دكتور حسين عبدالفتاح يكتب : رؤية مصر 2030 والتحول الرقمي في التعليم

دكتور حسين عبدالفتاح
دكتور حسين عبدالفتاح


إن اتجاه أي دولة حاليًا ورؤيتها نحو الرقمنة والتحول الرقمي لا ينبع من فراغ، فأهداف رؤية مصر 2030 تشمل عدة محاور وأهداف من أهمها التحول والشمول الرقمي ومكافحة الفساد، ولعل التركيز علي اختيار تلك الأهداف وبهذه الأهمية نابع من مدى الترابط بينها، ومدى تأثيرها على كافة نواحي الحياة؛ فالتحول والشمول الرقمي في رأي كاتب هذه المقالة ليس فقط من طرق وأدوات مكافحة الفساد كمدخل علاجي، بل أن الرقمنة تعتبر لحد بعيد مدخل وقائي من العديد من المظاهر التي يمكن أن توصف بالفساد المالي أو الإداري أو حتى العلمي. ولقد تضمن المعنى الإجرائي للتحول الرقمي في رؤية مصر 2030 عدة مبادرات ومشاريع تستهدف تطوير البنية التحتية الرقمية في البلاد وتعزيز القدرات التقنية والابتكارية في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصناعات الحرفية والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية، فضلا عن التحول الواضح في مؤسسات التعليم؛

 

حيث اشتملت بعض مبادرات التحول الرقمي في رؤية مصر 2030 على تطوير البنية التحتية الرقمية والتي تتضمن تحسين الاتصالات والشبكات اللاسلكية وتوفير البنية التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية في جميع أنحاء البلاد، وكذلك تعزيز البنية التحتية لتقنيات الاتصال، وتطوير الصناعات الحرفية والتي تستهدف تطوير الصناعات الحرفية وتعزيز قدرات الحرفيين على استخدام التقنيات الرقمية في تصميم وتصنيع المنتجات، ودعم الابتكار والريادة في مختلف القطاعات، بما في ذلك الصناعات الحرفية والتكنولوجية والخدمات اللوجستية والتجارة الإلكترونية، إضافة إلى تعزيز التعليم الرقمي إذا صحت التسمية؛ والذي يهدف إلى تحسين التعليم وممارساته في المدارس والجامعات، وتعزيز قدرات المعلمين والمتعلمين على توظيف التقنيات الحديثة في التعليم والتعلم، بل رفع كفاءة الإداريين في مؤسسات التعليم وتشجيعهم على تقليل الاعتماد على الورقيات.

 

وبذلك يعتبر التحول الرقمي من أهم العوامل التي يمكن أن تؤثر بالإيجاب على تطور مجتمعاتنا، فقد أصبحت التقنية الرقمية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ورفع جودة الحياة، كما أثرت بشكل كبير على جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وبالتالي، فإن التحول الرقمي يعد حالة اجتماعية كاملة تتطلب تعاونًا ووعيًا شاملاً من الجميع وتدريب مناسب للقائمين عليه أو اختيار أفضل العناصر المتخصصة للانخراط في المنظومات الجديدة القائمة على التحول الرقمي؛ هذا لما يتطلبه التحول الرقمي من تبني تقنيات حديثة مثل الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي والتحليل الضخم للبيانات وتوظيف الإنترنت وتطبيقاته، الذي تمتد شبكته العالمية لتغطي العالم بأسره ليس فقط للاتصال بين البشر بل وبين البشر والآلات، وحتى بين الآلات بعضها البعض فيما يعرف بإنترنت الأشياء والذي أصبح شيئا فشيئا عضو فاعل جديد في كل الممارسات الحياتية اليومية، ومن خلال هذه التقنيات يمكن تحويل الأنظمة القائمة على الورقيات إلى نظم رقمية، وتطوير تطبيقات وأدوات تعمل على تيسير الحياة وتحسين أداء الأعمال، بل أن هذه الرؤية تتضافر مع التوجه العالمي نحو الاستدامة.

 

ويلعب التحول الرقمي دور كبير حتى في تغيير مفاهيمنا عن "العملاء متلقي الخدمة"؛ حيث تعد الاستجابة السريعة والدقيقة لمتطلبات العملاء من أهم فوائد التحول الرقمي، فقد أدى تبني التقنيات الحديثة إلى توفير خدمات أسهل، أسرع، وأفضل وأكثر كفاءة، وتقلل التكاليف وتحسن جودة الخدمات المقدمة، على اختلاف مجالاتها في شتى المؤسسات والوزارات. ويتمثل ذلك في توفير أدوات التحصيل والدفع الإلكترونية ونظم إدارة المعرفة والعلاقات مع العملاء وأنظمة الإنتاجية، وغيرها الكثير تبعًا لاختلاف مجال الخدمة. وإذا طبقنا ذلك في مؤسسات التعليم فإن العميل هو المتعلم، والخدمة هي كل ما يستفيد به أو يتلقاه المتعلم داخل قاعات الدراسة والمكتبات وحتى قبل بداية مواقف التعلم عند التسجيل والالتحاق ودفع المصروفات وغيرها من السياقات التي يمكن أن تستفيد من التحول الرقمي وتقلل من وقت المعاملة وكذلك تقلق من الاعتماد على الورقيات؛ وبذلك يعد التحول الرقمي أمرًا ضروريًا في مؤسسات التعليم، حيث يساعد وفق هذه الرؤية على تحسين جودة التعليم وتحقيق أهداف التعليم بالطرق الحديثة بتحويل الأساليب التقليدية للتدريس والتعليم إلى أساليب حديثة تستخدم تقنيات التعليم وتكنولوجياته بشكل انتقائي ووظيفي، وبالتالي يضمن مخرجات تتفق وسوق العمل العالمي وما يطلبه من مهارات التعامل مع أدوات العصر الحالي، عن طريق تحسين تجربة التعلم للطلاب وتمديد وقت التعلم، حيث يمكنهم الاستفادة من المواد التعليمية على أجهزتهم الذكية والحواسيب الشخصية في أي وقت ومن أي مكان، إضافة إلى تحسين الإدارة التعليمية باستخدام التقنيات الحديثة في تحسين العمليات الإدارية، مثل إدارة البرامج التعليمية وجداول الدراسة والمشاريع والتواصل مع الطلاب وأولياء الأمور، فضلًا عن زيادة الكفاءة وتقليل التكاليف باستخدام التحول الرقمي في تحسين كفاءة المؤسسات التعليمية وتقليل التكاليف المتعلقة بالمواد التعليمية والمكتبات والمعدات التعليمية بتوظيف برامج المعامل الافتراضية ومثيلاتها من التقنيات وتطبيقات ومنصات الاتصال، والتي تضمن لحد بعيد تحسين التفاعل والتواصل بين الطلاب والمدرسين والموظفين في المؤسسات التعليمية، مما يؤدي إلى تحسين الحياة المدرسية والجامعية. ولعل التحول إلى التعلم عن بعد يسهم في مواكبة مؤسساتنا التعليمية إلى ما نشهده من منافسة عالمية في تقديم برامج التعلم والدرجات العلمية بطرق عابرة للحدود، لا يجب معها أن تكون الفرصة متاحة فقط لأبنائنا للحصول على الدرجات العلمية من الخارج، بل يمكن مع تلك الرؤية أن تصبح مؤسساتنا التعليمية صانعة لتلك الفرص التعليمية العالمية وتقديم برامج للحصول على الدرجات العلمية عن بعد.

 

لكن كل الرؤى في بدايتها لابد وأن تواجه بعض الصعوبات، ومن تلك الرؤى التحول الرقمي في مصر والذي قد يواجه من وجهة نظر كاتب هذه المقالة عدة تحديات وصعوبات منها نقص التمويل؛ فقد يكون التمويل غير كافٍ لتنفيذ المشاريع الطموحة التي تستهدف التحول الرقمي في كافة مؤسسات مصر خاصة الخدمية منها وفي القلب منها مؤسساتها التعليمية ما يفرض علينا البحث عن بدائل اقتصادية لكل مكون صلب، وتشجيع الخبراء على الابتكار للمكونات البرمجية اللازمة، إضافة لذلك فإن نقص الموارد البشرية المتخصصة يجعل من الصعب الانتقال من المراحل الأولى للتحول الرقمي إلى التحول الرقمي الشامل المأمول في الوقت المستهدف، كما تشكل قضايا الأمن السيبراني تحديات تتطلب تطوير إجراءات وسياسات أمنية فعالة لحماية البيانات والمعلومات الحكومية والشخصية ويضمن عدم الولوج الخاطئ إليها والتلاعب فيها، وما يلزمها من إجراءات تشريعية وقانونية واضحة وفعالة لضمان التوافق مع القوانين المحلية التي تتفق مع تلك الدولية لحماية حقوق كافة المستخدمين للأدوات الرقمية.

 

ولعل تحول الاهتمام من مجرد محو أمية القراءة والكتابة إلى نشر الوعي والثقافة الرقمية هو ما تحتاجه مصرنا العزيزة لتوعية المواطنين بأهمية التحول الرقمي وفوائده، تمهيدا لتفعيل المواطنة الرقمية، حقوقها وواجباتها، حتى يتماشى ذلك مع الإجراءات التشريعية والقانونية المحلية والدولية، ولا يقل عن ذلك في الأهمية الحرص على إغلاق الفجوة التقنية التي يعاني منها قطاعات عريضة من المواطنين على اختلاف مستوياتهم التعليمية واختلاف اجيالهم، فإن أكبر معوقات التحول الرقمي خاصة في مؤسسات التعليم هي الفجوة بين بعض المعلمين وتلاميذهم، وبعض مدراء المؤسسات التعليمية و مرؤوسيهم؛ غالبًا لصالح المتعلم والمرؤوس؛ وهو ما يوضح بما لا يدع مجالًا لأي شك أن التثقيف والتدريب الجيد على التحول الرقمي ومهاراته المطلوبة، هي كلمات السر التي يجب أن يهتم بها أي مسؤول عن التحول الرقمي في كافة المؤسسات، وفي مؤسسات التعليم على وجه الخصوص.

ترشيحاتنا