قبل ريان.. قصص أطفال حركت مشاعر العالم

الطفل ريان
الطفل ريان

عندما تكون الإنسانيةُ جريمةَ يُعاقب عليها، في عالمِ لا يعرف الرحمةَ، وعصر لا يعترفُ بلغةِ القلوب، عالم حكمته الآلة؛ فأصبح منزوع العاطفة، حتى تحول لمسارح حرب، تُقتل على ساحاتها كل صنوف البشر، تُغتال براءات الأطفال وتُغتصب النساء وتُرمل، ويُهان العجائز، ويُكسر كبرياء الرجال.وبين مرارات الحروب والتعطش لسفك الدماء، تكون هناك رسائل إنسانية تحمل بين طياتها معاني الرحمة وإيقاظ الضمير الإنساني نحو حالات يتوقف أمامها العالم، ليتحصر من خلالها على مشاهد العنف والدماء فى محاولة لإعادة الإنسانية إلى قلوب من تخلو عنها، فتظهر صور توثق حالات قهر وظلم وتعذيب أيقظت الضمائر على سنوات متباعدة في قارات العالم المختلفة، ورغم مرور عشرات السنين على تلك الأحداث إلا أنها عالقة في الأذهان حتى الآن، تحدث دويا يترك الأثر النفسي المُفجع كلما شاهدها أحد ، كما لو كانت وليدة اللحظة الآنية.

 

فالتعاطف الإنساني ثابت على مر الدهور، ولا تغيره جنسية المقهور أو وقت الحدث الذي شهد المأساة.. أو شخص الجاني.


وكان آخر هذه المشاهد الإنسانية التى توقفت فيها أنفاس العالم أجمع ، حادث الطفل المغربي ريان، الذى تابعه الكثيرون فى مختلف أنحاء الدنيا، واجتمعوا على الدعاء والابتهال إلى الله أن ينجيه ، ولكن كانت الصدمة عندما سبقت يد القدر يد المنقذين، وانهالت برقيات التعازى من كل قيادات الدنيا في وفاته، لتعلن أن الإنسانية ما زالت قابعة فى قلوب البشر، تحتاج الى من يوقظها، وقبل الطفل ريان هناك عشرات الصور التى رصدت حالات مأساوية تحمل حكايات أليمة لأطفال عانوا من ظلم البشر..

 

نرصد من خلال هذا التقرير حالات لأطفال هزت وجدان البشر، وحولت العالم إلى أم رؤوم يتعاطف بشدة مع معاناة هؤلاء الأطفال التى التقطتها عدسات المصورين فى مختلف انحاء العالم فى ساحات الحروب وحالات غضب الطبيعة.. 

 

«عمران السوري».. رمزا لمعاناة أهل حلب 

كان عمران في الثالثة من عمره، خلال صيف 2016، عندما كشرت له الدنيا عن أنيابها، وجعلته يعيش يومًا لن يمحى من ذاكرته حتى بعد المشيب.

 

هذا الصغير، الذي أطلق عليه رمزًا لمعاناة أهالي حلب السورية، فقد تجسدت فيه كل مظاهر الحروب الأهلية والمنازل التي تسقط فوق رؤوس قاطنيها، وظلم الأطفال عن باقي أقرانهم حول العالم، والاستيقاظ على خراب هنا ودمار هناك وقتل وتهجير وعيش في الخلاء.


ففي شهر أغسطس، شنت طائرة حربية غارة جوية، فوق منازل الأهالي الذين كانوا يفترض أنهم آمنين في منازلهم رفقة أسرهم، ولكن كانت الطائرات تمطرهم بقذائفها التي لا ترحم ولا تطبطب على طفل بريء ولا كهل عجوز ولا سيدة ضعيفة.

 

ومن بين المنازل كان يوجد عمران رفقة أسرته، في المنزل يتسامرون ويأكلون ويشربون، ثم أضحوا تحت حطام منزلهم وأنقاضه التي احتضنت الكبير والصغير، وأنهارت فوق رؤوس الجميع.

 

جاءت الإسعاف وقوات الإنقاذ، ونبشت كما لو كانت بين القبور، تخرج من تحتها جثة هامدة لشخص فقد آخر أنفاسه، وثانٍ يصارع الموت، وثالث مُتهشم وجهه وعظامه وغارقًا في دمائه.

 

كان عمران أول من انتشلتهم قوات الإنقاذ، ووضعوه على كرسي بسيارة الإسعاف، والتقط له صحفي صورة محفوظة في كل العقول، وتصدرت صفحات السوشيال ميديا، حيث اختلط تراب منزلهم بدمائه التي كست وجهه، وأخذت الخدوش والكدمات مواقعها في مختلف أنحاء جسده الهزيل الصغير.

 

كان الطفل مهمهمًا بكلمات غير مفهومة إلا من «أبي وأمي»، اللذين كانا تحت بقايا منزلهم الذي لن يجمعهم من جديد، فقد تناثرت أركانه واختلت معالمه وبات «أكوامًا من الرتش» لا قيمة لها.

 

نالت هذه الصورة انتشارًا واسعًا، وعلق عليها الإعلام في كل دول العالم تقريبًا، حتى إن إحدى المذيعات وهي توصف حالة البريء لم تتمكن من حبس دموعها، فانفجرت في البكاء، وكان هذا حال الكثيرين ممن يملك بين ضلوعه قلبًا رحيمًا.

 
«محمد الدرة».. جزء من القضية

كان شهر سبتمبر من العام الأول للألفية الجديدة، يلملم أوراقه، ويتأهب للرحيل، إذا سقطت ورقته الأخيرة، في بحر دموع القهر والحزن والألم، يوم لن تنساه الإنسانية ما دام هناك بشر يتنفس الهواء فوق ظهر الأرض.

 

شهد هذا اليوم، ارتقاء روح محمد الدرة إلى بارئها، في حدث نزفت له دموع الإنسانية جمعاء، في مشارق الأرض ومغاربها، فقد أبكى هذا الصغير المحفور اسمه على صفحات التاريخ، العالم بأثره، وتعاطف معه الملايين، بعدما التقطت له عدسات مصور يهودي، مقطع فيديو لا تزيد مدته عن دقيقة، وهو يرتجف أمام عدسات الكاميرات خوفًا وهلعًا، ويحتمي بوالده الذي لا يجد من يحميه ضد وابل الرصاصات الطائشة التي تتطاير فوق رأسه، بلا عيون تهديها هدفها المقصود.


ففي أحد أيام المواجهات بين قوات الاحتلال الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، خلال خريف عام 2000 ، احتدمت حدة الاشتباكات، وراح الطرفان يصوبان فوهات البنادق والرشاشات والمدافع نحو بعضهما، والطلقات تقتحم الأجساد المكشوفة، غير المحصنة بواقي الرصاص، دون أن تتبين في أي جسد تستقر.

 

كان جمال الدرة والد الشهيد محمد، متواجدًا في الشارع، وعندما رأي الحرب الدائرة أمامه لم يجد بدًا من الفرار للاحتماء خلف برميل خرساني على جانب الطريق عسى أن يتلقى عنه رصاصات الطغيان، ويشارك ابنه صاحب الـ 12 ربيعًا في دموع القهر، وصوتهما يعلو رؤوسهما، ولا منجي لهما إلا الله، فقد تحجرت القلوب وغاصت الضمار في غفلتها.

 

ظل الوالد والولد على حالهما حتى قال القدر كلمته، وجاءت الرصاصة التي آلمت الكثيرين حول العالم، وأسكتت صوت صراخ محمد الدرة فارتمى بلا حول منه ولا قوة على قدم والده، الذي غزت جسده طلقة أخرى، فقد هذه الطلقات كالمنبه الذي أيقظ الضمائر الغافلة عن معاناة أطفال فلسطين منذ عشرات السنين.

 

وبعد هذه المشهد، راح الناس يبحثون عمن هو محمد الدرة، الذي بات حديث العالم، ليتبين أنه ذاك الطفل الحزين، الذي لم يهنأ في رحلته القصيرة في الدنيا، فقد قضى أيامه في مخيمات اللاجئين، وقضى نحبه قبل أن يرى بلاده متحررة ويسكن في سلام واستقرار رفقة أسرته في بيت كما هو طبيعة الحياة.

 

«آلان» .. ألم لا زال يعصرنا

آلان عبدالله الكردي.. 7 سنوات مرت على انتشار هذا الاسم، الذي هز الضمير العالمي، وصورته وهو مكفيًا على وجهه عالقة في الأذهان وحكايته أدمت القلوب وأدمعت العيون، تعاطف معه العرب والعجم، ونال شهرة كبيرة لم يعلم عنها شيئًا؛ لأنه كان حينها في عداد الموتى.

 

طفل سوري، قست على أسرته ظروف الحياة، وضاقت بهم بلادهم، التي كانوا يحيون فيها، فقد عانى ملايين السوريين من ويلات الحرب الأهلية التي تعيشها بلادهم منذ 2011.


هاجر من السوريين من أتيحت له الفرصة، وامتلك المال اللازم لمغادرة بلاده على متن طائرة تنقله إلى حيث يقيم ويستقر، ومن كانت حصالته المادية متواضعة لجأ إلى الهرب من بطش الحرب عبر قارب صغير يعوم في مياه اكتظت بأرواح البشر التي ابتلعت الحيتان جثامينها، أو هجرة برية بين الوديان والجبال والمخاطر تحدق بها من الجانبين تتربص بالمارين فتنهب ما يملكون، وينقضون عليهم بعدها كما لو كانوا أسودًا يفترسون ضحاياهم.


هكذا كان مصير أسرة «آلان» التي تركت جحيم سوريا قاصدة تركيا، التي كانت محطة ترانزيت يتجهون منها إلى أوروبا وتحديدًا اليونان.


لم يجد والد آلان سبيلًا للذهاب إلى اليونان سوى «سمسار» يحوز قاربًا يستخدمه في الهجرة غير الشرعية إلى بحر إيجة، يكتظ عليه السوريون العالقون في تركيا، وكان على متن إحدى الرحلات أسرة آلان، التي غرق منهم 3 أفراد، آلان وشقيقه ووالدته، وهرب الجميع إلى من ظنوا أنه المأوى.

 

فقد عثر جندي تركي على جثة هذا الطفل السوري الصغير الذي لم يتجاوز الثالثة من العمر، حيث مات غرقاً وصعقت صورتهُ وهو ملقيًا على الشاطئ ضمير العالم، الذي أبدى حينها تعاطفًا واسعًا مع اللاجئين، وعاد آلان ليدفن من حيث هرب، فالمكان الذي ضاق به، احتضنه في باطنه.

 

«الطفل الياباني» .. شموخ التحدى

صورة بالأبيض والأسود يعود عمرها إلى عشرات السنوات وتحديدًا إلى أربعينيات القرن الماضي، حيث الحرب العالمية الثانية، ولكنها لا زالت تأثر القلوب وتنال التعاطف العالمي كلما يعاد نشرها.

 

يظهر في هذه اللقطة طفل ياباني، يحمل شقيقه الأصغر الرضيع وهو ينتظر دوره ليلقيه في محرقة الجثامين، بعدما لفظ الرضيع أنفاسه الصغيرة، ولحق إلى مثواه الأخير رفقة والديه، اللذان فقدا حياتهما بفعل قنبلة أمريكا النووية التي ألقتها فوق هيروشيما ونجازاكي.

 

كان معروف في اليابان في هذا التوقيت، أن يحمل الأخ أخيه على ظهره أثناء اللهو واللعب، فعندما رأي الناس هذه الطفل يحمل من جاء من نفس البطن التي نزل منها، ظنوا أنهما يلعبان، ولكن نظرات الطفل وتيهه كان يشير إلى غير ذلك.

 

فقد سيطرت الحسرة والحزن والألم على وجهه البرئ، وكأنه يقول ألم بي حدث أليم، قرأ الواقفون الرسائل التي يبعث بها، فاقتربوا منه فاكتشفوا أن الصغير الذي على ظهره، فقد حياته ولا يتنفس، ورقبته «متدلية» على كتفه.

 

فغاص معه الجميع في بحر الألم الغارق فيه، ونزفت دموعهم كما ينزف، وساعدوه على فك الحبل الذي يوثق به جثة شقيقه، وأنزلوه من على ظهره، كان ذلك بعد فترة قصيرة أعقبت إسقاط القنبلة النووية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

كان الفتى يعض شفتيه اللتان كانتا تنزفان دمًا، وألقى شقيقه الصغير الذي تبقى له من كل عائلته، في النار، التي بدأت تنثر بقايا جسده الصغير، وحولته إلى قطعة من الفحم، وهنا أدار الطفل المكلوم رأسه وانسحب بعيداً بهدوء.

 

وتم تصنيف هذه الصورة من الصور الأكثر تأثيراً في تاريخ العالم التقطتها عدسة المصور جيود ونيل الذي أرسلته القوات الأمريكية إلى اليابان لتوثيق مشاهد الذعر لدى اليابانيين وأجواء الحرب والموت التي سببتها القنابل الذرية في عام 1945.

 

أخذ الرجال الذين كانوا يرتدون أقنعة بيضاء بالاقتراب من الطفل وبدأوا يفكوّن الحبل الذي يمسك بالرضيع وحينها كان الرضيع ميتاً. حمل الرجال جسد الرضيع ثم ألقوه في المحرقة بينما أخوه الأكبر واقف كالصخرة ينظر بحرقة ويعض شفته السفلى حتى سالت منها الدماء.

 

«طفلة السودان» .. طعام النسور

في جنوب السودان، وقف نسر خلف فتاة صغيرة ذات جسد هزيل، لا يزيد عن كونه عظام مغلفة بجلد أسود شاحب اللون، أنهكها الجوع والتعب وهي في طريقها للحصول على غذاء، تسد به حاجتها للطعام، كي تقوى على مواصلة الحياة.

مشهد التقطته عدسات أحد المصورين الأمريكيين، منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، وجالت الصورة العالم كله، ونالت تعاطفًا إنسانيًا واسعًا، وكانت بمثابة تأنيب للضمير العالمي البعيد عن هموم شعوب القارة السمراء ومعاناة شعوبها.

 

كان النسر يقف خلف الفتاة، كما لو كان متعاطفًا مع حالتها يرمقها نظرة تلو الأخرى، وكأنه يراقب حالتها، ويفكر في حيلة تمكنه من إعانتها على هدفها، فلم يتعرض لها بسوء أو ينقض عليها كأي فريسة فيما سواها.

 

بينما وقف المصور صاحب اللقطة، جامدًا في مكانه، كالإنسان الآلي الذي يعمل بلا أعضاء بشرية وكأنه لا يوجد بين ضلوعه قلب ينبض، يشعر بالآخرين ويحس بمعاناتهم ويعيش أوجاعهم، فلم يدنو من الطفلة، خشية أن تكون مصابة بداء فينتقل له باللمس.

 

نال هذا الموقف انتقادًا لهذا الشخص الذي ظل يراقب الفتاة وهي تصارع الموت، وتتلهف لمساعدة تقربها إلى الطعام الذي تريده، بعدما تركها والديها لتذهب منفردة ، في أرض جرداء قاحلة جافة لا تحنو على أصحاب هذا الجسد الخالي من الماء والشراب.

 

وبعد نحو عام من هذه الصورة -عام 1994- تم تكريم مصورها بجائزة بولتزر، ولكنه لم يهنأ بها، فظل يلوم نفسه ويجلدها على تقاعسه عن تقديم المساعدة، وأنبه ضميره حتى انتهى مصيره بالانتحار.

 

مرت الصورة دون أن يعرف أحد مصير الفتاة وفقد صاحبها حياته منتحرًا، ولكن كانت تلك القصة كفيلة بإيقاظ الضمير العالمي والإنساني تجاه الأزمات التي تعيشها الدول الأفريقية في ذلك الوقت، وسلطت الضوء على معاناة الأطفال.

اقرأ أيضا : بعد ريان.. ملايين الأطفال في انتظار التعاطف الدولي معهم

ترشيحاتنا