يجب أن يكون الناشر محررًا وليس سجانًا: كتاب جديد يثير جدلًا حول حرية الكتابة

كاتب وعالم النفس الكندى جوردان بيترسون
كاتب وعالم النفس الكندى جوردان بيترسون

جيميما لويس - ترجمة: نصر عبد الرحمن

أثار كتاب «ما وراء النظام: 12 قاعدة أخرى للحياة» للكاتب وعالم النفس الكندى المثير للجدل «جوردان بيترسون» جدلًا واسع النطاق فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا، ذلك لأن الكتب والآراء السابقة للكاتب جعلت كثيرين يتهمونه بالعنصرية ونشر خطاب الكراهية، واحتقار الآخر. يتناول هذا النقاش حق الكاتب فى نشر أفكاره فى مقابل حق المجتمع، وهل لدينا معايير واضحة لما يُعرف بالصوابية الأخلاقية؟ وما هو دور الناشرين فى تلك الجدلية. هذا مقال منشور فى صحيفة تليجراف البريطانية، يتناول أحد جوانب هذا النقاش المفتوح، وقد ترجمته بتصرف بسيط.

تظهر محاولة فرض الرقابة على جوردان بيترسون عدم تسامح جيل العدالة الاجتماعية. لن يكون الكاتب الضحية الأخيرة لجيل جديد من «التقدميين».


حاول العاملون فى دار نشر بينجوين راندم هذا الأسبوع منع نشر كتاب لـ «جوردان بيترسون». من السهل أن ننسى ما هى ظاهرة حرية التعبير الحديثة، حتى فى هذا البلد. حتى عام 1959، كان من الممكن إرسال الناشرين البريطانيين إلى السجن لإخراجهم كتبًا يُعتقد أنها «تميل إلى إفساد عقول من ينفتحون على مثل هذه التأثيرات غير الأخلاقية».
فى ذلك الوقت، كان يتم التعامل مع الكتب التى لا تُعتبر جنسية تمامًا على أنها فُحش. لقد تم حظر رواية «عوليس»؛ تحفة جيمس جويس، بل أحرقت بالفعل على أساس الفحش. أقنع سطر واحد فى رواية «بئر الوحدة»، للكاتب رادكليف هول («وفى تلك الليلة لم تفترقا لحظة واحدة») القاضى بأن جميع النسخ يجب إتلافها، لأنها يمكن أن «تثير أفكارًا شاذة وتمجد الاتجاه الرهيب للسحاق».


ساعدت شجاعة الأجيال المتعاقبة من الناشرين، وإصرارهم الشديد على تحدى الرقابة، فى إحداث ما عُرف بالثورة الثقافية، التى مكنتنا جميعًا من العيش والحب -والقراءة- بحرية أكبر. كان من المقبول على نطاق واسع ما يُعرف بمحاكمة الفاحشة، قبل 60 عامًا. ولكن محاكمة رواية «عشيق الليدى تشارلي»، أو بالأحرى ناشرها، دار «بينجوين بوكس» تحولت إلى اللحظة التى فُتحت فيها أخيرًا أبواب الحرية الفنية فى تناول الجنس وغيره من الأمور.


الآن، رغم ذلك، هناك من يرغب فى إعادتنا مرة أخرى إلى ما قبل تلك اللحظة. هذه المرة ليسوا «كبار السن الرماديين»، كما وصف لورانس رقابته، الذين يعانون من سكتة دماغية حول الكلمة المكتوبة. اليوم، يحوم القلم الأزرق فى يد «التقدميين» الشباب - ومن المدهش أن بعضهم ناشرون أنفسهم.


حاول الموظفون فى دار نشر «بينجوين راندم» الكندية هذا الأسبوع منع نشر كتاب جديد للأكاديمى الكندى «جوردان بيترسون» الذى أكسبه ازدراؤه لسياسات الهوية عددًا كبيرًا من المتابعين من أصحاب الفكر اليمينى. فى اجتماع بين إدارة دار النشر وموظفيها فى كندا، طالب الموظفون بعدم السماح بنشر أفكار أحد رموز «خطاب الكراهية». ووفقًا لأحد الحاضرين، كان بعض الموظفين يبكون فى الاجتماع وهم يسردون كيف أثرت كتابات السيد بيترسون السابقة سلبًا على حياتهم، وأشار أحد الموظفين إلى أن نشر الكتاب سيؤثر سلبًا على زميلهم صاحب الميول الجنسية المختلفة.


تمضى دار النشر قدمًا فى نشر الكتاب، ولكن مع وصول جيل من يسمون أنفسهم «جيل العدالة الاجتماعية» إلى المناصب العليا فى وسائل الإعلام المختلفة، فإن هذا المشهد الغريب -الناشرون الذين يحتجون على دور النشر الخاصة بهم ضد نشرهم كتاب- سيصبح أكثر شيوعًا.


فى وقت سابق من هذا العام، تراجعت شركة هاتشتى الأمريكية عن خططها لنشر مذكرات «وودى آلان»، بعد أن نظم الموظفون إضرابًا عن العمل. وصفت الصحفية الأمريكية «أبيجيل شريير»، كيف أن ناشريها الأوائل رفضوا كتابها الأخير، وهو تحقيق فى زيادة تحديد المتحولين جنسيًا بين الفتيات المراهقات، بعد احتجاجات الموظفين. عندما وافق ناشر آخر على نشر كتابها، رفضت الصحف كتابة مراجعات وأخبار عنه. عندما أجرى «جو روجان» مقابلة مع «شريير» حول كتابها، هدد الموظفون فى منصة البودكاست، سبوتفاى، بالاستقالة. لقد تصاعدت الرقابة مرة أخرى.


هؤلاء المفتشون الجدد للنظافة الأدبية يتعرضون للقلق بسهولة. لن يدعى أى ناقد عاقل أن كتب بيترسون تشكل خطاب كراهية. (على عكس «مين كامف، الذى تواصل دار نشر بينجوين نشر كتبه من أجل المصلحة العامة) يبدو أن الحجة ضد بيترسون هى أنه، حتى لو لم يكن من النازيين الجدد، فإن بعض المعجبين به هم كذلك. لكن منذ متى حكمنا على كتاب بسبب نوعية قرائه؟
إذا كان للقراءة أى غرض أخلاقى، فهو توسيع فهمنا للعالم من خلال تعريضنا لأفكار مختلفة. هذا ما يجعل النشر مهنة رفيعة: هدفها كله إيجاد الأفكار وتحريرها. يجب أن يكون الناشر محررًا وليس سجانًا.

 

ترشيحاتنا