تغيير البيئة والطقس وتقنيات تعديل المناخ .. أحدث أسلحة الحرب

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

دينا توفيق

حرائق للغابات وفيضانات وأعاصير وذوبان للجليد.. بالنسبة للبعض، فإنها كوارث طبيعية نشاهدها بين الحين والآخر، ولكن فى الحقيقة هى ناتجة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض واحتباس حرارى وانبعاثات كربونية وجميعها بسبب أفعال البشر؛ كالصراع بين الدول الكبرى من أجل الهيمنة والسيطرة، أسلحة وذخائر وحروب دائرة.. والآن يحارب العالم من أجل إنجاز مهمة عسيرة تواجه وتهدد مستقبله، يخوض العالم حرب مع التغيرات المناخية ومحاولات الحد منها.. يسعى إلى تحقيق معادلة صعبة بين الاحتياج للطاقة وتقليل أضرارها على الكوكب.. ومع ذلك يُعد المناخ عاملاً رئيسيًا فى التخطيط العسكرى للولايات المتحدة، وهو عامل أصبح أكثر أهمية لأن تغيره يهدد العمليات فى العديد من مناطق العالم..

 

الآن تلوح فى الأفق فئة جديدة من الأسلحة أكثر كارثية من الحرب النووية؛ لتغيير البيئة والطقس وتقنيات تعديل المناخ، هى الأساليب التى يمكن استخدامها لتحويل أنظمة المناخ والطقس والهندسة الجيولوجية إلى أسلحة حرب؛ فهى إحدى طرق الحروب الحديثة التى يمكن استخدام متغيراتها لهزيمة الأمة المعادية اقتصاديًا واستراتيجيًا وسراً وإلحاق الضرر بها. وفى هذه الحالة، لا يستطيع العدو خوض الحرب بسبب سوء الأحوال الجوية؛ مثل عملية ابوبايب العسكرية الأمريكية، التى كانت سرية واستمرت من عام 1967 حتى عام 1972. 

 

كان الهدف هو تمديد موسم الرياح الموسمية فى جنوب شرق آسيا، حيث أعاقت الأمطار الغزيرة بنجاح اللوجيستيات التكتيكية للجيش الفيتنامي، ويقال إن أول استخدام فعال لتقنية التلاعب بالطقس فى القتال قد حدث أثناء عملية بوباي، ما أدى إلى تعطيل الطرق الزراعية وقطع خطوط الإمدادات الفيتنامية. يذكر أن هذه العملية كلفت الخزينة الأمريكية حينها أكثر من 3.5 مليون دولار. ورغم توقيع الجيش الأمريكى على اتفاقية حظر استخدام تقنيات التغيير فى البيئة لأغراض عسكرية أو لأى أغراض عدائية أخرى (ENMOD)، إلا أنه استخدم تعديل الطقس فى القتال. 

 

كما يعد الشكل الأكثر شيوعًا لتقنية حرب الطقس هو االبذر السحابي، والذى يمكن استخدامه لزيادة المطر أو الثلج. ويمكن استخدام تعديل الطقس فى الحرب لأنه يعمل كسلاح تكتيكى أو سلاح استراتيجى أو طريقة سرية لإضعاف رفاهية الطرف الآخر. وتشير دراسة بتكليف من القوات الجوية الأمريكية عام 1996 بعنوان االطقس كمضاعف للقوة، امتلاك الطقس عام 2025، إلى أن يصبح تعديل الطقس جزءًا من الأمن المحلى والدولى ويمكن إجراؤه من جانب واحد، يمكن أن يكون له تطبيقات هجومية ودفاعية بل ويمكن استخدامه لأغراض الردع. القدرة على توليد هطول الأمطار والضباب والعواصف على الأرض أو تعديل طقس الفضاء، وإنتاج طقس اصطناعى كجزء من مجموعة متكاملة من التقنيات العسكرية.  

 

ويجتمع مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ فى جلاسكو كما هو الحال كل مرة يتم التركيز على انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى (GHG). وبموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992، تلتزم كل دولة على وجه الأرض بتجنب تغير المناخ الخطير، وإيجاد طرق لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى على مستوى العالم بطريقة منصفة. بينما أثار نشطاء السلام فى جلاسكو قضية الجيش الأمريكى باعتباره اأكبر باعث مؤسسى للغازات الدفيئة على الأرضب، تم تجاهل قضية اتعديل الطقس للاستخدام العسكريب بشكل عرضي. يجب أن يكون مفهومًا أيضًا أن أدوات حرب الطقس هى جزء من ترسانة الولايات المتحدة لأسلحة الدمار الشامل وأن استخدامها المقترح من قبل الجيش الأمريكى ضد االأعداء لا يشكل جريمة ضد الإنسانية فحسب، بل يشكل تهديداً لكوكب الأرض.

 

ومع بداية التسعينيات طور الجيش الأمريكى قدرات متقدمة تمكنه من تغيير أنماط الطقس بشكل انتقائي؛ التكنولوجيا التى تم تطويرها هى مشروع برنامج الشفق النشط عالى التردد أو مشروع اهاربب أو (HAARP)، وهو برنامج أبحاث مشترك بين القوات الجوية والبحرية الأمريكية، وكان ملحقًا لمبادرة الدفاع الاستراتيجى احرب النجومب. من وجهة نظر عسكرية، يعد مشروع الهارب، الذى تم إلغاؤه رسميًا عام 2014، سلاح دمار شامل، يعمل من الغلاف الجوى الخارجى وقادر على زعزعة استقرار النظم الزراعية والبيئية فى جميع أنحاء العالم. رسميًا، تم إغلاق برنامج هارب فى مرصد ألاسكا. ومع ذلك، فإن تقنية تعديل الطقس التى يكتنفها السرية هى السائدة. تؤكد وثائق هارب أن التكنولوجيا كانت تعمل بكامل طاقتها اعتبارًا من منتصف التسعينيات.

 

أقر تقرير قناة الأمريكية (CBC) أن مشروع هارب تم فى ألاسكا تحت رعاية القوات الجوية الأمريكية ولديه القدرة على إحداث الأعاصير والزلازل والفيضانات والجفاف، من خلال الطاقة الموجهة التى يمكن استخدامها لتسخين الغلاف الجوى وتحويل الطقس إلى سلاح حرب، خلال العام الماضي، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى ازداد الحديث عن مشروع هارب على تويتر وتيك توك، وسعت وسائل الإعلام الغربية بما فيها افرانس 24ب إلى محاولة نفى ما نشر، ولكن كما شرح الكاتب العلمى البريطانى الأمريكى والمحقق اميك ويستب، فإن فكرة أن البشر يمكنهم التحكم فى جوانب الطقس ليست بعيدة المنال تمامًا، واستطاع تصويب السهام نحو بعض الدول، مثل الصين وروسيا، وعملهما على مشاريع للسيطرة على الطقس لعدة سنوات. لكن فى الوقت الحالي، لدى الولايات المتحدة التكنولوجيا فقط للقيام بأشياء مثل خلق المطر أو تشتيت الضباب على نطاق صغير. لكن االهندسة الجيولوجية، أو عملية تعديل المناخ هى وسيلة تتم دراستها.

 

ويعمل على سبيل المثال بعض العلماء على أفكار مثل رش الجزيئات فى السماء لحجب ضوء الشمس لمكافحة الاحتباس الحراري، أو تعديل مسار الأعاصير، لكن لم يكن لديهم نتائج مقنعة للغاية حتى الآن. مثل ما فعله عملاق التكنولوجى والملياردير الأمريكى ابيل جيتسب العام الماضى بمساعدة علماء هارفارد بإطلاق مشروع الهندسة الجيولوجية الشمسية المسمى بـاتجربة الاضطراب المتحكم فى الستراتوسفيرب .(SCoPEx) ومن خلال نشر ملايين الأطنان من غبار كربونات الكالسيوم (أحد المكونات الأساسية فى الإسمنت) فى السماء، من الناحية النظرية، فإن الغبار الذى يحمله الهواء من شأنه أن يخلق مظلة شمسية عملاقة فى جميع أنحاء العالم، مما يعكس بعض الأشعة والحرارة مرة أخرى إلى الفضاء، ما سيقلل من أشعة الشمس عن طريق تقليل آثار ضوئها.

 

وكواحد من خبراء المناخ الرائدين فى العالم، يحذر ايانوس بازستورب الذى قدم المشورة فى اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ فى باريس عام 2015، من هذه التكنولوجيا التى يمكن أن تؤدى إلى كوارث للمجتمع العالمى أكبر من تغير المناخ. ووفقًا له قد تشعل التكنولوجيا حروبًا مروعة وصراعاً مسلحاً. وهناك خطر آخر، هو أن التكنولوجيا المستخدمة رخيصة، ربما تكلفتها أقل من 10 مليارات دولار سنويًا؛ وهذا يعنى أنه يمكن لأى دولة بمفردها استخدامها لأغراضها الخاصة، ربما كسلاح حرب أو ابتزاز.

 

ووفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية، أعرب أحد كبار علماء المناخ عن قلقه بشأن اهتمام أجهزة المخابرات الأمريكية الواضح بالهندسة الجيولوجية، تسعى هندسة المناخ إلى مكافحة تغيره عن طريق إزالة ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوى أو عن طريق زيادة انعكاسية الأرض بنثر الغبار الفضائى لتقليل دفء الشمس. وقد انتقدها العديد من النشطاء البيئيين، بما فى ذلك انعومى كلاين، لاقتراحها أن إصلاحًا تقنيًا بسيطًا للاحتباس الحرارى بات قاب قوسين أو أدنى، لكن الهندسة الجيولوجية قد يكون لها جانب أكثر شرًا. فيما دق عالم المناخ اآلان روبوكب، ناقوس الخطر بشأن التمويل الجزئى لوكالة المخابرات المركزية لتقرير الأكاديمية الوطنية للعلوم حول الأساليب المختلفة لمكافحة تغير المناخ، وحقيقة أن وكالة المخابرات المركزية لم تشرح اهتمامها فى الهندسة الجيولوجية. وعلى الرغم من أن وكالة المخابرات المركزية وNAS متكتمة بشأن ما قد تكون عليه هذه المخاوف، إلا أن أحد الباحثين يشير إلى أن الهندسة الجيولوجية لديها القدرة على تعطيل الطقس عن عمد لتحقيق أهداف إرهابية أو عسكرية. يبدو أن البرامج المطروحة حول أزمة المناخ تثير المخاوف والشكوك حتى بات كابوسًا عالميًا.

 

اقرأ أيضا: معيط : حريصون على صياغة رؤية أفريقية موحدة.. فى مكافحة التغيرات المناخية


 

ترشيحاتنا