خالد الشناوي يكتب:السيدة زينب في قلوب المصريين 

خالد الشناوي
خالد الشناوي

بالأمس القريب شهدت قاهرة المعز لدين الله الفاطمي الافتتاح الرسمي لمسجد عقيلة بني هاشم سيدتنا السيدة زينب رضي الله عنها بعد الإنتهاء من أعمال التجديد والتطوير التي شهدها المسجد الزينبي تمهيداً لافتتاح الضريح الأنور في القريب العاجل ....

يأتي هذا التطوير تنفيذاً لخطة الدولة المصرية في رفع كفاءة مساجد ومراقد العترة الطاهرة من آل بيت النبوة سلام الله عليهم  .

فحينما نتحدث عن السيدة زينب في قلوب المصريين فإنما نتحدث عن درة البيت النبوي الشريف....

نتحدث عن تاريخ طويل ومشرف ...

كثيرون عاشوا على ظهر البسيطة ومضوا في رحلتهم فأضحوا وكأن شيئا لم يكن فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ....!

 و لكن قليل أولئك الذين لم تنساهم الدنيا وسطرت مناقبهم بحروف من الذهب على صفحات ناصعة البياض من الفضة  وحق للتاريخ أن يشرب من روافدهم الفياضة  ...

نتحدث عن كريمة المجد والآباء....

نتحدث عن عزيزة النفس والإباء ....

نتحدث عن الصرخة المدوية والتي أكملت ثورة الإمام الحسين  ...

فهي وبحق سيدة فاقت نساء الدنيا علما وفقها ومواقف اهتز لها الوجود بأسره من أقصاه إلى أقصاه .

 ملكة متوجه تربعت على عرش القلوب المنصفة جيلا بعد جيل ....

عاشت بين المصريين من سني الدهر سنة كان لها أكبر الأثر الممتد إلى قيام الساعة فكانت مهرعا للقاصي والداني في حياتها وبعد انتقالها إلى الرفيق الأعلى .

أم المساكين وأم العواجز وصاحبة الشورى ورئيسة الدواوين وجبل الصبر و المشيره والعقلية والمحكمة هكذا لقبت واشتهرت وتوجت ...

في الحي العريق الذي اشتهر باسمها هذا الحي الذي توالت عليه السنين فتغير اسمه من قنطرة السباع نسبة إلى الملك الظاهر بيبرس إلى'حي السيدة زينب' هذا الحي الذي يهرع نحوه في كل زمان ومكان العلماء والصالحين وتكاد ترى من أعوزتهم الحاجة يفدون إلى هذه البقعة الطاهرة حتى أطلق على من نزلت به الفاقةو الحاجة المثل العامي الدارج"قاعد على باب السيدة"!

كيف لا وباب العقيلة باب من أبواب العطاء الإلهي في دنيا الناس فهو باب لا ينضب معينه ولا تتلاشى أنواره أبد الدهر  .

و كيف لا أيضاً وهي امتداد للكوكبة الطاهرة الفريدة التي شرفت بالانتساب إلى جناب النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام نسبا وحسبا  علما وسلوكاً فكانوا بهذا التميز محطا لرحال الناس خاصتهم وعامتهم في حياتهم وبعد انتقالهم إلى الرفيق الأعلى .

فهم بذلك"سفن النجا لمن إلى الله التجا"بنص حديث جدهم عليه أفضل الصلاة والسلام:"مثل آل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها فقد نجا ومن تخلف عنها فقد هلك" .

لقد سارت أرواح المؤمنين مسرعة وملبية هذا النداء الفياض لهؤلاء الاطهار منذ أن نطق الوحي بهذا التوجيه الفريد:{  ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ....} .

وإن القارئ في التاريخ والمستوضح أحداثه وطيات كتبه ليقف ولو للحظات متفكرا ومعتبرا  ومتسائلا:

لماذا كانت مصر هي محط السادة الكرام من آل البيت رضي الله عنهم بهذه الكثرة الكبيرة والتي لم تجمع في قطر من الأقطار مثلما جمعت في مصر؟

وكأن هذا الجمع الأكبر سنة إلهية وعناية ربانية لا سيما وقد كانت مصر خزانة يوسف وتجلي موسى عليهما السلام وبها كان مسار العائلة المقدسة وفوق كل هذا وذاك فأهل مصر هم اصهار النبي سيدنا محمد حيث تزوج من مارية القبطية  .

عقب استشهاد الإمام الحسين في واقعة كربلاء وفدت السيدة زينب رضي الله عنها إلى مصر ومعها ما تبقى من آل البيت وعلى أبواب بلبيس الشرقيه كان الاستقبال الحافل لها من أهل مصر الذين يعرفون لآل البيت مقامهم ومكانتهم حتى انه لتنقل لنا بطون الكتب أن والي البلاد يومها وهو "مخلدة بن مسلم الأنصاري"خرج يستقبل ريحانة النبي وبضعته حافي القدمين!

على أبواب مصر وفي تلك اللحظات الفارقة في حياة المصريين كان الدعاء الخالد من السيدة زينب رضي الله عنها لأهل مصر:"آويتمونا يا أهل مصر آواكم الله ونصرتمونا نصركم الله جعل الله لكم من هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا" .

توجه الناس مشياً إلى الفسطاط وبينهم حفيدة النبي في مشهد مهيب اختلطت فيه مشاعر القوم ما بين الحزن والسعادة،حزنا وألما لما نزل بأهل البيت من مصائب ومحن،وفرح لقدومهم إلى مصر واختيار أهلها قوما وعشيرة وجيرانا  .

 وما هي غير ساعات قليلة من الوقت حتى تنازل الوالى عن منزله لتقيم فيه السيدة زينب رضى الله عنها إكراماً لها وكان معها فاطمة النبوية وسكينة وعلى زين العابدين أبناء الإمام الحسين ونزلت المشيرة فى قصر يشرف على نهر النيل . 

اختارت الطاهرة زينب أرض مصر سكنا فأضحت قلوب أهلها_أبد الدهر_ لها وآل بيتها  وطنا ..

كانت عقيلة بني هاشم تشبه أباها علياً وأمها الزهراء كثيرة العبادة والتهجد ، كانت تؤدي النوافل كاملة في كل أوقاتها ، ولم تغفل عن نافلة الليل قط ، ولا زالت تتلو القرآن الكريم حتى لحقت بربها عز وجل راضية مرضية .

حينما أزور ضريح عقيلة بني هاشم السيدة زينب رضي الله عنها في ذكرى قدومها إلى مصر أو في غير ذلك فإنما أزور سيدة تربعت على عرش النساء و الرجال شموخا وعزة،مهابة وإكبار  .

أزور مقام هذه العظيمة وأكاد اسمع بأذناي صدى صرخاتها التي أكملت بها ثورة شقيقها الإمام الحسين شهيد كربلاء،هذا المقاتل الجسور الذي رفض الضيم والذل والعار وقال كلمته مدوية في سماء العالمين:_

"مثلي لا يبايع يزيد بن معاوية كما أن مثلي لا يخاف من الموت"!

فكيف بها وهي تواجه الطاغية في دار خلافته صارخة في وجهه:"فكد كيدك ، واسع سعيك ،وناصب جهدك ، فو الله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرحض عنك عارها ، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد ، وجمعك إلا بدد ، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين . "

فكانت كلماتها الشجاعة وابل من النيران أطلقتها فقوضت بها عروش الظالمين إلى الأبد  .

على عتبات مقامها الأنور تشم الطيب الذي لا تشم سواه في مكان آخر سوى مقامات الدوحة الهاشمية وكأن السلالة العطرة من آل محمد نسخة واحدة في اتساق نورانيتهم المستمدة من مشكاة النبوة والعاكسة لأنوراها المشرقة في آفاق هذا الكون الكبير ....

هذا إلى جانب طيبهم الفواح و جمالهم الخلاب وجلالهم الذي هو مهاب الجناب .

حين أفد إلى ساحة"العقيلة"وأقف أمام ضريحها الشامخ ومآذن مسجدها المتلاحمة مع سحب السماء الثائرة فإنما أزور جبلا للصبر واستجمع التاريخ واستعيد ذكرياته وأحداثه فتعود ذاكرتي إلى الماضي وحكاياته بأفراحه وأتراحه ولا تراني إلا هاتفا في آفاق الروح ومن ثم اهتديت .

إن فلسفتي في حب هؤلاء القوم هي فلسفة خاصة لها ديناميكية من الحب الذي يعرج بالروح إلى عالم آخر من النور،عالم جبلت عليه فطرتي لا باختياري وحيلتي  .

 

ترشيحاتنا