلوكية بين شعوبنا العربية وشعوب العالم المتقدم، وتستطيع أن تدرك هذا الفارق وهذه الحقيقة إذا كانت قائمة صداقاتك متعددة الجنسيات وكذلك إن كنت متواجد في مجموعات وصفحات ناطقة بغير العربية.

تستطيع أن تدرك ما سبق بعمل بحث ومراجعة للمحتوى الرقمي للصور المرفوعة من مستخدمين عرب على شبكة الإنترنت ويمكنك القيام بذلك بسهولة باستخدام البحث بالصور في جوجل، إذ أنك ستجد نسبة كبيرة من الصور المصحوبة بمحتوى عربي ملفقة أو مستخدمه في غير موضع السياق أو المكان أو الزمن وحرفيًا "منتحلة" من مواضع أخرى لا علاقة لها بالخبر الكاذب. الوجه الآخر للمشكلة هو غياب ثقافة البحث عن الحقيقة والميل لتصديق أي مصدر مصور بالإضافة لفساد الذوق والضمير والذي يجعل من المقبول على أشخاص كثيرين الدفاع عن رأيهم بالكذب. صحيح أن كل شيء مباح على سبيل المثال في الحروب بما في ذلك الشائعات، لكن حسن استخدام التقنية ومنها مواقع التواصل الاجتماعي أمر مفتقد لحد بعيد، ما ينطوي على أخطار لا يسعها الحديث في سطور قليلة.

للتوضيح في عجالة، تسعى جميع الدول لحماية حدودها لكن ماذا عما يمكن أن أسميه "الحدود الرقمية"؟ والذي يمكن أن يشكل اختراقها خطر على الأمن المجتمعي بالمفهوم القائم على علوم النفس والاجتماع الرقمية؛ فتعاني بعده تلك الدول من تدخلات سافرة في سيادتها أخطر من تلك الناجمة عن إختراق حدودي أو إنزال جوي أو ما شابه، فسوف تقع الدول التي لا تواجه تلك الأخطار هجمات منتظمة اجتماعية رقمية وأخرى موسمية ربما لتنفيذ مصالح دول أخرى وهذا وفق أخف التقديرات للأضرار، سواء بتغييرات طويلة الأمد للتركيبة النفسية والمجتمعية والثقافية للشعوب، أو بتغيير قناعاتهم ورؤاهم في الأحداث قصيرة المدى. الأخطر قد يتعدى ذلك إلى التأثير على القدرات والعادات النفسية التي يمكن أن تؤثر على همة ومثابرة الشباب بالدول المستهدفة، وقد يسهم التطور في تقنيات الواقع الافتراضي وباقي صور التقنيات الرقمية لظهور موجة مما يمكن أن نسميه "الأمراض الإدراكية الافتراضية" وهو ما يحتاج لتضافر كل الجهود من كافة المجالات للاستفادة القصوى من تلك المستجدات لكن في نفس الوقت لتحييد مخاطرها على الأفراد والمجتمعات.

ترشيحاتنا