محمد القصبى يكتب : حتى لايتحول شعار  ١٠٠ مليون صحة إلى ٢٠٠ مليون صحة!!

محمد القصبي
محمد القصبي

١٠٠ مليون صحة

شعار رفعته الدولة  للارتقاء بصحة المصريين ..ورغم النتائج الجيدة..بل المبهرة أحيانا كما هو الحال في التعامل مع وباء فيروس سي الكبدي..حيث تم تطهير أكباد أكثر من  ٩٨% من المصريين من  الفيروس..
إلا أن وضعنا الصحي مازال مقلقا..
.....
أنس ..يخطو نحو العام ..لكن خطاه لايسمع وقعها..لايسمع حتى تردد أنفاسه.. هكذا ولد أنس ..بلا قوقعة في الأذن..
هكذا سيمضي العمر لايسمع..لايتكلم..
كارثة تطفح بالألم على وجوه الأب.. الأم..الأهل جميعا ..
طرقوا أبواب المستشفيات..
تركيب قوقعة واحدة يكبدهم نصف مليون جنيه..هذا قبل تورم الدولار وتقزم الجنيه..
من أين ؟!
ثمة مبادرة من مبادرات رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى الأطفال حديثي الولادة..
أهل أنس تقدموا بمذكرات لعلاج الطفل ..لتتويج وجوده الانساني بحاسة السمع..بالقدرة على الكلام..اللجنة لمرتين  ترفض ..
بالطبع السبب كثرة الذين يترقبون في الطابور..دورهم..
وفي أمور مثل تلك من لديه واسطة تفتح لطفله غرفة العمليات فورا..
لكن يقينا السبب الأساسي قلة الإمكانيات المتاحة..
عملية باهظة التكاليف..والمتاح من القواقع لايكفي أعداد المترقبين في طوابير الانتظار..
هل يمكن أن نلوم الدولة ؟
ليس كثيرا..
الصحة مثل التعليم..مثل قطاعات عديدة تعرضت للانهيار خلال العقود الماضية ..
ويوما ..كان ذلك خلال عام ٢٠١٤ في إحدى الندوات التي شرفت بتنظيمها وإدارتها في صحيفة الأخبار المسائي انفلتت من صحاري اليأس بداخلي تلك العبارة: مصر في حاجة إلى عشرة أنبياء لانتشالها من حالة التردي التي تعرضت له منذ السبعينيات..!!
....
ويقينا ..النظام الذي انبثق عن ثورة ٣٠ يونيو يبذل أقصى جهده..لمواجهة هذا التردي..
وكما نوهت ثمة مبادرات ثورية..تحقق نجاحا ملموسا..
وثمة برهان لايقبل الجدل ..متوسط الأعمار في مصر الذي  ارتفع إلى ٧٢ عاما ..هو الأعلى أفريقيا..بل ويتجاوز  متوسط المعدل العالمي الذي يبلغ  ٧١ عاما..
هذا المؤشر وغيره برهان على أن ثمة تقدما ملحوظا في مجال الرعاية الصحية..
إلا أن هذا لايكفي لأن نهجع في واحة الاطمئنان ..طالما هناك من يئن من آلام المرض فهذا سبب كاف لأن نظل مؤرقين ..
 ففي مجال الصحة لابد أن يكون النجاح كاملا.. 
والذين  يئنون من المرض في بلادنا  ليسوا مئات ولا آلاف..بل ملايين..!!
إذن ..مازال بيننا وبين النجاح الكامل  أخاديد عميقة..
 ..تجاوز تلك الأخاديد..يقينا مهمة الحكومة..لكني كمواطن ..كل المواطنين ..ليس من الدين ولا من  الانتماء الوطني أن نلزم خنادق السلبية..ولاشيء  نفعله..سوى .. أن نلطم الخدود ونلعن ونسب في الحكومة!!
 الحكومة ليس بمقدورها وحدها إنهاء طوابير الانتظار أمام المستشفيات..أمام غرف العمليات..
لابد أن يكون لكل مواطن حضوره النافذ والإيجابي..
دورنا لايقل عن دور الحكومة ..وربما يزيد..
.....
هل مشكلة القطاع الصحي في مصر الإمكانيات.. ؟
نعم..يقينا..
وأيضا..يقينا ..الوعي..
والانتماء ..

في قريتي - حدث هذا منذ عدة شهور - توفي رجل ينتمي إلى أسرة متوسطة..
في ذات اليوم توفيت أيضا  سيدة  من أسرة متوسطة..
توجهت لتقديم العزاء إلى أسرة المتوفي..فوجئت بسرادق يمتد عبر الفضاءات المتاخمة للقرية..يكتظ بمئات الكراسي الفخمة..وأهالي المرحوم يصطفون في طابور طويل أمام مدخل السرادق لاستقبال المعزين..
 بكراسيه الفخمة وأضوائه الساطعة ومقرئه الذي تم استيراده من خارج القرية..بدا  السرادق وكأن المراد منه أن يكون دبوسا ذهبيا في كرافتة العائلة..شكل من أشكال التباهي ..ولا علاقة للأمر باكرام الميت !!!
سألت جاري في العزاء عن توقعاته لتكاليف السرادق فقال: تقريبا حوالي ٥٠ ألف جنيه..!
واستطرد مبررا: فيه مسئولين وأعضاء من مجلس النواب ممكن ييجوا يعزوا..لازم المنظر يبقى حلو..!!!
السيدة التي رحلت في ذات اليوم ما كان في دائرة إهتمامها أن يكون منظر العائلة ( حلو ) بعد وفاتها..أمام المسئولين وأعضاء البرلمان الذين قد يأتون لتقديم واجب العزاء..بل تمحور إهتمامها حول أمر آخر.. المئات الذين يئنون من آلام المرض..لذا  تركت وصية صارمة: مفيش مليم يتصرف  أكثر من الكفن ..والـ ١٠٠ ألف جنيه الموجودين  في الدولاب اشتروا بها جهاز غسيل كلى  لمستشفى القرية..أنا رحت مرة المستشفى وشفت أد أيه الناس بتعاني.. 

ألا يمكن أن تكون تلك السيدة الريفية نموذجا قابلا للتعميم..؟ 
في المنطقة التي أقيم فيها بالقاهرة الجديدة ثمة من يتحدثون عن التبرع لبناء مسجد ..
المنطقة يوجد بها أظن مايكفي من المساجد.. وماعدا صلاة الجمعة لايتجاوز عدد المصلين بضعة عشرات..وأحيانا دون العشرة..
بينما لا توجد سوى  مستشفى واحدة.. القاهرة الجديدة..ورغم سعي الحكومة للارتقاء بأحوال المستشفى، ورغم الجهد الهائل الذي تبذله إدارة المستشفى و أطبائها وادارييها وأطقم التمريض لرسم بسمة الأمل..الشفاء على شفاه قاصديها من مئات المرضى - أحيانا يتجاوز العدد ١٥٠٠ مريض يوميا-  ..إلا أن ثمة مشاكل تتعلق بنقص الأجهزة..
من بين  هذه الأجهزة.. وكما علمت من مدير المستشفي الدكتور أحمد مسعد ..جهاز  flowmeter
وهو جهاز بالغ الأهمية لعمليات التخدير ..
بل وثمة أمر آخر ..غير الأجهزة الطبية  ..تجهيز  أماكن الانتظار  أمام نوافذ  تذاكر العيادات الخارجية بمظلة ومقاعد لتوفير الراحة للمرضى..خاصة كبار السن..

وليت وزارة الأوقاف تنبه وعاظها..أن يشددوا على هذا الأمر في خطبهم ..
التبرع لشراء جهاز طبي في مستشفى أولى من إنفاق عشرات الآلاف من الجنيهات على سرادق العزاء..على الأفراح ؟!! بل وأولى من الحج والعمرة لمن سبق وأن أدوها من قبل.. ليس مرة واحدة ..بل مرات ..؟! ويقينا أولى من التبرع لبناء المساجد !!
.......
فإن  تضاعفت تبرعات  المصريين  للمستشفيات هل تختفي مشاكلنا الصحية ؟
وكما قلت ..مع الجهد الذي يبذل للنهوض بمستشفياتنا ارتفع متوسط الأعمار في مصر إلى حوالي ٧٢ عاما ..
بينما في أفريقيا مازال دون الـ٦٠ عاما..
إلا أن هناك دولا تجاوز متوسط الأعمار بها ٨٦ عاما..مثل اليابان..والعديد من الدول الأوربية..وهذا لايعزى  فقط للارتقاء بالخدمات الصحية في تلك الدول ..إنما ثمة أسباب أخرى..منها الوعي الصحي..
الذي ينعكس إيجابا على عادات الإنسان اليومية..
في كافة أوجه الحياة ..

في تقرير أصدرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة " فاو " تنبه  إلى ١٥ محظورا علينا أن ننأى عنها في عاداتنا الغذائية ..

١- تناول الطعام بسرعة وبدون مضغ أو فتح الفم أثناء.
2- عادة النفخ في الطعام.

3- الأكل بكميات كبيرة وعدم التوقف عن الأكل في حالة الشعور بالشبع.
4- النوم بعد الأكل.
5- تناول الخبز الأبيض «الفينو»
6- إهمال أو عدم تناول وجبة الإفطار أو تناول وجبة إفطار خفيفة أو الاعتماد في فترة الصباح على بعض الأطعمة الضعيفة كالبسكويت.
7- تناول كميات كبيرة من الملح في الطعام أو الأسماك المملحة

8- تناول المخللات والفلفل الحار بكثرة.

9- زيادة الدهون في الطعام
 
10- الإفراط في تناول الحلويات مثل: الفطائر والجاتوه والمخبوزات والاقلال من الخضراوات والفاكهة الطازجة. 
11- تناول الوجبات السريعة والبرجر

12- تناول الوجبات المسلية مثل رقائق البطاطس والذرة.
13- تسخين الخبز على شعلة الغاز«النار».
14- تناول الطعام أثناء مشاهدة التليفزيون.

15- التدخين بعد الأكل.. بالطبع.. التدخين في الأصل ضار جدا بالصحة..وتزداد مخاطره إن حدث بعد الأكل..

تلك المحظورات للأسف نضرب بها عرض الحائط..
والنتيجة انتشار الأمراض..لتكتظ  طوابير الانتظار بملايين المرضى  أمام مستشفى القاهرة الجديدة..مستشفى قرية المعصرة ..أمام السبعة الآلاف ومائتي مستشفى ومنشأة ومركز صحي المنتشرة في أرجاء مصر..!! 

........
وليست مساويء عاداتنا الغذائية البالوعة الوحيدة التي تطفح بطوابير الانتظار أمام المستشفيات التي تكتظ بملايين  المرضى..
عام ٢٠١٥ داهمتنا الأمم المتحدة بتقرير عن حوادث الطرق في العالم..فماذا كان ترتيب مصر؟
 الأولى....!!
وطبقا لإحصائيات ٢٠٢١ ..فقد حوالي ٨ آلاف مصري حياتهم بسبب حوادث الطرق ..وأصيب ٥٦ ألفا.. بالطبع يجري نقلهم إلى المستشفيات ليضيفوا عبئا آخر على أجهزتها وأطبائها وممرضيها..
وحوادث الطرق ليس سببها عين الحسود كما يفسر جاري المهندس!!!!.. بل حماقات  السائقين..وتفشي تعاطي المخدرات بين الكثيرين منهم ..وأطفال يقودون السيارات والموتوسيكلات والتروسيكلات..!! 
 
ويقينا يمثل الخفير ( غ ) العبء الأكبر على مستسفياتنا ..تزوج حتى الآن  ١٠ وأنجب حتى الآن ١٧  ..والمذهل أنه يجد من يدافع عنه من  المشايخ.. حتى أن أحدهم وصفه بالتقي الورع !!
وخلال حواري مع أحد الأطباء عن هذا الخفير ..فوجئت به يصيح غاضبا: هو انتوا بتدوروا على شماعة تعلقوا عليها فشلكم ..!! ما تبصوا للصين.. أدنا ١٥ مرة ..وشوفوا اتقدمت ازاي..!! 

ومالم يعلمه هذا الطبيب وأمثاله.. أو يعلم ويتجاهل....
أن الصين رفعت شعارا صارما منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي: طفل  واحد لكل زوجين..
ومن يخالف يعد من أعداء الدولة ..وربما يحرم من وظيفته..
الصين تخلت عن هذا الشعار مؤخرا واستبدلته بطفلين لكل زوجين..
وبفضل تلك السياسة 
الصارمة..انخفض عدد السكان !!
والمعدل الآن ٦ مواليد في مقابل كل ألف ..
بينما الوفيات ٧ في مقابل كل ألف!!!
بينما في مصر
يصل معدل المواليد حوالي ٢٣ طفلا لكل ألف.. أما الوفيات حوالي ٧ لكل ألف.. يعني ١٦ طفلا زيادة مقابل كل ألف..!!
ولقد نشرت مقالا منذ عدة سنوات في ( الدستور )  عن الشيخ التقي الورع ..الخفير (غ)  وكان عنوانه  عدو مصر!!!
ولاأظن أنني بهذا العنوان تجاوزت الحقيقة !!!
.....

وبمناسبة الحديث عن الصين ..
لا أحد لم يسمع عن سورهم العظيم.. إحدى عجائب الدنيا السبع ..بدأوا في بنائه قبل الميلاد بحوالي ٧ قرون..ولأكثر من ٣٠٠ سنة .. 
فهل نجح هذا السور الممتد لـ ٢٤٠٠ كيلومتر  في حمايتهم من الغزاة ؟
لم يحدث ..التتار نجحوا  في اختراق السور
.. ليس بالسيوف والرماح..إنما برشوة الحراس!!!!!!
......

ليتنا  نعيد رفع الشعار الذي لوحت به ثورة ٢٣ يوليو في ستينيات القرن الماضي : البشر قبل الحجر ..
لإعادة هيكلة دماغ  الخفير (غ)..بما يتواكب مع قيم الانتماء الحقيقي للوطن..لصحيح الدين !
والا ستجد الدولة نفسها مضطرة بعد عدة سنوات لتغيير  شعار  ١٠٠ مليون صحة..إلى ٢٠٠ مليون صحة..و ٣٠٠ مليون صحة ومليار صحة..!!
وطبعا مجرد شعارات فارغة..غير قابلة للتحقيق!!!
 

ترشيحاتنا