تضم 1300 نفق بطول 500 كيلومتر وعمق يصل 70 متر 

أنفاق غزة تتفوق على نظيرتها في لندن وكوريا الشمالية وفيتنام.. صور

أنفاق غزة
أنفاق غزة

بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023 ، باتت الأنفاق التي حفرتها حركة حماس أسفل قطاع غزة، والتي توصف بـ"مدينة كاملة تحت الأرض"، كابوسا أمام الاجتياح البري الذي ينفذه الجيش الإسرائيلي بالقطاع ، وفى نفس الوقت لفتت أنظار العالم وأثارت شهيتهم للسؤال عن حكاية الأنفاق ؟! ، وهل حماس هى أول من أستخدمها ؟ وما هى مواصفاتها ؟ وهل الحياة بها تسير بشكل مريح ؟ وهل يمكن هدمها أو أقتحامها ؟ والكثير من الأسئلة.

بُنيت الأنفاقُ فى غزة بمساعدة خبرة عددٍ من العائلات في رفح التي كانت تحفرُ الأنفاق باتجاهِ مصر لأغراض التجارة.

 

قامت حركة حماس التي تدير قطاع غزة ببناءِ شبكةٍ متطورةٍ من الأنفاق العسكرية منذُ سيطرتها على القطاع في عام 2007 ، ويتفرَّعُ نظام الأنفاق أسفل العديد من المدن الفلسطينيّة بما في ذلك خان يونس و‌جباليا و‌مخيم الشاطئ ، وهناك نوعينِ من الأنفاق ، داخلية وخارجيّة؛ أما الأولى فهي تلك التي تمتدُّ على طولِ عشرات الكيلومترات داخل قطاع غزة، وتُستخدم لأغراض عدّة بما في ذلك إخفاء ترسانةِ حماس من الصواريخ تحت الأرض، وتسهيل الاتصالات، وإخفاء أفراد المقاومة ، مما يُصعِّبُ على الاحتلال الإسرائيلي كشفهم عبر طائراته المُسيّرة.

والأخرى هى الأنفاقُ العابرة للحدود ، وقد استخدمت من خلالها لأسر جلعاد شاليط في عام 2006 كما استُخدمت مرات عديدة خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2014 ، والأنفاق هى مدينة أخرى تحت الأرض تسمى «غزة التحتا» ، وهناك من يقول إن تحت الأرض «غزتين» ، أي أن هناك بلدة ثالثة تحت طبقة أخرى تحت الأرض ، من يسير على طرقاتها يجد أماكن استراحة رحبة، كما الحال في استراحات محطات الوقود، وفيها غرف للاجتماعات، وأخرى للنوم، أى أنها مجهزة بكل ما يلزم للحياة.

 

 والأنفاق مزودة بمنظومة تهوية حديثة ومتطورة، وتحتوي على مخازن عدة للأغذية وأخرى للأدوية والوقود ، وتعمل فيها شبكة اتصالات مشفرة، ولم تنجح إسرائيل في تفكيكها، والدليل على ذلك أنها تدربت على غزو إسرائيل "طوفان الأقصى" طيلة سنة كاملة مستخدمة هذه الشبكة من دون أن يتم اكتشاف الخطة ، و الجيشُ الإسرائيلي يقول فى تقديراته المبدئية ، أن حماس أنفقت ما بين 30 إلى 90 مليون دولار وصبت 600,000 طن من الخرسانة لبناء ثلاثة عشر نفقًا، كما قدَّر تكلفة بناء بعض الأنفاق بمبلغِ ثلاث مليون دولار.

أنفاق فيتنام

وكانت شبكة ماكو الأخبارية قد نشرت وصفًا لظروف العمل على الأنفاق مُستشهدةً بمخبرٍ إسرائيلي لم تذكر اسمهُ زعمَ أنه عمل في حفر الأنفاق الغزاويّة وقال إنَّ العمال كانوا يقضونَ من 8 حتى 12 ساعة يوميًا في البناء في ظلِّ ظروفٍ صعبة للغاية وحصلوا على أجرٍ شهري قدرهُ 150 حتى 300 دولار ، وزعمَ المُخبر أن حماس استخدمت آلات ثقب الصخور الكهربائية أو الهوائية لحفر الأنفاق التي كان يصلُ عمقها إلى 18 متر (59 قدم) حتّى 25 متر (82 قدم) بمعدلٍ يتراوح بين 4 متر (13 قدم) و5 متر (16 قدم) أمتار يوميًا. 

 

صحيفة "فايننشال تايمز" نشرت خلال الساعات الماضية تقريرا قالت فيه ، إن شبكة الأنفاق التي أنشأتها حركة "حماس" في قطاع غزة، أكبر من شبكة قطار أنفاق لندن، كما أنها محصنة ضد طائرة الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار.

 

وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير سابق إن كلمة "أنفاق لا تنصف ما أنشأته حماس تحت قطاع غزة"، واصفا إياها بـ "المدن تحت الأرض" ، كما أن إسرائيل تبذل جهدا كبيرا فى التفكير فى الخلاص من أنفاق حماس ، وآخرها ما فكرت فيه بأن تقتبس التجربة المصرية فى تحطيم خط بارليف بالمياه ، حيث أجتمعت بكبار علماء الجامعات والمعاهد العلمية والهندسية فى الأماكن والدول التى تتعاون معها ، من أجل أستخدم رافعات مياة عملاقة لإغراق أنفاق حماس بالمياة على ما فيها ومن فيها.

 

وبحسب خبراء، كانت إسرائيل تنوي إغراق الأنفاق بمادة لزجة تنفخ وتصبح صلبة حال انطلاقها، وبذلك تغلق مدخل النفق كما لو أنها تضع بوابة حديدية ضخمة، سمكها من عدة أمتار، وستستخدم قنابل فراغية (فاكوم)، لهدمها على رؤوس من فيها، إلا أن «حماس» ومن ساعدها في هذه التقنية يقولون إنهم أخذوا بالاعتبار كل هذه الاعتبارات.

أنفاق مترو لندن

ويرى جون سبنسر، وهو ضابط سابق في الجيش الأمريكي ، و رئيس قسم دراسات حرب المدن في معهد الحرب الحديثة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية "ويست بوينت"، أن حجم "التحدي في غزة في ظل وجود أنفاق تحت الأرض يعد فريدا من نوعه وهى مشكلة لا يوجد لها حل مثالي" ، ويعتقد سبنسر أن شبكة الأنفاق تضم 1300 نفق يبلغ طولها حوالي 500 كيلومتر فيما يصل عمق بعض الأنفاق إلى 70 مترا تحت الأرض.

 

نجحت حركة حماس وباقي فصائل المقاومة الفلسطينيّة في غزة في تنفيذِ عددٍ من العمليّات عبر الأنفاق وكان أبرزها:

- عملية الوهم المتبدد عام 2006 نفقًا لاختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

- عَبَرَ مقاتلو حماس في السابع عشر من يوليو 2014 «الحدود الإسرائيليّة» عبر نفقٍ و زعمت إسرائيل أن الهدف كان مهاجمة المدنيين.

- عبَرت فرقتانِ من المقاومة الفلسطينيّة في الواحد والعشرين من يوليو عام 2014 «الحدود الإسرائيلية» عبر نفقٍ بالقرب من كيبوتس نير آم ما أدى إلى اندلاعِ اشتباكات تسببت في مقتل عشرة مقاومين فلسطينيين في غارة جوية إسرائيلية بينما نجحَت عناصر المقاومة في قتلِ أربعِ جنود إسرائيليين باستخدامِ سلاحٍ مضادٍ للدبابات.

- هاجمَت حماس في الثامن والعشرين من يوليو عام 2014 أيضًا موقعًا عسكريًا إسرائيليًا بالقربِ من ناحال عوز باستخدام نفقٍ مما أسفر عن مقتل خمسة جنود إسرائيليين بينما قُتل مقاومٍ حمساوي واحد في العمليّة.

- في الأول من أغسطس 2014 ، هاجمتَ حماس عبر نفقٍ كانوا قد حفروهُ ، دورية إسرائيلية في رفح ففقتلوا جنديين إسرائيليين. 

عندما شنت العملية الحربية «الرصاص المصبوب»، وتم خطف جنديين ما زالا حتى اليوم تحت أسر «حماس»، فقررت عندها إسرائيل بناء جدار ضخم على طول الحدود (65 كيلومتراً) والذي كلفها مليار دولار ، يمتد فوق الأرض وتحت الأرض، ولكن حماس وقتها راحت تبني شبكة أنفاق ضخمة ، وأما الجدار فقد اخترقته ، فى عملية طوفان الأقصى بجرار وجرافة دفعت أجرتهما لأحد المقاولين 200 دولار.

 

ولأن الأنفاق هى صداع مزمن فى رأس الكيان المحتل ، فقد أقامت وحدة عسكرية خاصة لهذا الغرض، شملت عدداً من العلماء، الذين تم تكليفهم ببناء أجهزة إلكترونية ومجسات حديثة لمعرفة مكان الأنفاق والقضاء عليها ، وعندما سُئل حينها قائد اللواء الجنوبي، يوآف غالانت وهو وزير الدفاع الحالى لأسرائيل ، عن هذه الوحدة قال: «هذه حرب أدمغة بيننا وبين (حماس)، ونحن نخوضها بهدف واحد ، هو الانتصار عليهم». 

و الأنفاق التى تستخدم لأغراض العسكرية موجودة فى فيتنام وموجودة في كوريا الشمالية أيضا ، ويعتقد الإسرائيليون أن تكون كوريا الشمالية شريكة في تخطيطها، وليس إيران فقط ، حيث أن أنفاق غزة أكبر شبكة من نوعها في العالم بعد شبكة كوريا الشمالية وقد تتفوق عليها أحينا فى بعض التقنيات، بل إن بعض هذه الأنفاق تم الأستفادة من الخبرة الإسرائيلية نفسها ، حينما بنت إسرائيل سنة 1980 طابقاً أرضياً تحت مستشفى الشفاء في قلب مدينة غزة، عندما كانت تحتل القطاع بالكامل.

ولأول مرة في التاريخ جرى استخدام حرب الأنفاق جنبًا إلى جنب مع تكتيكات حرب العصابات الحديثة ، فى عام 1920 خلال حرب الريف بين المغرب وأسبانيا ، والتي تسببت بأضرار جسيمة لكل الجيوش الاستعمارية في المغرب.

وخسرت أمريكا حربها فى فيتنام ، بسبب أستخدام قوات الفيت كونغ وفيتنام الشمالية ، بما عرف وقتها بأنفاق "كو شي" ، لشن الهجمات والاختفاء ، متسببين بذلك في ارتفاع الخسائر البشرية الأميركية.

حيث قامت القوات الشيوعية بحفر هذه الأنفاق بأدوات بدائية وبسيطة منذ الأربعينات، و امتدت هذه الأنفاق لمسافات قصيرة كانت كافية لمساعدتهم على الاختباء والاحتماء من القصف الفرنسي ، ومع دخول الأميركيين فى حرب فيتنام، لم تتردد قوات الفيت كونغ، وقوات فيتنام الشمالية، في توسيع هذه الأنفاق التي امتدت على مسافة قدرت بحوالي 250 كلم.

وقضى الفيتناميون فترات طويلة من حياتهم فى هذه الأنفاق ، والتي تحولت في وقت ما لنوع من المدن تحت الأرض، حيث احتوت هذه الأنفاق عقب توسيعها على مطابخ ومستودعات أسلحة وغرف نوم وحمامات وقاعات للترفيه ومستشفيات خصصت لعلاج الجرحى والمرضى ، وخلال الحرب كانت أنفاق كوتشي ملجأ لقوات و شعوب كوتشي أثناء النهار ويخرجون للقتال في الليل فقط لتجنب اكتشاف العدو. 

أنفاق كوريا الشمالية

أما فى كوريا الشمالية التي تعد من أكثر الدول التي تفرض مستويات عالية من السرية على أنشطتها العسكرية ، ولذلك قامت بإنشاء منشآت عسكرية ضخمة تحت الأرض، وهى تشمل أنفاقا طويلة تصل إلى المنطقة منزوعة السلاح على حدود كوريا الجنوبية، إضافة إلى الملاجئ ومراكز القيادة والسيطرة ، ويمكن للأنفاق العسكرية التي تقيمها كوريا الشمالية بالقرب من حدود كوريا الجنوبية أن تنقل أعدادا هائلة من القوات العسكرية إلى حدود كوريا الجنوبية في وقت قياسي.

 

ويبقى السؤال هل ينجح الإحتلال الإسرائيلي في اقتحام وهدم الأنفاق أم أنها أفكار وأوهام غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع ؟؟

 

ترشيحاتنا