محمد القصبي يكتب : فيه حاجة غلط في جاردينيا  ..في وزارة الأوقاف  !!!

محمد القصبى
محمد القصبى

 

 

 

خلال جولة لي بمنطقة جاردينيا في القاهرة الجديدة   التي أقطن بها ..وماكنت تجولت بها منذ شهور ..داهمتني شوارع تهدر بالمياه..سألت في فزع :

- ايه ده؟!

تلطمني الإجابات ببرودها :

- مشاكل في شبكة الميه؟!

- من امتى ؟

- من شهور ..

- وساكتين !!

 هاتفت أحد المسئولين عن شبكة المياه في القاهرة الجديدة..

- ياجماعة ازاي ساكتين على المصايب دي..؟!!

- عاوزة قطع غيار ..لاكورات وجلب والمخزن فاضي..

 

- يعني أيه المخزن فاضي ؟!!!

- لو مش مصدق اتفضل شرفنا ..وهديك مفتاح المحزن.. وشوف بنفسك..

- طيب... نلم من السكان ونشتري اللاكورات والجلب دي..

كل الظواهر تؤكد أن الأمر سهل..هين..الشوارع اللي فيها المصايب دي يقطن فيها ناس مستريحين جدا..ملاك فيلل..وبعض الفيلل أمامها عربية وعربيتين وتلاتة..والعيل قبل ما ينزل من بطن أمه بينتظروه بمفتاح عربية و موبايل ب ١٠ و٢٠ ألف..

مش هتيجي على ٥ ولا ١٠ جنيه كل مالك هيدفعهم علشان نوقف نزيف الميه في الشوارع..

معلهش..جايز مش واخدين بالهم..

نشرت على الجروبات..اتكلمت في مسجد الحاجة حورية ..اتكلمت في الزاوية الموجودة في الشارع اللي مقيم فيه..وكنت متصور أن كله بسرعة  هيمد ايده في جيبه ويطلع أو هيبعت ابنه فورا لشراء قطع الغيار المطلوبة ..وكل تمنها لإصلاح الخمس مصايب في الشوارع تقريبا في حدود ٤٠٠ او ٥٠٠ جنيه..لاكور ب ٧٥  وجلبة ب٤٠ ..مبلغ تافه مقارنة بأحوالهم الميسورة.."

 

صدمت ..قليل ..قليل للغاية من اهتموا..!!!!!

..أيحدث هذا في دولة مثل مصر ..الماء يفترض أن يكون في " غلاوة"  الدم اللي في عروقنا ..؟!!!

في خمسينيات القرن الماضي حين  كان عدد السكان دون ال ٢٥ مليونا ..كان نصيب الفرد من المياه ألفي متر مكعب سنويا..الآن ومع الانفجار السكاني الذي يلقي في وجوهنا بطفل كل ١٣ ثانية ..

 ب٢ مليون و٦٠٠ ألف سنويا.. شحت الميه ..ولا أبالغ إن وصفت فقرنا المائي  بالأنيميا الحادة!!!.. نصيب الفرد انخفض إلى ٥٦٠ متر مكعب..الحال تدهور حتى دون الخط الأحمر للمعدل الطبيعي  للاستهلاك ..أو اللي بيسموه عالميا  بخط الفقر المائي..: "ألف متر مكعب سنويا للفرد

 "!!

يعني احنا كده تحت خط الفقر..بكتير..ناس دا حالهم يطنشوا على الميه وهي بتهدر أمام بيوتهم..عفوا عماراتهم المبندة في خانة الإسكان الفاخر !!!!

 

..وبيننا من تجاوز  البرود الصامت وصاح في غضب : - واحنا مالنا!! ..مش دي مسئولية الحكومة ..اللي بس بتتشطر علينا وسايبة إثيوبيا تعمل اللي عاوزاه في النيل..!!

من صاح بهذا واحد  من سكان المنطقة .. خريج  واحدة من الكليات اللي بنزعم أنها كليات قمة .. جار كان برفقتي ..همس في أذني قائلا:

- شكله كده اخواني..دايما في حالة سخط.. مش عاجبه حاجة..ودايما يرفض يتعاون معانا في أي مصلحة تخص المنطقة..ومابيصدق يلاقي اي حاجة غلط علشان يؤلب الناس على الحكومة!!

 

هل أصدق جاري  ؟! لاأدري ..

لكن أقول لخريج كلية القمة هذا: لو تخيلنا النبي الكريم  كان يسير في مكة وفوجيء بناقة في حالة غضب..وتهاجم طفلا ينتمي لأسرة كافرة..بل والكفار أنفسهم يراقبون مايحدث ببرود  ..هل سيكون هذا حال  الرسول..يراقب  مايحدث بسلبية ..وربما بشماتة!!

بل سيقفز لإنقاذ الطفل..

هذا هو الدين ..جوهر الدين الذي جسده صلى الله عليه وسلم بحديثه العظيم : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق..

 

لكن ما علاقة خريج كلية القمة بالدين.. (إن كان بالفعل اخوانيا) ؟! 

 هو وأمثاله انتماؤهم لجماعة وليس لدين ولا لوطن !!

لديهم استعداد  للقتل والتدمير ..وتخريب الدولة من أجل  الجماعة..حتى لو اقتضى الأمر أن يغمضوا أعينهم عن سيول المياه التي تهدر  في الشوارع شهورا..!!! بل يستخدمون تلك السيول  سلاحا لتأليب الشعب على   الحكومة:

- شايفين..الميه سايحة في الشوارع والحكومة الكافرة  ولا هنا!!

 

عقب صلاة العشاء في مسجد الحاجة حورية انتظرت إلى أن ينتهي الخطيب من درسه الديني ( الدرس كما هو الحال في كل مساجدنا ..  قصص من تراثنا ..في الغالب  لاعلاقة لها  بهمومنا اليومية والتي تطفح من مجاري السلبية والجهل  والفساد ) ..

 

حكيت له مشكلة المياه المهدرة في عدة شوارع وسلبية الناس تجاهها..ناشدته أن يذكر الناس بالحوار الذي دار بين النبي الكريم والصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص..

حين رآه يتوضأ..فقال له : لاسرف..

فسأل الصحابي الجليل: أو في الوضوء إسراف؟

فرد النبي الكريم : نعم ..ولو على نهر جار..

 

ناشدت شيخنا الجليل  أن يذكر  سكان المنطقة بالحديث الشريف

(خيرالناس أنفعهم للناس) .

بدا  مترددا..وأخيرا قال إنه سوف يرجع للإدارة..!!!

يا إلهي.. أأمر مثل هذا في حاجة إلى الاستئذان من الإدارة؟!

مضت الأيام دون أن يتطرق إلى تلك المصيبة ..

فهل راجع الإدارة.. والإدارة رفضت الخوض في أمر مثل  هذا لأنه من المحظورات؟..إذن ماهو  المباح الذي ينبغي أن يلتزم به مشايخنا الأجلاء وويلهم إن خرجوا عنه ؟!!!

 الإمام أبو حنيفة الذي ظل  يصلي الفجر بوضوء العشاء لمدة ٤٠ سنة ؟!!!! واحدة من الخرافات التي صاح بها أحد مشايخنا من فوق منبره أكثر من مرة ..وقد رجعت إلى كتب التاريخ وتبين لي عدم صحتها..!!

 ومثلها قصة  القرد الذي انتقم من صاحبه تاجر اللبن الغشاش..فانتهز  القرد فرصة نعاس صاحبه بالسفينة وأخذ كيس الدنانير وصعد إلى أعلى الشراع ليلقي بدينار في البحر ودينار في حجر صاحبه..هكذا يتحقق العدل في الإسلام.... بالقرود!!!!!!!!!!!!!!!

طبقا لما قاله أحد مشايخنا في واحدة من القنوات التليفزيونية ( اللي بتوصل المسلمين الجنة )!!

 

فهل يستأذن مشايخنا من الإدارة في الصياح بتلك التخاريف من فوق منابرهم؟!!!!!!!!!

........

لكن غالبية سكان المنطقة ليسوا كخريج كلية القمة الذي ينتهز هدير المياه في الشوارع ليؤلب الناس على الحكومة اللي بتفرط في حقوقنا .. ما اكتشفته أن غالبية الناس فقط..في حاجة إلى من يلفت انتباهم إلى خطورة تجاهل دمائنا التي  تهدر في الشوارع هكذا..

مالك إحدى العمارات ..حين طرقت بابه..وحكيت له أبعاد المشكلة ..وأن سلبيتنا لاتتفق مع أصول الدين ..ولا انتماؤنا لهذا البلد..بدا وكأنه يفاجأ بالمشكلة بل اكتست قسمات وجهه بالخجل ..وأظهر قدرا كبيرا من الحماس للمساعدة في إنهاء المشكلة ..

الأمر ذاته بدا مع بعض الملاك حين طرقت أبوابهم..

وبفضل تعاون هؤلاء تم إصلاح خمسة اعطاب في ثلاث شوارع  بالمنطقة  خلال يوم واحد..

 

وهذا أيضا يثير الدهشة.. أن بيننا مواطنين ايجابيين..لكن تغيب عنهم الأبعاد الدينية والوطنية للمشكلة .. عطب في ماسورة بالشارع تهدر المياه شهورا..ولايدركون مدى خطورة ذلك..لكن بمجرد لفت انتباههم يبادرون بالمساعدة..!!

ومن المسؤول عن هذا ..تنبيه الناس إلى خطورة تجاهل مشكلة مثل إهدار المياه في الشوارع ؟

 

هذا السؤال يدفعني للعودة إلى  شيخ مسجد الحاجة حورية وإدارته..وفي الحقيقة لا هو ولا إدارته يتحملون المسئولية..بل كبار المسئولين بوزارة الأوقاف .. إنهم يتحملون مسئولية تكريس تلك الظاهرة الخطيرة التي نعاني منها منذ أن هبت علينا أعاصير السلفية البترودولارية من شرق الأحمر منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي ..فجعلت عماد الدين لحية و نقاب وهل صليت على النبي ألف مرة..ولا كلمة واحدة عن أخلاقيات الرسول..عن سلوكه..عن حديثه الصارم : من غشنا فليس منا..

عن حسمه وحزمه : والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها

عن  توجيهه لسعد بن أبي وقاص:  لاتسرف في الوضوء حتى لو كنت على نهر جار ..

للأسف ..صياح مشايخنا الأجلاء من  فوق منابر ال١٤٠ ألف مسجد وزاوية لايتطرق إلى هذه الأمور..والدليل كارثة الغش في امتحانات الثانوية العامة..التي لم يهتز لها جفن  أحد من مشايخنا..

والدليل..المياه المهدرة في شوارع جاردينيا..والتي خشى شيخ مسجد الحاجة حورية الحديث عنها قبل استئذان الإدارة ورأتها الإدارة من المحظورات!!

.....

 للحديث بقية .. إن كان في العمر بقية..

ترشيحاتنا