مسئولة بالصحة العالمية عن جدري القرود: حتى الآن ظهر فى عدد محدود من البلدان .. وأصاب عدداً قليلاً من الناس

د.شيرين النصيرى
د.شيرين النصيرى

هل يجب أن نخاف من فيروس «جدرى القرود»؟.. سؤال مهم يشغل بال الكثيرين منذ تم الإعلان عن خروج الفيروس المكتشف عام 1970 من مناطق تواجده فى إفريقيا إلى أكثر من دولة حول العالم..

 

وبينما تتأرجح الآراء بين «التخويف» و«الطمأنة» من الفيروس، فإن الخبراء رفعوا شعار «لا تخافوا ولكن احذروا»، فخبرة العالم عبر 52 عاما منذ اكتشاف الفيروس من المفترض أنها تزيل الخوف من النفوس، وتجعلنا نقف على أرض صلبة، من حيث توفر معلومات حول أدوات الوقاية والعلاج، ولكن الحذر يأتى من عدم حل اللغز الذى يؤرق العالم منذ تم الإعلان عن أول حالة لمريض خارج نطاق الدول الموبوءة بالمرض، وهذا اللغز يدور حول الأسباب التى أدت لخروج الفيروس عن نطاق المناطق الموبوءة؟. وإلى أن يتم حل هذا اللغز لا نملك إلا أن نتوخى أعلى درجات الحذر، دون أن يؤدى ذلك فى نفس الوقت إلى خوف مرضى يعطل مظاهر الحياة.

 

كانت بداية الحوارات مع الدكتورة شيرين النصيرى، المسئولة الطبية بوحدة التأهب لمخاطر العدوى والوقاية منها بالمكتب الإقليمى لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، والتى أكدت أن المنظمة تعمل على حل لغز ظهور الفيروس فى مناطق غير موبوءة، وأكدت استعداد المنظمة لكل الاحتمالات، وأشارت إلى بعض الإجراءات التى يمكن أن تتخذها الدول فى الوقت الراهن، وتحدثت عن أدوات الوقاية والعلاج المتاحة.. وإلى نص الحوار.

 

ما هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً لسبب الفاشية الحالية الخاصة بجدرى القردة؟

جدرى القردة ليس مرضاً جديداً. لقد كُشِف لأول مرّة عن جدرى القردة بين البشر فى عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات فى المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب أفريقيا، وخصوصاً فى جمهورية الكونغو الديمقراطية التى رُئِى أنها موطونة به، والتى اندلعت فيها فاشية كبرى للمرض فى عامى 1996 و1997.

 


وأُبلغ فى خريف عام 2003 عن وقوع حالات مؤكّدة من جدرى القردة فى المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يشير إلى أنها أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج نطاق القارة الأفريقية، وتبيّن أن معظم المرضى المصابين به كانوا قد خالطوا كلاب البرارى الأليفة-التى تم استيرادها من أفريقيا-مخالطة وثيقة، ومنذ ذلك الحين تظهر فاشيات من جدرى القردة على فترات متقطعة فى البلدان الموبوءة وخارجها لأسباب تتعلق بالسفر، قبل أن تظهر الفاشية الحالية فى بلدان لم يتوطن بها المرض من قبل، وحتى الآن لا يمكن تحديد أسباب قاطعة للفاشية، ونعمل على توسيع معلوماتنا حولها وحول الظروف المحيطة بالمصابين.

 

هل هناك تخوفات من تأثير تلك الفاشية على جهود مكافحة «كوفيد-19»؟

حتى الآن ظهر جدرى القردة فى عدد محدود من البلدان وأصاب عدداً قليلاً من الناس فى نطاق محدود الانتشار، بينما كوفيد-19 اجتاح العالم كله، وبعد مضى قرابة 3 أعوام على الاستجابة لكوفيد-19، أصبحت جهود مكافحة الجائحة أكثر رسوخاً والقائمين عليها أكثر خبرة، ومع ذلك فإن وضع جدرى القردة يتطور سريعاً وقد تتجه بعض البلدان المتضررة إلى إعطائه أولوية على ما عداه من قضايا صحية، ولكن نأمل أن يظل هدف إنهاء جائحة كوفيد-19 فى مقدمة اهتمامات الجميع، ومن جهة منظمة الصحة العالمية فنواصل العمل مع الشركاء على نحو متوازن بحيث لا تطغى مشكلة صحية على ما عداها أو يتم إهمالها والانتقال لغيرها قبل الانتهاء منها.


القواسم المشتركة

ما هى القواسم المشتركة بين فاشية جدرى القردة وجائحة كوفيدـ19؟

تختلف فاشية جدرى القرود عن جائحة كوفيد-19 من حيث المسبب وأنماط انتقال العدوى وكثير من الأعراض، وكوفيدـ19 مرض مستجد حين ظهر لم تكن لدى الناس أى من مناعة ضده، لا علاج له أو لقاح، بعكس مرض جدرى القردة.. أما القواسم المشتركة فهى طرق الاستجابة المتعلقة بإجراءات الصحة العامة من حيث الترصد والمراقبة وتتبع المخالطين وعزلهم مع تقديم العناية اللازمة لهم والحرص على ممارسات النظافة الشخصية وتجنب العدوى.

 

ما هو التقييم الحالى لوضع تلك الفاشية، وهل هناك احتمالات لتحولها لوباء عالمى؟

منذ 13 مايو 2022، تم الإبلاغ عن حالات جدرى القردة إلى منظمة الصحة العالمية من 12 دولة عضو غير متوطنة لفيروس جدرى القردة، عبر ثلاثة أقاليم تابعة لمنظمة الصحة العالمية، ولاتزال التحقيقات الوبائية جارية، ومع ذلك، فإن الحالات المبلغ عنها حتى الآن ليس لها روابط سفر ثابتة إلى المناطق الموبوءة.

 

وحتى 23 مايو، تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن 120 حالة مؤكدة مختبريا، من 16 دولة عضو غير متوطنة لفيروس جدرى القردة، عبر ثلاثة أقاليم تابعة للمنظمة. والوضع آخذ فى التطور وتتوقع منظمة الصحة العالمية أنه سيكون هناك المزيد من حالات جدرى القردة التى تم تحديدها مع توسع المراقبة فى البلدان غير الموبوءة.


متى يمكن أن تطلب المنظمة من الدول اتخاذ إجراءات استثنائية؟
حتى الآن أعداد الإصابات المكتشفة والمبلغ عنها محدودة لكن الوضع يتطور بسرعة ونحن منفتحون على كافة الاحتمالات ونستعد لكل منها، وهناك مراحل لكل فاشية يتم فى ضوئها اتخاذ إجراءات محددة من خلال لجان تقنية متخصصة وفق دراسات وتقييمات دقيقة للوضع الذى تصله الفاشية.


تركز الإجراءات الفورية على رفع الوعى بين أولئك الذين قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بجدرى القردة بمعلومات دقيقة، من أجل وقف المزيد من الانتشار، تعمل منظمة الصحة العالمية أيضًا على تقديم إرشادات لحماية مقدمى الرعاية الصحية فى الخطوط الأمامية وغيرهم من العاملين الصحيين الذين قد يكونون معرضين للخطر مثل عمال النظافة.


وما تطلبه المنظمة من البلدان التى ظهر فيها المرض فى المرحلة الحالية هو كالتالى: اتخاذ تدابير الصحة العامة المكثفة فى البلدان التى ظهرت فيها الإصابات، وتعريف الحالات، بالإضافة إلى تتبع المخالطين وتتبع مصدر العدوى، والاجتهاد فى اكتشاف الحالات ومراقبة ظهور الطفح الجلدى بين أفراد المجتمع المتأثر وتوسيع نطاق الترصد، والقيام بالإجراءات نفسها فى مرافق الرعاية الصحية الأولية والثانوى، كما يجب فحص وعزل أى مريض يشتبه فى إصابته بجدرى القردة وتزويده بالرعاية خلال الفترات المعدية المفترضة والمعروفة.

 

أى أثناء مرحلتى البادرة والطفح الجلدى من المرض، على التوالى، وعلى البلدان الأخرى أن تكون فى حالة تأهب للإشارات المتعلقة بالمرضى الذين يعانون من طفح حويصلى أو بثرى غير عادى، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بالحمى، فى مجموعة من مرافق الرعاية الصحية والمجتمعية، بما فى ذلك مراكز الرعاية الأولية، وعيادات معالجة الحمى، وخدمات الصحة الجنسية، وعيادات الأمراض الجلدية، وينبغى لبلدان الإقليم التى تربطها رحلات سفر بمناطق موطونة، أو بلدان أبلغت عن حدوث فاشيات، لاسيما التى لديها مراكز سفر دولية، أن تتحلى باليقظة، وأن تعزز الترصد فى منافذ الدخول.

 

ونحثُّ بشدة الدولَ الأعضاء على تحديد الحالات المحتملة التى ينطبق عليها تعريف حالة جُدرى القردة، واستقصاء تلك الحالات والإبلاغ عنها، فأى حالات مشتبه فى إصابته بجُدرى القردة ينبغى الإبلاغ عنه من خلال القنوات المنصوص عليها فى اللوائح الصحية الدولية، وينبغى أن يتخذ العاملون الصحيون الذين يقدمون الرعاية إلى المرضى المُشتبه فى إصابتهم بجُدرى القردة أو المؤكَّدة إصابتهم به، الاحتياطاتِ القياسيةَ لمكافحة العدوى. وبناءً على المعلومات المتاحة فى الوقت الحالى، لا توصى المنظمة بفرض أى قيود على السفر إلى، أو التجارة مع، المملكة المتحدة أو أى بلد آخر اكتُشفت فيه حالات.


لقاح الجدرى

هناك جدل بين من يرى أن لقاح الجدرى التقليدى يوفر بعضا من الحماية من جدرى القردة، وبين من يرى أن ذلك غير صحيح.. ما هى الحقيقة؟

لقد ثبت فى الماضى أن التطعيم ضد الجدرى ناجع بنسبة 85% فى الوقاية من جدرى القردة، غير أن كثيرا من الدول لا تملك مخزونا كافيا ضمن المخزون الإستراتيجى الوطنى بعد أن تم استئصال المرض، مع العلم أن بعض البلدان لديها لقاح الجدرى كجزء من المخزونات الوطنية، ومن المُرجّح أن يفضى التطعيم المسبق ضد الجدرى إلى أن يتخذ مرض جدرى القردة مساراً أخف وطأة.

 

هل اللقاح الأمريكى الذى تم إنتاجه لجدرى القردة متوفر بكميات كبيرة؟

لقد تمت الموافقة على لقاح جديد ضد الجدرى وجدرى القردة ولكنه لم يتوفر بعد على نطاق واسع خارج المخزونات الوطنية، لأن هذا المرض لم يكن يحظى بأولوية دولية من قبل. وهذا الأمر يمثل أولوية بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، لأنه من بين الأمراض التى تحتاج إلى المزيد من جهود البحث العالمية والتخطيط للتأهيل، هناك حاجة إلى مزيد من العمل وإلى إتاحة الموارد المالية الكافية.

 

يتحدث البعض عن تقرير صدر عن مؤسسة بيل وميلندا جيتس ومؤتمر ميونيخ للأمن فى مارس الماضى ويشير إلى تحول جدرى القردة إلى وباء عالمى يصيب أعداداً هائلة من البشر. ما صحة هذا التقرير وما جاء فيه؟


التقرير يتحدث عن تمرين محاكاة وتم استخدام جدرى القردة كمثال ودراسة حالة خيالية، ولا ننسى أن هذا المرض ليس جديداً والاستشهاد به أمر طبيعى باعتباره من الأمراض الحيوانية المنشأ التى تسببها فيروسات معروفة وتسبب فاشيات من وقت لآخر، والغرض من هذه المحاكاة التعرف على الفجوات فى مجال السلامة البيولوجية والتأهب على الصعيدين الوطنى والعالمى واستكشاف فرص التحسين والتطوير.

 

اقرأ أيضا: هاني الناظر عن جدرى القرود: الإصابات محدودة ولا تمثل وباء .. وأى إنسان يحتاج لإجراءات احترازية 


 

احمد جلال

محمد البهنساوي

ترشيحاتنا