تسليح الفضاء نوويا.. منافسة دولية تعجل بنهاية العالم 

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أشار تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء الي انه في ضوء ما أثير مؤخرًا بشأن وجود معلومات استخباراتية أمريكية تتعلق باعتزام روسيا اختبار سلاح مضاد للأقمار الصناعية ذي قدرات نووية في الفضاء، وذلك بعد إصدار رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي والنائب الجمهوري عن ولاية "أوهايو" (Ohio) "مايكل تورنر" (Michael Turner) بيانًا أوضح فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها معلومات استخباراتية جديدة تتعلق بوجود "تهديد خطير للأمن القومي"، مطالبًا الرئيس الأمريكي "جو بايدن" برفع السرية عن تلك المعلومات حتى يتمكن الكونجرس الأمريكي، والبيت الأبيض، فضلًا عن حلفاء واشنطن من مناقشة الإجراءات اللازمة للرد على تلك التهديدات. وفي هذا الإطار، تطرق العديد من الصحف ووسائل الإعلام الغربية لدوافع روسيا لاختبار هذا السلاح، وأبعاد الموقف الأمريكي، فضلًا عن مخاطر وانعكاسات التقدم الروسي في مجال التسلح النووي بالفضاء الخارجي.

أولًا: الموقف الغربي إزاء تسليح روسيا النووي للفضاء:

 

أشار مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) بعنوان "مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من إقدام روسيا على وضع سلاح نووي في الفضاء" (U.S. Fears Russia Might Put a nuclear weapon in Space) إلى انتشار تحذيرات خلال الأسابيع الأخيرة في مختلف وكالات الاستخبارات الأمريكية بشأن احتمالية قيام روسيا بعمليات إطلاق صاروخي جديد لوضع سلاح نووي في الفضاء، منبهًا إلى وجود انقسامات في الإدارة الأمريكية بشأن ما إذا كانت روسيا ستقوم بتلك الخطوة بالفعل أم لا، مضيفًا أنه برغم استبعاد المسؤولين الأمريكيين لقيام روسيا بتفجير أي سلاح نووي قد ترسله إلى الفضاء، فإن ذلك لا ينفي تصاعد المخاطر المتعلقة بوجود قنبلة نووية في مدار الكرة الأرضية.

 

وفي هذا الإطار، أوضح مقال نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية (The Guardian) بعنوان "على الجميع أن يهدأ": الخبراء يقيِّمون التهديد الفضائي النووي الروسي" (Everyone needs to calm down: experts assess Russian nuclear space threat) أن قيام روسيا باختبار سلاح مضاد للأقمار الصناعية ذي قدرات نووية في الفضاء لا يعد فكرة جديدة يتم طرحها لأول مرة من جانب موسكو، وذلك بالنظر إلى أنها استكشفت في وقت سابق مدى إمكانية نشر أسلحة نووية في الفضاء لمهاجمة أهداف أرضية، إلا أنها تراجعت عن تلك الفكرة نظرًا لتكلفتها المرتفعة.

 

وعلى صعيد آخر، تطرق مقال نشرته صحيفة "بوليتيكو" (Politico) بعنوان "مسؤولون في إدارة بايدن يعملون خلف أبواب مغلقة لثني روسيا عن اختبار سلاح فضائي" (Biden admin was working behind closed doors to dissuade Russia from testing space weapon) إلى تصريحات مسؤولين أمريكيين أوضحوا فيها أن موسكو لم تُبدِ أي استعداد للانخراط في المحادثات الخاصة بالبرنامج الروسي المتعلق بإرسال سلاح نووي للفضاء، محذرين من أن يؤدي تسريب تلك الأخبار إلى تشجيع الجانب الروسي على اتخاذ قرار بالمضي قدمًا في اختبار السلاح النووي الفضائي المضاد للأقمار الصناعية. 

 

ويرى مقال صحيفة "نيويورك تايمز" أن شكوك واشنطن المتزايدة حول إرسال روسيا سلاحًا نوويًا إلى الفضاء قد دفعت وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" إلى تأكيد هامش مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، بأن أي تفجير نووي في الفضاء لن يؤدي فحسب إلى تدمير الأقمار الصناعية الأمريكية، بل سيتسبب في تدمير الأقمار الصناعية الموجودة في الصين والهند أيضًا.

 

وفي سياق متصل، لفت مقال صحيفة "بوليتيكو" الانتباه إلى تواصل مسؤولي وكالات الاستخبارات الأمريكية في وقت سابق مع نظرائهم الروس، إلى جانب مسؤولين من الصين والهند باعتبارهم وسطاء محتملين في أية محادثات محتملة قد يعقدها الطرفان حول البرنامج الروسي المتعلق بإرسال سلاح نووي إلى الفضاء، وذلك قبل أن يتم تسريب الخبر المتعلق بالبرنامج إلى وسائل الإعلام، مؤكدًا تكثيف جهود واشنطن الدولية لحمل روسيا على التخلي عن إرسال سلاح نووي إلى الفضاء، وهو ما يدحض الادعاءات المتعلقة ببطء إدارة "بايدن" في التعامل مع هذا التهديد.

 

وفيما يتعلق بالموقف القانوني الخاص بإرسال أسلحة نووية إلى الفضاء، نبه مقال صحيفة "الجارديان" -سالف الذكر- إلى أن روسيا محكومة بعدة قيود قانونية فيما يتعلق بوجود أو استخدام الأسلحة النووية في الفضاء؛ إذ تحظر المادة "4" من "معاهدة الفضاء الخارجي" (Outer Space Treaty) المبرمة عام 1967، وضع الأسلحة النووية في مدار الكرة الأرضية وفي الفضاء الخارجي. هذا فضلًا عن "معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية" (Partial Nuclear Test Ban Treaty) لعام 1963، والتي تحظر بشكل تام التفجيرات النووية في الفضاء.

 

ومن ناحية أخرى، تساءل مقال نشره موقع "إن بي سي" الإخباري (NBC News) بعنوان "أسلحة نووية في الفضاء أم لا شيء جديد؟ العلم وراء جنون المعلومات حول السلاح الروسي" (Nukes in space or nothing new? The science behind the intel frenzy over a Russian weapon) عما إذا كان نشر تلك المعلومات وإتاحتها لوسائل الإعلام في هذا التوقيت أمر يرتبط بدافع سياسي أكثر من كونه يرتبط بتهديد عسكري محتمل لأمن واستقرار الولايات المتحدة الأمريكية، مشيرًا إلى تصريحات المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف" (Dmitry Peskov) التي أوضح فيها أن انتشار تلك المعلومات يأتي في ضوء مساعي الإدارة الأمريكية الحالية لدفع الكونجرس للموافقة على تخصيص مزيد من المساعدات المالية لأوكرانيا لمساعدتها في مواجهة روسيا، عبر الترويج لما تمثله موسكو من تهديدات للأمن القومي الأمريكي. 

 

ثانيًا: التقدم الروسي في مجال التسلح النووي بالفضاء.. الدوافع والتداعيات:

 

أشار العديد من التحليلات الغربية إلى أن إقدام روسيا على التسليح النووي للفضاء، يرجع إلى مساعي موسكو لتعزيز قدرات الردع، حيث أشار مقال صحيفة "نيويورك تايمز" -سالف الذكر- إلى اعتقاد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" بأن أيًا من خصومه، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، لن يخاطر بالدخول في مواجهة مباشرة مع روسيا حال إقدامها على وضع قمر صناعي مسلح نوويًّا في الفضاء، الأمر الذي يمثل أحد المحفزات الرئيسة لإقدام موسكو على هذه الخطوة.

 

كما أوضح المقال أن تلك الخطوة قد تكون بمثابة رسالة تحذيرية من جانب روسيا، مفادها أنه في حال تعرضت لضغوط شديدة من جانب الدول الغربية، وبالأخص فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، فإنها قد تقوم بالتأثير في الاقتصاد العالمي دون إلحاق أذى مباشر بالأشخاص. وفي السياق ذاته، يرى مقال نشره موقع "فرنسا 24" (France 24) بعنوان "الأسلحة النووية الروسية في الفضاء: لماذا قد يكون تسرب المعلومات الاستخبارية أكثر خطورة من التهديد نفسه" (Russian nukes in space: Why the intelligence leak might be more serious than the threat itself) أن المعلومات المتعلقة بإرسال روسيا سلاح نووي إلى الفضاء قد تكون مجرد خدعة لإثارة مخاوف الغرب.

 

وفيما يتعلق بالتداعيات، أشار مقال صحيفة "ذا نيويورك تايمز" -سالف الذكر- إلى أن وجود أسلحة نووية في الفضاء ينطوي على مخاطر جمة، لا سيما وأنه حال انفجاره سيؤدي إلى تعطل أنظمة الاتصالات العالمية، بما في ذلك خدمات الطوارئ وشبكات الهواتف المحمولة، فضلًا عن تعطيل حركة الملاحة العالمية، وتدمير الأقمار الصناعية المخصصة للتجسُس.

 

وفي سياق متصل، أوضح مقال صحيفة "الجارديان" -سالف الذكر- أن تفجير قنبلة نووية في الفضاء فوق المناطق المأهولة بالسكان أو بالقرب منها قد يؤدي إلى تعطيل شبكات الطاقة، فضلًا عن أنه قد يكون له آثار غير مباشرة على الاقتصاد العالمي، والبنية التحتية الحيوية، بالإضافة إلى النظام المالي الذي يعتمد على الأقمار الصناعية.

 

ورجَّح مقال نشره "المجلس الأطلسي" (Atlantic Council) بعنوان "الأسلحة النووية الروسية المضادة للأقمار الصناعية تتطلب ردًا حازمًا من جانب الولايات المتحدة، وليس الهستيريا" (Russian nuclear anti-satellite weapons would require a firm US response, not hysteria) أنه في حال أرسلت روسيا سلاحًا نوويًّا إلى الفضاء وقامت بتفجيره فإن ذلك الأمر قد يؤدي إلى تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، فضلًا عن إتلاف جميع الأقمار الصناعية باستثناء تلك التي تتمتع بدرجة عالية من الحماية من الإشعاع. 

 

وأوضح مقال نشره موقع "ذا كونفرسيشن" (The Conversation) الأسترالي بعنوان "هل تسعى روسيا إلى وضع أسلحة نووية في الفضاء؟ إن القيام بهذا من شأنه أن يقوض الاستقرار العالمي ويشعل سباق تسلح ضد الأقمار الصناعية" (Is Russia looking to put nukes in space? Doing so would undermine global stability and ignite an anti-satellite arms race) أن نشر أسلحة نووية في الفضاء من شأنه أن ينذر بتسارع سباق التسلح الفضائي بين القوى الكبرى، ما يزعزع الاستقرار العالمي.

 

وختامًا، ففي ظل ما ينطوي عليه نشر سلاح نووي في الفضاء من مخاطر عالمية، فمن المستبعد أن تُقدم روسيا على مثل هذا التصعيد، خاصة في ظل ما يحاط بالمعلومات الاستخباراتية التي يتم تداولها من غموض، وعدم تصريح موسكو علانية بالإقدام على تسليح الفضاء نوويًّا.