وداد نبى: حاربت كى لا أكون نسخة من كتابى المفضلين

وداد نبى
وداد نبى

حوار:  عباس ثائر

درست الشاعرة الكردية السورية وداد نبي. الاقتصاد فى جامعة حلب.صدر لها مجموعتين شعريتين باللغة العربية: ظهيرة حب، ظهيرة حرب، والموت كما لو كان خردة.
تكتب لعدد من الصحف والمجلات العربية والألمانية.صدر لها مختارات شعرية باللغة الألمانية «قبل الثلاثين بقليل» عن دار  النشر الألمانية  Sujetverlag عام 2019 .
ترجمت كتاباتها  للغات الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية،التركية، الإيطالية، الإسبانية.


تكتب بشكلٍ دورى مع الموقع الألمانى للكتابة: WeiterSchreiben ومع عدد من الجرائد والمجلات  الالمانية.
حصلت على منحة للكتابة من دار الأدب الألمانية فى مدينة فيسبادن الألمانية عام ٢٠١٨. وحصلت على منحة ثانية للكتابة عام ٢٠٢٠.مقيمة فى برلين.
هنا حور معها
كيف يعرّف المرء نفسه كاتبًا أو فنانًا؟ وكيف تعرفين نفسك قبل الولوج لعالم الكتابة أيضًا؟
أردتُ دوماً أن أكون نفسي. وداد. دون أية إضافات. سواء كنت كاتبة أم مجرد ربة بيت. كان يجب أن أكافح لأكون ذاتي. فوالدتى أرادتنى دوماً نسخة مشابهة لقريباتي، اللواتى كن يجدن الحياكة وصناعة المفارش والمطرزات. وحين كبرت حاربت ألا أكون نسخة من كتابى المفضلين. كان يجب على الدوام أن أدخل هذا الصراع كى أكون نفسى بكل أخطائى وعيوبى ونواقصي. حين بدأت الكتابة تطغى فى حياتي، أدركت أننى قد فقدت حرية الانعتاق من سطوتها للأبد. وعلى أن أدفع الثمن هذا الاختيار حتى النهاية. أن أعيش فيقلق دائم.


ما الغايات التى يريدها الكاتب من الكتابة بطريقة أخرى لم تكتبين؟
الفضول أولاً. الكاتب يظل محتفظاً بفضول الطفل الذى يولد به جميع البشر.
حين يكبر الناس، يبعدون الفضول لأمكنة قصية بداخلهم. ينظرون إليه بخجل. لكن الكاتب أو الفنان إذا فقد فضوله، فقد عالمه الخاص. العالم السرى الذى تأتى منه الحكايات. لولا الحكايات لمتنا ضجراً.
ولولا الفضول لما كان جنسنا البشرى تطور، لما راكمنا كل هذه اللغات والفنون والحضارات.


تخيل لو لم يكن الإنسان البدائى فضولياً، لو لم يكتشف النار والكتابة والأبجدية.لو إنه استسلم للمكتشفات القديمة ولم يفكر بالجديد الذى ينتظره.ربما يطمح الكاتب أن يأخذ الفضول بيده نحو الكمال الداخلي.
هل فى الكتابة أهداف سامية؟ هل الخروج عن القديم دون الالتفات إلى الوراء والنظر نحو ما هو حديث وجيد بإمكانه أن يخلق أدبًا مغايرًا لأمة اعتادت أن تنهض من قديمها وترجع لموروثها دينًا أو أدبًا كان؟
من وجهة نظرى ليست هناك أهداف سامية لا فى الكتابة ولا فى الحياة. نحن مجرد كائنات قلقة، مرتبكة، تحاول أن تكتشف نفسها وعالمها، تتخبط معظم الأحيان، لكنها تحاول قيادة هذا القلق والارباك نحو بعض الطمأنينة.


وأعتقد أن الرجوع للقديم والموروث ليس خطاً. لكن التمسك بالعيش فى تلك العوالم التى اندثرت هى ما تجعل الأمم عالقة فى الماضي. دون أن تقدم أى إضافة جديدة.
يرى بيسوا أنّ الأدب «شانه شأن باقى الفنون، ليس سوى اعتراف بأن الحياة لم تعد تكفي». هل ترين فى الكتابة اعترافًا لحقيقة ما، وهل يكشف الكاتب عن نفسه داخل نصه؟ وهل فعلت؟
نولد  مثل بقية الكائنات محدودين بعمر واحد. بتجربة واحدة  بائسة على هذه الأرض. ولا نستطيع أن نعدلها أو نندم عليها ونعيدها من جديد. لكن الكتابة تمنحنا  سحر عيش التجارب المتعددة، وفى كل مرة نكتب فيها شيئاً جديداً نعيش سحر  تجربة المرة الأولى.


أنا أؤمن بقدرة الكتابة والقراءة على تشكيلنا وصنعنا، كما لو كانت هناك يد خفية، تلعب بنا نحن الطين الطري، تشكلنا وتصنع مخيلتنا وأفكارنا.
بعض الأحيان أكون مكشوفة داخل نصي، تستطيع أن تلمس جرحي. جلدى المتشقق. مخاوفي. وتحطمي. لكن فى مرات أخرى، أختفى وأتلاشى. لا أكون موجودة. ترى فقط الآخرون يتجولون داخل نصي. غرباء ومتسولون، عشاق، مجانين، وبشر على هامش الحياة.


لاأؤمن بالاعترافات. نحن كائنات مجبولة بالأسرار. نحن نكتب لنصنع المزيد من الأسرار. لنغلف حيانا الهشة بالمزيد من الأوهام ونحميها بالأسرار.
ربما النص صورة ناقلة لحياة الكاتب، صورة لا يقل فيها حضور الشخص الغائب عن حضوره فى الصورة الفوتوغرافية، تحتفظ بما يبقيه الإنسان بعد رحيله، هل تعاملت مع النص على أنه صورة لحياتك؟
إننى أستعير حيوات الأخرين لأكتب عنها. أستعير الحيوات التى حلمت أن أعيشها. لذا لا يمكن لى القول أن النص الذى أكتبه هو صورة فوتوغرافية عن حياتي.
حياتى هناك تعيش فى مكان أخر. بينما أنا فى النص أخلق وأستعير حيوات الأخرين.
هل ترين أن ملامح الموطن والبيئة موجودتان فى كتاباتك وهل يشاركان المعرفة فى أن يرسما معها أسلوب الكاتب؟


نعم. القارئ المتتبع لنصوصي، سوف يعثر بين الحين والأخر على أثر لروائح أسواق حلب. الغار والبهارات. سوف يتعثر  بأزقة كوبانى المتعرجة والموحلة شتاء، الدروب الترابية والزعتر البرى والبابونج وأشجار اللوز والتين فى قريتى مندك. لكن اليوم ونتيجة التجارب الجديدة، هناك برلين ومحطاتها وناسها ومتسولوها وشوارعها أيضا فى كتابتي.هناك أمستردام وروما وتوسكانا وباريس وبراغ واليونان وبودابست ومدن أخرى جديدة.


أعتقد أن كل مكان يضيف للكاتب وتجربته. أسلوب الكاتب وليد التجارب المستمرة غير المتوقفة. الأسلوب يتطور ويتغير فى كل مرحلة، ولايبقى كماهو. وبالنسبة لى شخصياً. أخاف أن أتجمد فى أسلوب معين لبقية حياتي. أنها فكرة مرعبة لي.
هل نترقب اصدارًا قريبًا قادمًا منك؟
أعمل على رواية، وهى روايتى الأولى.  إذا سارت الأمور كماهو مخطط لها، فسوف تصدر  خريف عام ٢٠٢١.
وهناك ديوان شعرى جاهز، لازلت مترددة بنشره. أشعر اننى أريد إبقاءه فى مرحلة الكتابة والتعديل والتغيير.  أن تبقى القصائد شابة  وحية. كأن القصائد لا تريد أن تشيخ فى كتاب.

ترشيحاتنا