قراءة «البردة الزينبية فى مدح خير البرية» بديوان شوق المسافر 

صورة غلاف الديوان
صورة غلاف الديوان

صدر حديثا ديوان «شوق المسافر» للشاعرة القديرة د. زينب أبو سنة وهو أحدث أعمالها التى شاركت بها فى معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته رقم 53 لعام 2022 م.

والديوان يقع في 90 صفحة، يشتمل على 11 قصيدة عمودية تتصدرهم درة الديوان «البردة الزينبية في مدح خير البرية» وتتضمن 89 بيتا على نغم بحر الكامل وقافية همزية متميزة تناولت رؤية غير تقليدية في مدح خير الأنام النبي صلى الله عليه وسلم. كذلك يضم الديوان  10قصائد  أخرى عمودية أغلبها على نغم بحر البسيط قدمت خلالهم الشاعرة رؤى إبداعية صوفية واجتماعية وإنسانية متفردة.

وقد تضمن الديوان فى مقدمته كلمة للناقد الأدبي الدكتورمحمد محمد عليوة أستاذ النقد والأدب المقارن المساعد بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، حيث أشار إلى أن هذا الديوان من شأنه أن يُعيد للكلمة الشعرية هيبتها وقُدرتها على أن تُعبر تعبيرًا دقيقًا وثيقًا عن الإحساس الإنساني في أعلى أفق من الوجد والانتشاء الروحي، والإبحار في فضاءات الروح المُحلقة في سماوات عالية . 

   كما أوضح  أن الشاعرة تمتلك طاقة  من الإحساس المرهف، الذي بموجبه تتفاعل مع ما يجري فوق الأرض وتحت السماء، وتمتلك قدرة تعبيرية هائلة على أن تجسد هذا الإحساس في كلمات.

كذلك أوضح الناقد الأدبى الدكتور أحمد فرحات  فى كلمته بمقدمة الديوان أن الشاعرة ترتكز على إرث ثقافي ومعرفي كبير، تتجلى مملكتها الفنية الرحبة، والمتنوعة في الشعر فإذا ولجت مملكة الشعر أضفت على روحك حياة الحب والتسبيح والإمتاع. هذا الشعر  الذى إذا قرأته بوعي للتعرف على عالمها شديد الخصوصية والخصوبة.

تجده  ينسجم مع رؤاها الفنية الحالمة، ويتفق مع طبيعتها الإنسانية المتجذرة في أعماقها النفسية. وحتى نلج عالمها الشعري نقف على عنوان لافت «شوق المسافر» والمسافر المشار إليه في العنوان هو الإنسان نفسه، الذي يعدّ نفسه كل لحظة للتأهب للرحلة، معروفة الاتجاه، ومحددة الوجهة، وغير معلومة المغامرة، رحلة تشبه إلى حد ما رحلة الطائرة، فالراكب يصعد طائرته، ويدرك مسبقا أنه بعد عدد من الساعات المحددة سيهبط المكان المحدد، بيد أنه لا يعرف الطريق، ومشاقاته، ومطبات الهواء، ودرجة الأمان، فللرحلة مخاطرها، لكن لا بد منها حتى يتم الوصول. والمسافر الذي يتأهب للسفر الطويل في عنوان الديوان هو ذلك المسافر الذي يستعد للقاء الخالق الأول له، ولا بد له من المرور بمخاطر معروفة مسبقا، لكنه مجهولة النتائج والعواقب. والشوق هنا شوق ذو طبيعة خاصة، لأنه شوق الإنسان إلى خالق الكون وموجده من عدم، وفيه تتجلى نزعات الروح إلى اللقاء المرتقب علها تظفر بخلود سرمدي. 

ومن مظاهر هذا الشوق للمسافر شعر المديح النبوي، حيث تتجلى روح المسافر في غنائية محببة لخير من مشى على قدم، وفيها تظهر الشاعرة نزعات الضعف الإنساني، والتماس وشائج القربى بالحبيب المصطفى لعلها تنال شفاعة منه عند رب الكون وخالقه. فتقول: 

أنا زينبُ الصغرى سميةُ جدتي     بنتُ  البتولِ  كريمةُ الآباءِ

وأبي عليُّ بابُ  علمِ  المُصطفى    الفارسُ  المغوارُ  في  الهيجاءِ

وسليلةُ الحسنين سبطي أحمد   وهما الحليمُ وسيدُ الشهداءِ

جدّي  رسولُ اللهِ وهو  حبيبُه    طه  النذير  وأعظم البشراءِ

وهنا تعلن المسافرة أنها من نسل أحمد، واسمها زينب، سمية جدتها، بنت البتول، كريمة الأصل والفرع، ذرية بعضها من بعض، وهذه السيرة الذاتية المشرفة تلتمس من خلالها شفاعة مأمولة، فهي مقدمة فخرية أعلى من أي شهادة دنيوية، الفخر بالأصل والنسب المحتد، لكنها في الوقت نفسه ضرب من التضرع وطلب الشفاعة والوسيلة في رحلة عجيبة. 

تجيد الشاعرة الخروج من المقدمة إلى الغرض الرئيس في النص الطويل، فتجد الفرصة سانحة لتبدأ مدائحها في الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فهو أهدى إلى الأكوان كل ضياء، يقف الزمان لذكره بثناء، له في العصور ديمومة الإبقاء، ومنحة العطّاء، عم الكون ضاؤه، وتستمر في مداحها أكثر من سبعين بيتا، محبة وشغفا، وغراما برسول الإنسانية كلها. 

وهي بصدد المديح النبوي تنتهج طريقة طريفة لتجسيد المديح وتقريبه إلى المتلقي في نغم متناسق، تثب الكلمات فيه إلى أذن المتلقي بخفة ورشاقة وسهولة فتلتصق بذهنه بيسر، حيث تنتقي مفرداتها من معجم اللغة السهل الممتنع، فلا غرابة فيه، بل يجري المديح على لسانها سهلا ميسورا، وكأنها تمتح من عمق بئر عذبة مياهها، رائق مشربها، مما يجعله ميسور الحفظ والإلقاء للصغار والكبار في آن معا، وأوصي القائمين على مناهج التعليم المصري، بل العربي بالنظر إلى ذلك الضرب من الشعر وافر القيمة، سهل المأخذ، عميق الدلالة. فهو يصلح مادة للمواد التعليمية في المدارس والجامعات، 

وفي كل بيت معنى مستقل ينحو نحو القصة القصيرة جدا، فهو بناء محكم من لدن فكر عميق لصنع معجزة لغوية مغلقة الإحكام، فهذا البناء القصصي المحكم يتبدى فيه الخطاب بين الذات الشاعرة، والمحبوب، كشخصيتين متجاورتين، تأمل فيه الأنثى الأكثر ضعفا، أن يسمح لها الحبيب بجذبة، والجذبة هنا فيها تورية، لها معنيان، أحدهما ظاهر والآخر خفي، مقصود، فالجذبة أي الشدة والقرب، والجذبة أيضا من فعل المجاذيب الدراويش الهائمين في ملكوت ربهم، يبتغون فضلا من الله ومحبة.ويأتي تحديد المكان بقدسيته وعظمته (الروضة) ليميل إليه القلوب والعشاق. ففي كل بيت من أبيات البردة الزينبية تتجلى ملامح القصة القصيرة جدا. 

وفي البردة الزينبية تتجلى ملامح الضعف والوهن الأنثوي أمام مهابة الموقف، وجلال الحدث، وعظمة الممدوح، فتبتهل إليه بخشوع طالبة منه الفضل وتطلب السند والعون، وقت لا ينفع فيه مال ولا بنون. وهي في غمرة انتشائها بالرحلة، لم تنس الهم العام وقضايا أمتها، فلاذت إلى قوى عليا تستمد منها العون والمدد، فتذكرت شكاتها من أمة تناست رحلة المسافر، وظنت أنها لن تحاسب، وحسبت أن مالها يخلدها، فراحت تجأر بالشكوى في ضعف وانكسار لما آل إليه حال الأمة وبني البشر جميعا، ودعت إلى نبذ التطرف والإرهاب من لدن جماعة من بني البشر، شغلتهم الدنيا وتصالحوا مع شيطانيهم، ودأبوا على تدمير الإنسانية.

  وتستمد بردة الدكتورة زينب جمالها وفتنتها من كونها قصيدة طويلة، تجاوزت الثمانين بيتا، لم تكرر الشاعرة القافية مرتين، وهذا يدل على طول نفس الشاعرة، ومداومة اطلاعها وتمرسها على كتابة القصائد الطوال، بجودة وإتقان.   

ويستطرد فرحات أن ديوان شوق المسافر يتضمن تأكيدات عبر منمنات شعرية متعددة، تؤكد على المعاني التي وردت في البردة الزينبية منها مثلا: "الاعتداد بالذات" و"عراقةالاصل ولم تغفل الشاعرة صورة محبوبها، فهو يجب أن يكون مثلها عراقة وأصلا وجرأة وبراءة أميرا؛ وهي صفات تتماس مع طبيعتها .

كذلك يشير فرحات الى طرافة المنزع الزينبي في تناول الشاعرة للمديح النبوي، فهو شعر يجمع بين أمرين: شعر أنثوي كتب في مرحلة شديدة الخصوصية للشاعرة، وهو أيضا شعر فيه نزعات تجديدية لبعض الصور والتراكيب، فهي لم تهبط إلى مستوى السطو أو التأثر بمن سبق، بل حاولت التنوع والتجديد فأضافت صورا جديدا، أشار أن لها بصمة خاصة خالصة لها  .

وقد صدر للشاعرة عدد كبير من الدواوين الشعرية المؤثرة منها الصوفي كديوان (حقيقة الأسماء)، والاجتماعي كديواني (رباعيات طائر الشوك) و(مملكة الفوات)، والعاطفي كديواني (رحلة حب) و(من دفتر القلب)، بخلاف إبداعها في مجال الرواية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر روايتي (مملكة الجوارح) و(مملكة خوزان)، وكذا إبداعها في مجال أدب الطفل الذي كُلل بمنحة المجلس الأعلى للثقافة في أدب الطفل لعام 2021.  

 

ترشيحاتنا