أخر الأخبار

مشكلة فلسطين (2)

.
.

بقلم: شنودة الأمير

تعود السلطة على القدس للباب العالي 1840، وتحاول تنظيمها بطرق شتى نظراً لأهمية المدينة، فهي تتبع إيالة صيدا ولكنها عمليا تتبع العاصمة مباشرة في نظر شؤونها، وبعد أزمة 1860 "حرب أهلية بين الموارنة من جهة وباقي المسيحيين والدروز من جهة آخرى"، أنشأ الباب العالي ولاية سوريا الكبرى، وفي الفترة التي تعقب حرب القرم تتشكل أسس فلسطين الحديثة في إطار من التنظيمات الاقتصادية والاجتماعية.

وفي هذا التوقيت كانت الإمبراطورية العثمانية تعاني الانحلال، فكان الاضطراب هو السمة الغالبة عليها، ففي عام 1861 يموت عبد المجيد الثاني ويخلفه أخوه الأكبر عبد العزيز الأول، ولكن يُطاح به في مؤامرة عام 1876 ويُقتل ويشاع انتحاره، ويخلفه مراد الخامس ابن أخيه السلطان السابق عبد المجيد الثاني، ولكنه يُعزل بعد ثلاثة أشهر بحجة الجنون، ويُنصِّب أخوه عبد الحميد الثاني في 31 أغسطس 1876.

نعود لليهود في العالم، فبعد الثورة الفرنسية يتحرر يهود أوربا جزئيا من نير الاضطهاد الذي لازمهم فترات طويلة، ولكننا نرى ردة غريبة لكراهية فردية تنبثق منتصف القرن التاسع عشر تطغى فيها عادات الاضطهاد القديمة ولكن في صورة تمييز شديد ضد اليهود، أما في الإمبراطورية الروسية والتي يسكنها العدد الأكبر من يهود العالم فيتم إلغاء مؤسسات الطوائف اليهودية، وتهجيرهم لمناطق حضرية لدمجهم، وفرض نظام تجنيد إجباري هدفه الرئيسي إجبارهم على التخلي عن دينهم أو مظاهره الخارجية على أقل تقدير.. إلخ.

وسرعان ما انتقل هذا العداء ضد اليهود إلى دول أخرى مثل فرنسا والنمسا وألمانيا، وهنا تظهر منظمات يهودية هدفها الدفاع عن حقوق اليهود ومنها الحركة الصهيونية التي كانت قد نشأت نشأة سياسية كرد فعل للسياسات التي انتهجتها روسيا، كانت بداية النشأة للحركة الصهيونية قد ارتبطت بإنشاء جمعية أحباء صهيون Hibbat Zion في روسيا عام ١٨٨٠ على يد شخص يهودي يدعى ليو بنسكر Leon pinsker، كانت هذه الجمعية تمارس نشاطها بهدف تشجيع وتمويل الهجرة إلى فلسطين تحت ستار الأعمال الخيرية لتجنب بطش السلطات الروسية، وفي عام ١٨٨١ عمد قيصر روسيا ألكسندر الثالث إلى البطش باليهود انتقاماً لأبيه القيصر الكسندر الثاني الذي اغتيل في روسيا بواسطة أحد اليهود الروس، وكان قد ألقى عليه قنبلة يدوية في ١٣ مارس عام ۱۸۸۱ و على إثر تلك السياسة المتشددة التي اتخذتها روسيا ضد اليهود؛ بدأت الجمعية تطور من نشاطها من أجل تسريع عملية الهجرة لفلسطين.

ونجد أنه في عام 1837 وفي فترة حكم محمد على كان عدد اليهود في فلسطين 2000 تقريبا، وفي هذا التاريخ – على غير المشهور – شيد موشى مونتفيوري أول مستوطنة يهودية، وفي 1869 كُلف شارل نيتر وهو أحد مؤسسي التحالف الإسرائيلي العالمي بدراسة الحالة الأدبية والمادية ليهود فلسطين، وفي تقريره يشير إلى أن نسبة 15% بالكاد هم من يمارسون حرفة يدوية أو تجارة محلية تدر ربحًا، أما البقية الباقية منكبة على دراسة التلمود ويعيشون من الإعانات (الصدقات) القادمة من الخارج، ويشرع شارل في تعليم اليهود الزراعة – بمساعدة الدولة العثمانية بما أنه عمل جيد ومشروع لتنمية فلسطين– ولكنه يتصادم شكليا مع لجنة استيطان فلسطين التي يوجهها يهود متدينون أرثوذكس يريدون فرض سيطرتهم على الجميع، يقول شارل: "يريد التحالف مدرسة زراعية لتمكين الجيل الجديد في الشرق من كسب عيشه بكرامة، أما لجنة الاستيطان فتريد تكوين مستوطنات للإسرائيليين من جميع الأعمار ومن جميع البلدان، ولئن كان هذان الهدفان غير متعارضين، إلا أنه من المؤكد أنهما جد مختلفين".

وفي 1881 كان عدد اليهود في كل فلسطين لا يتجاوز 15 ألف عندما شرعت جمعية أحباء صهيون بتأسيس أول مستوطنة – الثانية واقعيا – على مساحة 835 ألف فدان بتمويل رجل الأعمال الفرنسي اليهودي أدموند دي روتشيلد، ليصل عدد اليهود إلى 24 ألف يهودي، وإن كان لنا أن نشير بملحوظة معروفة وهي أن أحوال اليهود في الدولة العثمانية كانت افضل كثيرا جدا من أحوالهم –من الناحية الحقوقية– من داخل أوربا أو من أحوال يهود البلقان أو روسيا بالطبع.

ولنلاحظ أننا حتى هذا التاريخ ورغم عمل هذه المنظمات داخل فلسطين إلا أنه لم يذكر أو يحلم أحد من اليهود بتكوين وطن قومي مستقل هنا أو في مكان أخر .. حتى جاء هرتزل.

 

ترشيحاتنا