العربية لحقوق الإنسان : الشعب السوداني تعرض لخذلان فاضح من المجتمع الدولي

أرشيفية
أرشيفية

 

تعرب المنظمة العربية لحقوق الإنسان عن عميق الاستياء تجاه تراخي المجتمع الدولي عن الاضطلاع بواجباته نحو وقف الحرب وضمان حماية المدنيين.

 وذلك بعد مرور عام كامل على اندلاع الحرب الأهلية في السودان.

 وترى المنظمة أن الشعب السوداني قد تعرض لخذلان فاضح من المجتمع الدولي، خاصة وأن المجتمع السوداني ظل لنحو أربعة سنوات يشهد تدخلات دولية متنوعة خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورته المجيدة في ديسمبر 2018، وكان الكثير من هذه التدخلات غير حميد غير مخلص، سيما وأن هذه التدخلات لطالما كانت تعيد ترتيب الأولويات وفق المصالح الأجنبية وليس وفق طموحات الشعب السوداني ومطالبه المشروعة.

    فعلى مدار عام كامل، شهدت البلاد وقوع العشرات من الفظائع التي شكلت انتهاكات جسيمة ومكثفة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وفي مقدمتها القتل خارج نطاق القانون، والنيل من المدنيين عبر الاحتماء واستخدام الأعيان والمساكن المدنية كدروع بشرية أو استهداف المناطق المدنية المزدحمة دون تورع عن سقوط ضحايا من غير المقاتلين، وسادت البلاد جرائم العنف الجنسي، وجرائم النهب والسلب والتي ارتبطت بعض وقائعها بالتطهير العرقي وأعمال الانتقام بين القبائل المتنازعة في بعض الأقاليم.

وبينما تقدر المصادر السودانية المستقلة الضحايا بأكثر من 30 ألف قتيل و50 ألف مصاب، تقدر مصادر الأمم المتحدة الضحايا بنحو 13 ألف قتيل و27 ألف جريح.
    فيما ارتفع عدد النازحين من 4 ملايين في الخريف الماضي إلى أكثر من 8 ملايين في مارس 2024، بينهم 4 ملايين طفل، وشملت حركة النزوح 12 ولاية من بين 18 ولاية في البلاد.

كما تزايدت أعداد اللاجئين بصورة يصعب تقديرها في ظل تزايد الإقبال على الهجرة غير الشرعية، ففيما تقدر المصادر أعداد اللاجئين خارج البلاد بما لا يقل عن 1.7 مليون لاجئ، تشير بعض المصادر إلى تجاوز العدد 2.2 مليون فار خارج البلاد، بينهم أكثر من 600 ألف في تشاد، و400 ألف في مصر بصورة شرعية ونحو 500 ألف آخرين بصورة غير شرعية، كما تدفق عشرات الآلاف إلى ليبيا بصورة غير شرعية خلال الشهور الأربعة الأخيرة في مسار جديد للفرار خارج البلاد.
وتشير المصادر الأممية إلى أن 24 مليون شخص يعانون إنعدام الأمن الغذائي، بينهم 18 مليوناً يعانون إنعدام الأمن الغذائي الحاد.
وتتفاقم المخاوف مع تقدير الأمم المتحدة لوجود نحو 150 ألف من النساء الحوامل، والتوقع بأن نحو 50 ألف ولادة ستتم خلال الفترة من مارس إلى مايو، لا سيما مع انهيار المرافق الصحية وتوقف مراكز الرعاية المتخصصة وندرة توافر الأدوية اللازمة.
    وتسجل المصادر الميدانية وقوع مئات من حالات العنف والاستعباد الجنسي، غير أنه أمكن توثيق 157 حالة منها بشكل مهني، علماً بأن الواقع الثقافي تفرض عوائق متنوعة في الإبلاغ عن الحالات أو الموافقة على الإدلاء بإفادات وبحسب الخصوصية الثقافية للأقاليم.

وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان قد عبرت الخريف الماضي عن خشيتها من تراجع الموسم الزراعي في ظل الأوضاع الأمنية وارتفاع أسعار المحروقات، لا سيما بالنظر إلى أن غالبية النازحين يعتمدون على مساعدات المجتمعات المحلية المستقبلة لهم، ولم يصل أغلبهم أي قدر من المساعدات الدولية، لكن الموسم الزراعي قد أتى ثماره على نحو كافي في ديسمبر الماضي وكان يسمح بتوفير مخزون غذائي لنحو 7 شهور تالية، إلا أن المتحاربين قاموا بنهب أغلب المحاصيل على نحو فاقم المخاوف على توفر الغذاء لكافة المواطنين.

وكانت الأمم المتحدة قد دعت إلى جمع 4.1 مليار دولار لمواجهة الأعباء الإنسانية الناتجة عن النزاع في السودان، غير أن الآمال تتضاءل لجمع هذا المبلغ من ناحية، والالتزام بتنفيذ ما سيتم التعهد به فعلياً من ناحية أخرى (تم التعهد بــتقديم ملياري يورو في مؤتمر باريس قبل ساعات)، بالإضافة إلى العوائق الناتجة عن مغادرة أكثر من 100 منظمة إغاثة أجنبية ونحو 3 آلاف منظمة إغاثة محلية للبلاد بسبب الحرب، ما يُرتب إشكالية كبرى حول إيصال المساعدات داخل البلاد، أخذاً في الاعتبار ندرة ما وصل للضحايا طوال عام سابق، وعمليات النهب والفساد التي يضطلع بها المتحاربون.

    ويفرض الفشل الدولي في مواجهة التحديات ذات الطبيعة الإنسانية واقعاً أكثر إحباطاً في تأمل قدرة المجتمع الدولي على التوصل لحل سياسي لتسوية النزاع العسكري، لا سيما في ضوء استمرار واردات السلاح للمتحاربين في البلاد، وهو ما يجعل من مطالب استئناف المسار الانتقالي وتحقيق الانتقال الديمقراطي والاستقرار الدستوري والسياسي غايات بعيدة المنال.

ولا يمكن فهم مقدار الصعوبات القائمة بمعزل عن فهم واقع البلاد وما مرت به من حروب أهلية متعددة طوال العقود الأربعة السابقة، وحالة التفسخ الاجتماعي التي أنتجها فترة حكم نظام الإنقاذ 1989 – 2019 وتغييب المواطنة وإعلاء الولاءات الجهوية والانتماءات الإثنية والدينية.

في 11 أكتوبر  الماضي، قرر مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في دورته الـ54 تشكيل بعثة مستقلة لتقصي الحقائق في السودان، بما يشمل النظر في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، لولاية لمدة سنة تشمل فيما تشمل تحديد المشتبه فيهم، ومن المأمول أن تتلقى البعثة الدعم الكافي للنهوض بمهمتها ولا سيما في مجال تحديد المشتبه في ارتكابهم للانتهاكات الجسيمة على نحو يعيد الاعتبار لأهمية مكافحة الحصانة وجلب الجناة للعدالة ومنع إفلاتهم من العقاب، والذي يشكل ركناً جوهرياً في التغلب على التقاعس الدولي في فرض عقوبات ضد المتحاربين جراء ما ارتكبوه من فظاعات وضمن أدوات الفعل السياسي لوقف الحرب.

 

ترشيحاتنا