أخر الأخبار

«عالم صوفي» جوستاين جاردنر.. رواية حول تاريخ الفلسفة

شنودة الأمير
شنودة الأمير

عرض - شنودة الأمير

 

 

 

"الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة".. جوته

-----------

 

 

- من أنت؟

- من أين جاء العالم؟

تُطرح هذه الأسئلة على صوفي، الفتاة التي تخطو إلى عامها الخامس عشر؛ انها الأسئلة الأولى في أصعب مهمة في التاريخ وهي كيف تعلم فتاة تخطو نحو الخامسة عشر عن الفلسفة؟

والفلسفة نفسها أمر صعب جداً ... هل هي كذلك؟

في لحظة صغيرة كان لابد أن ينبثق شيء من العدم

** الفلسفة هي رحلة البحث عن أجوبة للأسئلة التي تشغل الذهن البشري – الأسئلة التي تخص كل البشر – كيف خلق الكون؟ هل توجد حياة بعد الموت؟ ... وطرح الأسئلة يأتي بسبب الدهشة. فتبقى السمة الوحيدة اللازمة لتصبح فيلسوفاً هي أن تندهش تماماً كطفل صغير أمام كل شيء في الحياة يراه لأول مرة... هل تستطيع؟

إن الأسئلة التي جاوبها فلاسفة الأغريق منذ عام 600 ق.م كانت تجاوبها أساطير الشعوب في روايات عن الألهة والبشر، ولكن هل نستطيع صياغة هذه الأسئلة بصورة سخيفة جداً كالتالي: (كما طرحها الفيلسوف على صوفي)

- هل يوجد مبدأ أول ينتج عنه كل شيء؟

- هل يمكن للماء أن يتحول إلى خمر؟

- كيف يمكن للتراب والماء أن يصبحا ضفدعاً حيا؟

وهكذا بدأ فلاسفة الأغريق دراسة الطبيعة، ولذلك وُصفوا بـ"فلاسفة الطبيعة"؛ قال طاليس (585 ق م) إن الماء أساس كل الكائنات الحية، ولكن أنكسيماندر رأى أن الخالق لابد أن يكون مختلفاً عن مخلوقاته ولذلك لا يجب أن يكون المبدأ الأول الذي نتج عنه كل شيء هو الماء أو أي عنصر معروف، ويأتي أنكسيمانس (570- 526 ق.م) ليقول إن الأصل هو الهواء والضباب.

ورأى باريمنيدس (520- 480 ق.م) أن لا شيء يولد من العدم، وبالتالي فالشيء الموجود هو موجود منذ الأبد ولا يتغير، ولاحظ هيراقليطس أن كل الأمور والأشياء تتغير، فأنت لا تنزل إلى نفس النهر مرتين، ولكن كل هذه المتغيرات توجد في وجود كوني واحد دعاه هيراقليطس "اللوغوس" .. من منهم على حق؟

رأى أمبيدوقليس (494- 434 ق.م) أن مشكلتهم هي افتراض أصل واحد للطبيعة، بينما هي لها أربعة أصول أو جذور وهي : "التراب- الماء – الهواء – النار" فالأشياء ثابتة ومتغيرة، بناء على اتحاد وانفصال العناصر الأربعة.. ويأتي أنكساغوراس (500- 428 ق.م) ليعلم أن كل الأشياء تتكون من جزئيات متحدة لم يحددها كعناصر.

يبدو أن الفلسفة ليست شيئاً يمكن تعلمه، بل يمكن تعلم التفكير بطريقة فلسفية

ويأتي ديموقريطس (460- 370 ق.م) ليجمع كل النظريات السابقة، فالعالم يتكون من عناصر، والعناصر تتكون من ذرات ثابته وأبدية ولا تتغير لكنها تتحد وتنفصل فينتج عنها المتغيرات، ففي النهاية لا شيء يولد من العدم.

** كيف تشد انتباه طفلة إلى دراسة الفلسفة؟ بالأسئلة الشيقة والغريبة؛ احتمال.. هكذا يرسل الفيلسوف أسئلته إلى صوفي:

- هل تؤمنين بالقدر؟

- هل المرض هو عقاب الله؟

- أية قوى تحكم مسيرة التاريخ؟

يبدو أمام هذه الأسئلة الصعبة أنه لابد أن تنتصر فلسفة سقراط، فالأكثر ذكاءً هو الذي يعرف أنه لا يعرف ... هل تعرف أنت؟

لقد أعلنها السوفسطائيون قبل سقراط أن الإنسان محور كل شيء، ولكن حياته قصيرة لدرجة أن أموراً كثيرة لا يستطيع أن يعرفها .. وظهر في أثينا منذ عام 470 ق.م أشهر فلاسفة العالم: "سقراط، أفلاطون، أرسطو"، أما سقراط: "قد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض وتركها تعيش في المدن، تدخل البيوت، مجبِرةً الناس على التفكير بالحياة، بالتقاليد، بالخير والشر" كما وصفه شيشرون.

ومع أفلاطون يبدأ دور الفيلسوف في التمحور حول البحث عن ما هو: الحق والجمال والخير؟؟ بصورته المطلقة.

ولا ننسى سؤال الفلسفة الأهم على الإطلاق: ما الذي يحتاجه الإنسان ليعيش حياة سعيدة؟.. يجيب أرسطو: لا يكون الإنسان سعيداً إلا إذا نمّى القدرات التي يملكها بالقوة. ولكن المشهد الأهم هنا أن صوفي رتبت غرفتها، قد يكون تشبهاً بأرسطو عندما رتب المعارف البشرية في عصره، أو لأن تلميذ الفلسفة لابد أن يكون منظماً، ليس في فكره فقط.

بعد أرسطو ظهرت الهللينية وفي تموجاتها العديد من التيرات الفلسفية أهمهم:

- الكلبيون: طالما أنت لا تحتاج فأنت سعيد، فالسعادة لا تأتي من الأشياء الخارجية.

- الرواقيون: الإنسان شيء مقدس للإنسان.

- الأبيقوريون: الخير المطلق هو المتعة، والشر المطلق هو الألم.

- الأفلاطونيون الجدد: أفضل ممثل لها مدرسة الإسكندرية الفلسفية حيث اختلطت الفلسفة الغربية بالروحانية الشرقية.

وفي وسط كل هذه الصراعات الفلسفية يظهر التصوف، ببساطة: "عليك أن تحب قريبك كنفسك، لأنك أنت قريبك، والوهم هو الذي يجعلك تعتقد أن قريبك هو شيء آخر غير ذاتك".

** إن الذي لا يعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة، يبقى في العتمة.. المعرفة هي الطريق إلى النور.. ولذلك يقدم الفيلسوف لصوفي لمحة تاريخية عن: الهندوأوربيون، الساميون، اليهود، والشخصية الأكثر استثناء في تاريخ البشرية  -المسيح- الذي واجه الإنسانية بالتسامح والحب فأعطته الصليب بالمقابل.

وظهرت القرون الوسطى "400- 1400 م" تقريبا، وفيها ارتبطت الفلسفة بالدين أو بالإيمان، وأهم ما ناقشته هل هناك تعارض بين العلم والإيمان؟ .. كانت بدايتها مع أوغسطينوس ونهايتها مع توما الأكويني وهم فلاسفة، كما كانوا رجال دين تماما.

في القرون الوسطى انقسمت المعارف الإنسانية في ثلاث فروع: الإمبراطورية الرومانية فرعان، الغربي حيث الثقافة المسيحية باللغة اللاتينية، والشرقي حيث الثقافة المسيحية بلغتها اليونانية، والفرع الثالث في الشرق أيضا بثقافته الإسلامية باللغة العربية، هذه الأفرع عادت نهراً في مجرى واحد في شمال إيطاليا مع بدايات عصر النهضة.. وفي هذا العصر صار الإنسان هو المحور، وظهرت الفلسفة الإنسانية.

وفي العصر القوطي -عصر الباروك- تعايشت بصورة غريبة الفلسفتان المادية والمثالية، وظهر أهم فيلسوفين في القرن السابع عشر، ديكارت أبو الفلسفة الحديثة، وسبينوزا.. وهم مع ليبينز يُعدون العقلانيين الكبار، الذين يؤمنون بسلطة العقل في تحديد المعرفة، وهذا التقليد العقلاني سيتعرض للنقد ابتداءً من القرن الثامن عشر على يد أصحاب المذهب التجريبي الذين كانوا يتبنون وجهة نظر تقول إن أي وعي للأشياء أو الأحداث لا يتكون لدينا قبل أن ندركها بواسطة حواسنا، وفلاسفة التجريبية الأساسيون هم لوك، وهيوم، وبيركلي.

** هنا نكتشف أن صوفي ومعلمها الفيلسوف ما هما إلا شخصيات خيالية لرواية تدعى "عالم صوفي" كتبها والد هيلدا موللر كناغ، كهدية لابنته في عيد مولدها الخامس عشر ليعلمها عن الفلسفة.. وليس أمام هيلدا الآن إلا متابعة دروس الفلسفة التي تلقى على صوفي.

يبدأ عصر التنوير مع فلاسفة فرنسيين أمثال مونتسكيو، وفولتير، وروسو، ويشرح الفيلسوف لصوفي فكر عصر التنوير في سبع نقاط:

1- التمرد على السلطة

لقد تمرد فلاسفة التنوير لا على السلطة الزمنية فقط –الملك- بل والدينية أيضاً -الكنيسة.

2- العقلانية

كان العقل هو الحكم في قبول الحقائق من عدمه.

3- فكر عصر التنوير

كان الهدف تنوير طبقات الشعب حتى الفقيرة منها، فالبؤس ينتشر حيثما ينتشر الجهل لا الفقر.

4- التفاؤل الثقافي

أن المعرفة ستقود حتما للتقدم والحضارة.

5- العودة إلى الطبيعة

ضع كلمة عقل مكان الطبيعة – ساد الاعتقاد أن الطبيعة خيرة، والإنسان بطبيعته خير، إنما الشر يكمن في المجتمع.

6- الديانة الطبيعية

هنا الإله "كائن أعلى" يتجلى في الطبيعة وقوانينها.

7- حقوق الإنسان

في عام 1789 في إعلان الجمعية الوطنية الفرنسية هناك مبدأ: "تحريم انتهاك حرية أي فرد" .. أحيانا الفلسفة تغير المجتمع.. للأفضل.

ذكرنا سابقا أن العقلانيين يرون أن العقل أساس كل معارف الإنسان، ويرى التجريبيون أن الحواس هي التي تمهد لنا المعارف التي نعرفها.. ولذلك ظهر كانط ليدمج بين الاثنين؛ فالحواس بالفعل هي أساس المعرفة ولكنها تحتاج للعقل ليحلل هذه المعارف ويشكل كيفية إدراكنا للعالم.

** وبعد التنوير جاء عصر الرومانسية وقد بدأت كحركة رد فعل على السلطة المطلقة للعقل خلال عصور التنوير، وهكذا تاريخ الفلسفة حركة عامة مبنية على سابقتها وفي نفس الوقت هي رد فعل عليها، فالفلسفة معرفة وفي عصر الرومانسية صارت فردية بشكل ملفت ومثير.

وبعد هذا العصر، ظهر هيجل الذي جمع التيارات الفكرية الرومانسية الرئيسية وطورها، وأعلى من شأن التطور التاريخي للمعرفة، ويأتي بعده كيركجارد ليعلي شأن الفرد ويؤسس الوجودية: "فليس المهم أن نعرف ما هو صح وما هو خطأ، إنما أن نختار ونتصرف وفق هذا التمييز"، وظهر ماركس معاصرًا لكريكجارد، أما التغيير الذي صنعه فلأنه اعتبر أن: "الفلاسفة يكتفون بتفسير العالم في حين أن المطلوب تغييره" .. وهو ما حدث بالفعل بانتشار الشيوعية.

يقول إنجلز: "كما اكتشف داروين نظرية النشوء النوعي، اكتشف ماركس نظرية التطور التاريخي للإنسان"، لقد ظهر ما نستطيع تسميته التيار الطبيعي في منتصف القرن التاسع عشر، فأشار ماركس إلى أن الأيدلوجيات الإنسانية هي نتاج الظروف المادية للمجتمع، وأوضح داروين أن الجنس البشري هو ارتقاء بيولوجي بطيء، وكشفت دراسات فرويد عن اللاوعي أن تحركات الناس وتصرفاتهم في معظمها تنتج عن دوافع أو غرائز حيوانية.

"الكوكب الحي هو نحن يا صوفي، نحن المركب الكبير الذي يبحر حول شمس مستقلة، في قلب الكون. وكل واحد فينا هو أيضاً مركب يجتاز الحياة بحمولته من الجينات، فإذا ما توصلنا إلى تفريغ الحمولة في المرفأ المناسب، لا نكون قد عشنا عبثا".

** يظهر على ساحة الفكر الوجوديون الجدد باتجاهات وأفكار مختلفة، فنقابل الأكثر شهرة نيتشه، ومارتن هيدجر، وجان بول سارتر مع رفيقته الفيلسوفة سيمون دي بوفوار.. ولكنهم يتكلمون عن إنسان واعٍ تُرك وحيداً على مسرح الحياة، وهي أكثر حالة بائسة قد يجد عليها إنسان نفسه.. "فالإنسان محكوم بأن يكون حراً. محكوم لأنه لم يخلق نفسه، ومع ذلك فهو حر".

** ومع انتهاء دروس الفلسفة يحاول الفيلسوف وصوفي الهروب من روايتهما التي يكتبها – أو كتبها – والد هيلدا، وقبل هذا الانفلات ينصح الفيلسوف الشباب زملاء صوفي" بدراسة تاريخ الفلسفة، مما يؤهلهم لاتخاذ موقف نقدي إزاء العالم الذي يعيشون فيه" .. وبعد نجاح هروبهم تراقب صوفي هيلدا وتحسدها لأنها كائن بشري من لحم ودم، ولكن بما أن لها حياة سيكون لها موت أيضاً، ويتساءل الفيلسوف:

- لكن أليس من الأفضل أن نعيش، ولو حياة غير حقيقية، من ألا نعيش أبداً؟.

.......................

«عالم صوفي» جوستاين جاردر – ترجمة/ حياة الحويك عطية ِ

 

 

ترشيحاتنا