صراع أمريكى - روسى على زراعات أوكرانية معدلة وراثيا

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

 

- جيتس من كبار مستثمرى مونسانتو ومؤيد للهندسة الوراثية.. وبوتين معارضًا لها

- بوتين أطلق برنامجا للقضاء على المبيدات الحشرية والمحاصيل المعدلة وراثيا من حقول روسيا

 

دينا توفيق

اختلاق الأزمات وتأجيجها.. تمرير مخططات من أجل الاستحواذ والسيطرة.. يتألم البشر ويتضرعون جوعًا.. يفنى الأبرياء وينجوا الباقون فى انتظار دورهم، إن لم يكن الوباء فحرب ومجاعة؛ ومحاولة إنقاذهم فى حقيقتها ركلة تكاد تقضى على ما تبقى.. لاتزال الحرب دائرة بين روسيا وأوكرانيا، ولكن هناك صراعات وأطراف خفية أخرى داخلها؛ للنهب والسطو على خيرات المنطقة، وخدمة مصالح الأوليجاركية الأمريكية وأتباعهم.. فكانت موسكو وكييف أولوية للطامعين وتزيد المنافسة على أراضيها الزراعية بين الولايات المتحدة وحلفائها وقوة تشعل نيران الحرب..

 

قبل عشرة أشهر من الحرب الروسية الأوكرانية، وقع الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكي، مشروع قانون يسمح للمستثمرين الأجانب والبنوك ذات الاستثمارات الأجنبية بامتلاك الأراضى الزراعية واستغلالها، كانت الإدارة السابقة فى أوكرانيا قد أوقفت الخصخصة ومنع الاستحواذ على الأراضى الزراعية وتوحيدها فى أيدى طبقة الأوليجاركية المحلية والشركات الأجنبية، إلا أن تسويق الأراضى الزراعية كان جزءًا من سلسلة االإصلاحاتب السياسة التى نص عليها صندوق النقد الدولى كشرط مسبق لتمكين أوكرانيا من الحصول على قروض بقيمة 8 مليارات دولار.

 

ووفقًا لدراسة معهد أوكلاند فى كاليفورنيا عام 2014 بعنوان االسير على الجانب الغربي: البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى الصراع الأوكراني، وهذا ما رفضه الرئيس الأوكرانى السابق افيكتور يانولوفيتشب، لإضراره وفى المقابل وافق على عرض موسكو 15 مليار دولار لإنقاذ بلاده؛ ما كان سببًا لدعم واشنطن الإطاحة به عام 2014. ومرر زيلينسكى هذا القانون رغم معارضة أكثر من 64% من الأوكرانيين، وفقًا لاستطلاع أجرى فى أبريل 2021.

 

وتتطلب شروط قرض صندوق النقد الدولى أن تتراجع أوكرانيا عن حظرها استخدام المحاصيل المعدلة وراثيًا، وتمكين الشركات الخاصة مثل مونسانتو الأمريكية، التى تمتلك 30% من السوق العالمية من البذور المعدلة وراثيًا ورش الحقول بمبيداتها، ونتيجة لذلك، تأمل مونسانتو فى كسر المقاطعة التى فرضتها عدة بلدان أوروبية على الذرة وفول الصويا المعدلين وراثيًا. 

 

ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة االفاوب، ونتيجة للحرب فى أوكرانيا وحالات الجفاف التاريخية التى ضربت احزام القمحب فى الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار السلع الغذائية العالمية فى مارس 2022 لتصل إلى أعلى مستوياتها بنسبة 12٫6%. فيما ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 19٫7%، والزيت النباتى بنسبة 23٫2%، والحبوب بنسبة 20٫4%. وفى دول أخرى، اختفت الزيوت والسميد والأرز، بحسب ما نشرته صحيفة اكريستيان ساينس مونيتورب. وتحصد أوكرانيا 80 مليون طن من القمح والذرة والشعير والأرز والدخن. كما توفر روسيا وأوكرانيا أكثر من 25% من القمح فى العالم. وتفوقت روسيا مؤخرًا على الولايات المتحدة وكندا لتصبح الدولة الرائدة فى تصدير القمح عالميًا؛ وأوكرانيا السادسة فى تصديره، لا تستخدم الحبوب فى الخبز والدقيق فحسب، بل تستخدم أيضًا للكحول والوقود وتغذية الحيوانات.

 

وتعتمد الزراعة فى الولايات المتحدة على مدخلين رئيسيين هما العمالة الزراعية المهاجرة والمحاصيل الأحادية للذرة وفول الصويا المعدلة وراثيًا والمحاصيل الأخرى المشبعة بمبيدات مونسانتو المسببة للسرطان. حيث استطاعت الشركة الأمريكية وغيرها من الشركات المصنعة لمبيدات الآفات والأدوية بإخفاء الحقيقة بشأن مخاطر منتجاتها. ولكن فى عام 2018، ووفقًا لصحيفة االجارديانب البريطانية، ظهرت أضرار مبيدات مونسانتو وتم تغريم الشركة 289 مليون دولار كتعويض حصل عليه مواطن أمريكى يدعى اديواين جونسونب بأمر من هيئة المحلفين فى محكمة أمريكية بعد فشل الشركة فى التحذير من خطر أحد منتجاتها Roundup الذى يحتوى على مادة الـجليفوسات، وهو مبيد ضار. وأوضح الكاتب الأمريكى ميتشل كوهين من خلال كتابه االنضال ضد تقرير مونسانتو: سياسة مبيدات الآفات الصادر عام 2019؛ أن السبب الرئيسى فى انتشار وتسهيل استخدام مثل هذه المبيدات القاتلة، هو تواطؤ الوكالات التنظيمية الفيدرالية والعالمية.

 

وقبل ست سنوات، سعى الرئيس الروسى افلاديمير بوتينب إلى اغتنام الفرص الاقتصادية المتعلقة بزراعة الغذاء من خلال معارضة الهندسة الوراثية ومبيدات مونسانتو الأكثر استخدامًا فى العالم. وأطلق برنامجًا للقضاء على المبيدات الحشرية والمحاصيل المعدلة وراثيًا من الحقول الروسية. وكان الهدف هو التنافس مع الولايات المتحدة وكندا باعتبارهما مصدرى الحبوب الأول والثانى فى العالم من خلال التحول إلى المنتجات العضوية، وهو أمر مهم بشكل خاص فى أوروبا بقوانينها الأكثر صرامة فيما يتعلق باستيراد والزراعة المعدلة وراثيًا. وفى نفس الوقت، خططت مونسانتو لافتتاح أول مصنع لها فى روسيا، ولكن فى يونيو 2016، تبنى مجلس الدوما الروسى مشروع قانون يحظر زراعة وتربية النباتات والحيوانات المعدلة وراثيًا، باستثناء ما يتم استخدامه لأغراض البحث العلمي، وفقًا لصحيفة اموسكو تايمز، وبعد بضعة أسابيع، وقع بوتين القانون الفيدرالى رقم 358 الذى يحظر زراعة المحاصيل وتربية الحيوانات المعدلة وراثيًا فى البلاد أمر غير قانوني.

 

ولذلك كان هناك قلق بشأن القوانين الروسية وفقًا لمديرة عمليات مونسانتو فى أوروبا والشرق الأوسط ليتيسيا جونكالفيس، لاعتقادها أن كلا من أوكرانيا وروسيا يمثلان فرصًا طويلة الأجل لأعمال الشركة على الرغم من التحديات الجيوسياسية؛ فالمنطقة ظلت أولوية بالنسبة للشركة. وأثناء لقاء أجرته رويترز مع جونكالفيس مديرة مونسانتو فى أوروبا والشرق الأوسط أكدت على عمل مونسانتو  فى روسيا من خلال شبكة من الشركاء والموزعين المحليين عام 2015 مع رفضها ذكر أسمائهم أو إعطاء تفاصيل مالية عن أعمال الشركة الجارية أو المستقبلية فى البلاد. كان الهدف هو إجبار روسيا على التنازل عن معارضتها لمونسانتو ودعمها للزراعة العضوية؛ المنافسات بين الرأسمالية والجيش الأمريكى وسيطرته على الناتو، سيضع بوتين تحت الضغط. وبحلول فبراير 2017، بعد أقل من عامين من حظر روسيا الهندسة الوراثية، سُمح بافتتاح أول مصنع لشركة مونسانتو فى منطقة كيروف.

 

وفيما بدأت الشركة الأمريكية أعمالها فى أوكرانيا عام 2014، بإنشاء مصنع بذور الذرة، واستثمارات أولية بلغت حوالى 140 مليون دولار، رغم الاحتجاجات الكبيرة فى البلاد ضد البذور المعدلة وراثيًا والاستيلاء على الأراضى من قبل الشركات الأجنبية، ورغم أن القانون الأوكرانى حينها كان يحظر ملكية الأراضى الزراعية للقطاع الخاص، إلا أن القرض الذى تفاوضت الحكومة الأوكرانية عليه مع صندوق النقد الدولى اشترط على إزالة العقبات، مما أدى إلى تحول ملايين الأفدنة البكر إلى أرض قاحلة مسمومة، والإبادة الجماعية البيئية. وبالفعل ضغطت المصالح الغربية كجزء من اتفاقية قرض مع صندوق النقد الدولي، من خلال برامج التكيف الهيكلى التابعة SAPالتابع له بدفع الحكومة الأوكرانية لشراء وزراعة بذور مونسانتو المعدلة وراثيًا كجزء من متطلباتها.

 

وفى الولايات المتحدة، مونسانتو وشركات التكنولوجيا الحيوية الأخرى، تلقت دعمًا من شخصيات كبرى مثل هيلارى كلينتون وبيل جيتس والرئيس السابق باراك أوباما والحالى جو بايدن ورفضوا مطالب الائتلافات المناهضة للكائنات المعدلة وراثيًا.

 

يعد جيتس من كبار مستثمرى مونسانتو ومؤيد للهندسة الوراثية، واغتنم الفرص التى خلقها فيما يتعلق بمستقبل النقص الهائل فى الغذاء وإنتاج الحبوب عالميًا الذى نشهده اليوم، وأصبح عملاق التكنولوجيا أكبر مالك للأراضى الزراعية فى الولايات المتحدة وخارجها، وتوضح دورية Natural Society، دور البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى دفع التكنولوجيا الحيوية فى إدارة الحرب الأخيرة فى أوكرانيا، وأن ما يحدث فى البلاد الآن مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمصالح مونسانتو وغيرها من اللاعبين الكبار فى لعبة الطعام السام، وكشف تقرير عام 2014 فى مجلة The Ecologist أن المعارك السياسية فى أوكرانيا منذ 2014 كانت حول توسع الناتو والسيطرة على خطوط أنابيب الطاقة إلى أوروبا، ولا تزال معركة عالمية كبيرة ولكنها خفية حول البذور المعدلة وراثيًا، وملكية الأراضى الزراعية واستخدامها.

 

اقرأ أيضا: أوكرانيا : 2000 عسكري وقعوا في أسر القوات الروسية 


 

ترشيحاتنا