أطفال غزة وسط النار.. 

أجساد صغيرة .. وصمود عظيم

أطفال غزة الأبطال
أطفال غزة الأبطال


"كان شايل ألوانه .. كان رايح مدرسته .. وبيحلم بحصانه .. وبلعبه وطيارته .. واما انطلق الغدر وموت حتى براءته .. سال الدم الطاهر على كراسته" كلمات أغنية تذكرنا دوما بحال أطفال غزة منذ عقود مضت، فبعد ثمانية عشر يوما مرت على الحرب الأخيرة فى غزة، استشهد فيها ما يقارب الـ 2000 طفل، ورغما عن هذا فإنهم لا ينكسرو ولم يرضخو يوما للعدو، فهؤلاء   ليسو بأطفال، فأطفال غزة منذ نعومة أظافرهم "رجال"، يتحملون مالا يمكن أن يتحمله الرجال الشداد، لديهم من العقيدة والعزيمة والإرادة ما يعينهم على ماهم فيه من مجازر يعيشونها يوميا، وطوال سنوات مضت نشاهد ونسمع أطفال فلسطين يواجهون جنود الاحتلال بكل شجاعة وبسالة، ويقفون حاملين حجارتهم فى وجه مدافع عدوهم.


شاهدنا على مدار الأيام الماضية الكثير والكثير من الفيديوهات لأطفال فلسطنيون، يواجهون العدو الغاشم والحرب على بلادهم بكل ثبات وقوة وإيمان بنصر من الله لهم، لا يخافون الموت ولا يهابون العدو، صامدون من أجل تحرير أرضهم المحتلة من قبل أن ترى أعينهم الدنيا، فأي نشأة هذه؟ وأى تربية تربوها هؤلاء الصغار؟...


فنجد طفلة لا تتعدى الثامنة من عمرها وهى تقول مستنكرة أن الأعداء فرحين بقتل والدها، ولكن والدها هو من طلب الشهادة ونالها، واثقة من أنها سترى انتقام الله منهم، وأخر مصاب وشقيقه على فراش الموت ويلقنه الشهادة لتكون أخر ما يلفظ به قبل أن تصعد روحه للسماء، والأخ الأصغر المصاب يردد خلف أخيه الشهادة.


وهؤلاء الذين لم تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات، كانو يلعبون في المستشفى التى يحتمون بها بعد أن هدم العدو منازلهم، وكانت لعبتهم "الشهيد حبيب الله" فحتى لعبهم ليس كباقى أطفال العالم، وأخرى عمرها أقل من الثلاثة أعوام وكلماتها لم تتضح بعد، ولكنها كانت تردد الأذكار "سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".


 وأخرى بعدما أصيب يؤكد أنه ليس بخائف لأن هذا امتحان من الله لهم، وأن الله يريد أن يعرف هل يتحملون أم لا، وطفل أقل من الثلاث سنوات وشقيقه الأصغر رغم استشهاد والديهم، إلا أنه لم يكن خائف من العدو، وكان يؤكد أنهم سيواجهو كل هذا وأنهم سيلتقون معهم فى الجنة، وغيرهم المئات ممن لا نستطيع أن نعدهم أو نحصوهم... 


"الطفل الفلسطيني.. طفل راسخ شامخ لا يقبل الذل والإهانة، لايعرف اليأس طريقا لقلبه، إيجابي في نظرته لمستقبله، يتمكن من تدبير أمور حياته، يعيش مع الصعاب بعزيمة وليس هزيمة، لديه هدف لا يقبل التراجع عن الصمود وتحرير الأرض، لديه وعي كبير بتاريخ بلده وقضيته، شخصية تربت على الثقافة والعلم، مهيأ ومستعد للصعوبات وكل الاحتمالات في حياته، لديه طموح بالتحرر ويربى على هذا الهدف" هكذا وصفت دكتورة إيمان عبد الله استشاري علم النفس والعلاقات الأسرية شخصية الطفل الفلسطيني .


متابعة " نحن نرى أن الطفل الفلسطيني يعيش مأساة بشكل يومي، ومأساته تكمن في الكوارث البشرية، والتى هي أكثر تأثير نفسي وجسدي من نظيرتها الطبيعية"، موضحة أن الطفل ينتقل بذلك من البراءة والحرية والتلقائية والنقاء إلى عالم المسئولية، فقد ينشأ هذا الطفل في أسرة توفي فيها أحد والديه أو الاثنين معا أو اشقاءه، وقتها يكون ملزم بتلبية احتياجاته، فيصبح رجل منذ نعومة أظافره.


وحتى إن لم يمت أحد أفراد أسرته، فهناك اختفاء لمفاهيم الطفولة التى أزيحت في هذه البلاد ووضع مكانها مفهوم الرجولة كما أشارت استشاري علم النفس، فأطفال فلسطين لا يطلبون مثل أقرانهم من الأطفال حلوى وألعاب، هم يعيشون مسئولية كاملة عن أنفسهم وعن بلادهم، لديهم قوة تحمل فرضتها عليهم نشأتهم التربوية، فكل من حولهم يدعم فيهم روح الاصرار والهوية.


الأسر هناك لها دور كبير في تشكيل نفسية أطفالهم لمواجهة الإحتلال الذي من شأنه تدمير الروابط في المجتمع، كما علقت دكتورة إيمان، متابعة أن الاحتلال يمثل العنصر الأهم في تشكيل شخصية الطفل الفلسطيني لأنه يتحكم في مساره، ولكن يبقى لهم لطف الله الذي يمنحهم القوة والرزانة والثبات الانفعالي، فهذه المشاهد التى نراها على الشاشات ولا نتحملها من تفجيرات وقتل وأشلاء جثث هم يعيشون وسطها، فيتربى الطفل على قصف بيته وبيت الأقارب والأصدقاء، ولكنه تعلم أن يمارس حياته وسط كل هذا، لذلك فهو يخرج ذو صلابة وقوة لاتوجد لدى غيره من الأطفال، فهم رجال رغم صغر سنهم.


في علم النفس عندما يواجه الطفل صفارة الإنذار وهدم المنازل ومشاهد الموت والدم، يصبح متكيف معها، ولديه تأهب لما قد يحدث له أو لأحد ممن حوله، هذا ما نوهت له استشاري علم النفس، فما يواجهه هذا الطفل منذ نعومة أظافره يكون هو المفتاح الرئيسي لشخصيته ومايشكل سلوكه.


وأكدت أن طفولة الفلسطيني بحاجة لرعاية كاملة لما يواجهه من قتل وفقر ويُتم واعتقال وتشريد وحياة مأساوية ومع ذلك راسخ ببطولة، يتربى منذ نعومة أظافره ألا يطأطأ رأسه، بل عزز نفسك لأنه في كل الأحوال نحن ميتون سواء صغار أو كبار، فعش هذا الموقف بشموخ، قائلة "وهذا ما نجده في الطفل الفلسطيني، فرغم ما يعيشه من أحداث، يستثمر منها الإيجابيات التى تساعده على الاستمرار والمواصلة، ويرسم معه أهله خطط مستقبلية يعيش بها، فهو دائما يراوده الأمل لمستقبل أفضل.


مختتمة أن الطفل الفلسطيني تربى على المقاومة، والمقاومة فى علم النفس أنه بعد الصدمات التى يمر بها الإنسان يكون لديه ثبات عصبي منذ طفولته، يستحضر مواقف غيره من الأطفال الشهداء والنماذج الإيجابية، يتمسك بعروبته جدا، لا يتحمل أن يسخف أحد من شخصيته أو بلده، لديه ذكاء خصب وذاكرة جيدة جدا رغم مشاهدة الأهوال، لا ينسى هذه المشاهدات ويستحضرها في الوقت المناسب، فيستحضرها في رميه لعدوه بالحجارة .. في أنه لابد أن يذاكر وينجح.. في التعامل الإيجابي مع المواقف الصعبة.

 

اقرأ أيضا : خلال لقاءه والمستشار الألماني .. السيسي يوجه رسائل حاسمة بشأن القضية الفلسطينية

ترشيحاتنا