هل نحن بحاجة لتغيير صورة الأشرار في السينما بعد فريد شوقي ومحمود المليجي وغسان مطر؟

فريد شوقي ومحمود المليجي
فريد شوقي ومحمود المليجي

 ربما كان الرئيس الأمريكي ترومان يرقص على أنغام الموسيقى الهادئة وهو يأخذ قرار إلقاء القنبلة الذرية على اليابان. ربما كان الطيار الذي كان يقود الطائرة التي ألقت بالقنابل نفسها يحتسى كوبا من العصير وهو يضغط بزر الإطلاق.

سامح الله أشرار السينما المصرية وأهمهم على الإطلاق محمود المليجي وفريد شوقي وعادل أدهم وغسان مطر، وهم الذين رسموا صورة نمطية للشرير كما يجب أن يكون، حيث يمسك الواحد منهم مسدسه أو سلاحه الأبيض، ويطق الشرر من عينيه، فيرفع حاجب هنا، أو (يجز) على صفوف الأسنان الخلفية هناك، إلى أن ينتهي المشهد عادة بانتصار ممثل الخير، إما بتفوقه الجسدي أو بتدخل الشرطة في الوقت المناسب دائما.

أفلام المافيا الأمريكية الشهيرة اعتادت على تقديم هؤلاء القتلة الذين يبتسمون وهم ينفذون عملياتهم القذرة. أبرز هؤلاء ولاشك روبرت دي نيرو عندما جسد دور "آل كابوني" في فيلم The Untouchables الذي قدمه المخرج بريان دي بالما في سنة 1987، حيث ظهر دي نيرو وهو يبكي من شدة تأثره وهو يشاهد مشهدا أوبراليا، تبعه بضحكة تقديرا للمثل على المسرح، بينما رجاله كانوا يغتالون المحقق العجوز جيم مالون أو - شون كونري -، الذي حاز في هذا الفيلم جائزة الأوسكار كأفضل ممثل في دور مساعد.

ولكن هل هذا التغير الناشئ في الصورة النمطية للقتلة في السينما هو فعلا ضرب على وتر خفي بتطبيع العلاقة بين القاتل والمقتول، أو القاتل والجمهور، مثلما يؤكد بن كينجسلي في مقولته الشهيرة: «من الجيد أن تكون شريرا»، أم نتيجة معرفة أكبر بعلم النفس البشرية، التي جعلت المؤلفين والمخرجين على يقين بأن القاتل ليس بالضرورة يشبه فريد شوقي أو محمود المليجي في أدوارهم الشريرة، بل قد يشبه كمال أبو رية في طيبته ووداعته وابتسامته؟

«القتلة في السينما المصرية» عنوان ربما لم يقترب منه أحد. ربما اقتربوا من الأشرار في السينما، فهناك العشرات من التقارير الصحفية التي ترصد أشرار السينما، المذكورين هنا وغير المذكورين، وهناك أيضا كتاب يحمل نفس العنوان كتبه 3 باحثين هم عمرو كامل وكريم طه ومحمد الهمشري، لكنهم صبوا جل تركيزهم على أشرار السينما العالمية.

في هذا الكتاب تحديدًا فصل مهم جدًا ربما يجيب على تساؤل «من هم القتلة المبتسمون؟»، أو بمعنى أدق كيف يقتل شخصٌ شخصًا آخرًا وهو يبتسم؟، الإجابة أوردها الكتاب في سطور تحكي تجربة عالم النفس الاجتماعي الأمريكي ستانلي ملجرام في الستينيات، حيث حاول الرجل أن يفسر حجم وكم العنف الذي مارسته البشرية إبان الحربين العالميتين.

كان ملجرام يريد معرفة مدى إحساس مرتكبي الجرائم بأخلاقية ما يرتكبونه، فجمع المشاركين في التجربة من خلال إعلان نشر في إحدى الصحف يطلب متطوعين للمشاركة في دراسة عن الذاكرة والتعلم في مقابل 4 دولارات في الساعة، إخفاءً لحقيقة الهدف الذي كان يجري من أجله التجربة.

تقدم العشرات ما بين 20 - 50 عاما، وينتمون إلى مستويات اجتماعية وثقافية مختلفة، وشملت التجربة (نظريا) ثلاثة مشاركين، أحدهم المشرف والثاني المتطوع والثالث الممثل، ولكن في الحقيقة كان المتطوع هو فأر التجارب أو من أراد ملجرام إجراء التجربة عليه، حيث أن الممثل والمشرف ليس إلا مشاركان لملجرام في تجربته.

أما عن خطوات التجربة فيجلس المشرف والمتطوع (محل التجربة) في غرفة، بينما يجلس الممثل في غرفة أخرى. كان المشرف يسأل المتطوع بعض الأسئلة، وعند كل خطأ يستخدم وبشكل متصاعد جهازا للصعق الكهربائي تتراوح شدته من 30 إلى 450 فولت.

كان جهاز الصاعق لا يعمل في الحقيقة، إلا ان الممثل في كل خطأ كان يتظاهر وكأنه قد تعرض للصعق فعلا، إلى أن يمثل بأنه مات.

المدهش أن 65% من الذين خضعوا للتجربة أكملوا الصعق الوهمي إلى 450 فولت، أي ضعف الجهد المنزلي (220 فولت)، وبمعنى أدق فهم مارسوا قتلا بدم بارد، لأنهم اقتنعوا تماما بأنهم أصبحوا تابعين لغيرهم، وصاروا على يقين بعدم وقوع الذنب عليهم.

تجربة ملجرام بالتأكيد تشبه مقالب رامز جلال في الصحراء وعلى متن الطائرات وفي قلب البحر وداخل المقابر الفرعونية، وربما فوق المريخ مستقبلا، وبغض النظر عن (فبركة) تلك المقالب من عدمها، إلا أنها تلق نسب مشاهدة مرتفعة للغاية في رمضان، شهر الصوم والبركة والإيمان، وهذا قد يدل على أن هناك تطبيع حقيقي بين القاتل المبتسم والجمهور الذي يبتسم أيضا. 

ترشيحاتنا