رؤية تفسيرية جديدة لسجود الشمس والقمرليوسف الصديق

 الدكتورة ماجدة عبد الله
الدكتورة ماجدة عبد الله

رؤية تفسيرية جديدة لمعنى سجود الشمس والقمر لنبى الله يوسف رصدتها الدكتور ماجدة أحمد عبدالله أستاذ تاريخ وأثار مصر والشرق الأدنى القديم ورئيس مجلس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة كفر الشيخ.

وتوضح الدكتورة ماجدة عبد الله أن دلالات ومغزى ذكر الشمس والقمر فى قصة يوسف عليه السلام يجب أن تفسّر طبقًا للمصادر المصرية القديمة حيث كانت مصر هى مسرح أحداث القصة كما جاء فى قوله تعالى على لسان يوسف الصديق  "ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ" يوسف 99، وقد ذكرت الشمس والقمر فى قصة يوسف فى الأية رقم (4) حين إخبار أبيه بالرؤيا ومن خلال آيات القرآن الكريم نجد ذكرهما متتابعان ويسجدان لله مع سائر مخلوقاته فى السموات والأرض  وأمرهما الله تعالى أن يسجدا ليوسف الصديق فقط فى رؤياه كحالة منفردة بالقرآن الكريم .

 

ولقد فسّرها العديد من المفسرين فى علوم القرآن الكريم ومن بينهم ابن كثير بأن الأحد عشر كوكبًا هم أخوة يوسف أمّا الشمس والقمر فإنهما أبويه وقد تحققت الرؤيا بعد أن صار يوسف عزيزًا فى مصر، وجاء أهله جميعًا فرفع أبويه على العرش وإخوته بين يديه وخروا له سجدًا كما جاء فى الأية رقم 100 بسورة يوسف.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن التفسير الجديد للرؤيا يشير إلى أن المقصود بسجود الشمس والقمر هى رمزية بأن يوسف سيكون له شأن عظيم فى مصر القديمة على وجه الخصوص وهى أقوى حضارة متاخمة لقوم سيدنا يوسف عليه السلام والسجود يدل على الطاعة والخضوع والذل للمسجود له وهو سجود تكريم وسجود بأمر الله وليس سجود عبادة.

 

وذلك باعتبار الحضارة المصرية القديمة هى من أقدم الحضارات التى صورت الشمس منذ عصر نقادة الأولى باعتبارها مصدرًا للضوء والدفء، كما أن مدلولاتها فيما بعد "رع" لها مدلولات تختص بالسلطة والمكانة العالية والسيطرة فى مصر القديمة وتُعبر الشمس عن المُلك والملكية وارتبط بها ملوك مصر القديمة فى أسماؤهم وألقابهم وهى القوة المسيطرة على عددًا كبيرًا من الآلهة المصرية القديمة بل اشتركت معها فى مسمياتها.

كما ورد فى متون الأهرامات صفات عديدة للشمس تحت مسمى " رع"  ومنها سيد السماء والأرض، الحكيم، القوى الثابت، المشرق المضىء، العادل، باعتبارها مصدر الحق والعدل على الأرض وربما لأن الأشعة الصادرة من الشمس واضحة وضوح الحقيقة  كما أكدت نصوص التوابيت أن الشمس هى الكائن الأسمى 

وبخصوص القمر ينوه الدكتور ريحان إلى أن القمر فى مصر القديمة "أياح" وهو إحدى رسل الشمس (رع) يرسى القوانين وهوالقاضى أى يتسم بصفة العدل كما يوجد كهنة لديهم علم تفسير الأحلام وبذلك فإن رؤيا يوسف الصديق تؤكد أنه سيكون له شأن وسلطان وسيكون كالضياء يشع بالعلم والمعرفة على البشر أجمعين  لأن الله سبحانه وتعالى أختصه بالدعوة لله الواحد الأحد الذى اتضح فى الآية الكريمة "وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" يوسف آية 6، والإجتباء هنا يعنى أن الله قد اصطفاه وأختاره ليكون ذو شأن .

 

وبخصوص الآية 19 "وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً" فإنه طبقًا لتفسير الباحثة فإن السيارة والرجل الذى يصحبهم وحمل يوسف معه إلى مصر هم مصريين رغم أن التوراه قد حددتهم من أهل مدين أوالإسماعيلين ومسمى مدين يشمل أرض مصر فى سيناء وقد فسّر رمضان السيد " يا بشرى" على أنها كلمة مصرية قديمة ( ى –بى- رشو) تعنى "يافرحتى" وتوضح الدراسة أن عبارة " وأسروه بضاعة" تؤكد مصريتهم إذ أن العبارة تدل على أنهم اعتبروه أسير وبالتحديد بمقام غنيمة وهى شريحة يعرفها المجتمع المصري القديم بين أسراه والمعروفة فى المصرية القديمة باسم"  حاقو " والتى ظهرت فى نصوص الدولة الحديثة للدلالة على الغنيمة سواءً من البشر أو أشياء أخُذت إمّا فى ميدان للقتال أو عن طريق النهب والسلب، وبالفعل أعتبر أن يوسف الصديق سُرق من داخل البئر وهو ليس بعبد بل شخص حر ولذلك أن أخذه من قبل السيارة يعتبر سلب له بدون وجه حق 

وبناءً على تفسير الدكتورة ماجدة عبد الله وتحليلها لتعبير " وأسروه بضاعة" فإنه بمجرد العثور على يوسف الصديق تعلق بالدلو لينجو من ظلمات البئر ويخرج للنور  إلا أن الرجل أخذه بالقوة على أنه غنيمة سهلة ولم يكتف بذلك بل سلب حريته بأن قيده بقيد من الجلد المدبوغ أو ما شابه حتى لايهرب منه واعتبره عبدًا له من حقه أن يبيعه.

 

ويختتم الدكتور ريحان بأن رؤيا يوسف الصديق قد تحققت بالتمكين له فى أرض مصر وهو أمر ليس بالهين لأجنبي فى المجتمع المصري القديم وعلّمه الله تأويل الإحاديث وعندما بلغ أشُده أتاه الله حكمًا وعلمًا ومكّنه من أن يكون داعيًا لعبادة الله الواحد بالمجتمع المصري القديم، ولقد علم يوسف الصديق أن العلم الذى وهبه الله اياه وهو تفسير الأحلام والرؤى سيكون سببًا فى خروجه من السجن وقد اتضح من الآيات أن الله قد أمره وهو داخل السجن بإطلاق الدعوة لعبادة الله الواحد الأحد؛ لذلك دعا صاحبيه فى السجن ولم يخش شيء.

 

كما أوضحت الآيات أن الله سبحانه وتعالى سوف يُمكّن ليوسف فى الأرض أي أرض مصر، وقد عيّن على خزائن مصر بعد خروجه من السجن وتحدث إليه إخوته باعتباره "عزيز مصر" أى وزير ومدير الخزانة والمشرف على مخازن الحبوب، وكلها مناصب ذات مكانة رفيعة وهم لا يدرون حقيقته، وكان يجيد لغة أهله بجانب إجادته للمصرية القديمة وعلم الحساب بدقة والجغرافيا وحسابه لفيضان نيلها ومتى سيحل الجفاف وتخطيطه لإنقاذ مصر من واحدة من المجاعات التى مرت عليها كما لو كان يتمتع بعلم "إدارة الأزمات" فى ذلك الزمان 

وطبقًا لهذه المكانة الرفيعة ليوسف عليه السلام فى مصر وخلقه الكريم فقد رفع أبويه على العرش ولم يسجدا أمامه بل رفعهما معه على العرش وبذلك يكون السجود من قبل إخوته بين يدي يوسف وأبويه وهو سجود الأدنى للأعلى ، وقد خرّ إخوة يوسف له ساجدين لتحيته وهو سجود على الأرض أو لمسها بالانحناء عليها وكان أمرًا معروفًا فى مصر القديمة وأحيانًا يتم تقبيل الأرض أمام من يحتلوا الوظائف العليا بالدولة بدءًا بالملك وما دونه من رجال الدولة.

 

ترشيحاتنا