في جامعة المنيا.. «سرقة علمية» عابرة للحدود

واجهة جامعة المنيا
واجهة جامعة المنيا

حوار بين اثنين من الباحثين، بقسم اللغة العربية، في كلية الآداب بجامعة المنيا، يُطلِع، خلاله، أحدُهما صاحبَه على بحث عن معلقة الشاعر الجاهلي الشهير عنترة العبسي عليه اسم عضو هيئة تدريس بالقسم، الباحث الآخر يتعرف عليه سريعا: "هذا البحث قابلني منذ فترة قريبة على الانترنت باسم مؤلف مختلف"، يتحولان معًا إلى "جوجل" على "موبايل" أحدهما.. سريعا يجدان نفس البحث، من ألفه إلى يائه، بشواهده وآرائه وألفاظه، لكنه باسم أستاذ آخر، ينتمي لنفس الكلية، هو رئيس أسبق للقسم؛ الدكتور علاء إسماعيل الحمزاوي، أستاذ اللغويات.

خبر السرقة العلمية الصريحة، انتشر سريعًا بين باحثي وطلاب الكلية وجامعة المنيا كلها، الخبر تسرب إلى رئيس الجامعة وإلى عميد الكلية، ومن ثم حُولت الأزمة إلى لجنة التحقيقات بالجامعة.

 

                        أساس الواقعة

الدكتور حمزاوي كان قد تقدم ببحث تحت عنوان "ملامح سيميائية في معلقة عنترة"، إلى الملتقى الخامس لنادي القصيم الأدبي بالشقيقة السعودية في أكتوبر 2009م، حين كان حمزاوي يعمل بجامعة القصيم، وخصص النادي، الملتقى ليكون عن الشاعر الفارس عنترة العبسي، وبعدها بسنتين، ظهر البحث في كتاب أصدره نادي القصيم هو "بحوث ملتقى عنترة بن شداد: التاريخ والتوظيف الأدبي".

فيما نشرت دكتورة بكلية آداب المنيا بحثًا بعنوان "معلقة عنترة: دراسة سيميائية"، في مجلة الآداب والعلوم الإنسانية التابعة للكلية في مارس 2017، أي بعد ظهور بحث حمزاوي بأكثر من ثماني سنوات.

 

الحمزاوي

 

                     طرفا الأزمة

يعلق علاء الحمزاوي: "الموضوع محرج لأنها زميلة، وهناك مستشار قانوني في الجامعة يباشر تحقيقاته في الأزمة، وبحثي كان جزءًا من نشاط ثقافي وليس بحثًا معمقًا للترقيع، وطوال تلك السنوات لم أعرف شيئا عن بحث الزميلة، حتى فوجئت بـ(بوست) على (فيس بوك) يفجر الأزمة، ولا أخفي عنك سرًا عندما أخبرك أن الكتاب الذي نُشر فيه بحثي ليس معي، أما الزميلة فبررت فعلها بأنه توارد أفكار.. أنا مكسوف لها، ولم تكن تحتاج لبحث كهذا، فلها 16 بحثًا، ويكفيني أن ورقتي نشرت في 2009م، وربما ظنت الزميلة أن ما فعلته سيختفي ولن يدري به أحد، وجزء من هذا التفكير غباء وجزء منه عدم أمانة، فبعض الذكاء كان سيُلزِمها بالإشارة إلى ورقتي، أو إضافة بعض مجهودها إلى ما أخذته".

وما يضايق الدكتور الحمزاوي، أن التحقيقات في الجامعة "زمنها طويل" لأن هناك أزمات كثيرة شبيهة، وكله بحسب الدور.

أما الدكتورة المتهمة بنقل بحث علاء الحمزاوي، فلم ترد على أكثر من خمس اتصالات هاتفية بها، أجريناها لترد وتوضح موقفها.

 

المعمري

 

                     إلى ما وراء الحدود

وعبر الكاتب والإعلامي العُماني سليمان المعمري، انتقل الحادث إلى ما وراء حدود مصر، فكتب على صفحته على "فيسبوك" يتهم الدكتورة بانتحال بحث الدكتور الحمزاوي، بل اتهم جامعة المنيا كلها بالانتحال من النادي السعودي، فتحت عنوان "جامعة مصرية تنتحل ناديًا أدبيًا سعوديًا"، كتب: "البحث المنسوب لـ.... هو نسخة كربونية من بحث علاء الحمزاوي، بما في ذلك آراء الباحث الشخصية من قبيل (فنحن على قناعة بأن الشاعر لم يبدأ نصه بالمقدمة الطللية)، وعبارة (وإذا اضطررنا إلى قبول أحد الرأيين فنحن نميل إلى الرأي الثاني)، غير أن المواضع التي وردت فيها كلمة (الباحث) غيرتها... إلى (الباحثة)".

المعمري، عاد ليكتب في نفس الموضوع في اليوم التالي، عن مراسلات وصلته على الخاص، من الدكتورة "المتهمة بالانتحال"، قائلا: "منذ يومين أتلقى على الخاص رسائل من الدكتورة.... التي نشرتُ عن انتحالها في صفحتي قبل يومين، في اليوم الأول كتبتْ لي (أنا د. ..... التي تقوم سيادتكم بالنشر عنها دون أن تعلم بواطن الأمور بل هناك ظلم لشخصي، أتوسم فيك الرقي فأرجو ألا تظلم بريئا).. وفي اليوم التالي بعثت لي الآية التي تطلب من المؤمنين أن يتبينوا إذا ما جاءهم فاسق بنبأ، ولا أدري لِمَ كثير من المنتحِلين يستكثرون عليَّ أن أكتشف انتحالا بنفسي. لا بُدَّ أن يكون هناك فاسق في المنتصف يزودني بالمعلومات!".

مرة ثالثة، كتب المعمري عن الموضوع، ناقلا اتهامًا للدكتور الحمزاوي بأنه "على علم بالانتحال ولم يفاجأ به، بل هو من سلم البحث لزميلته الدكتورة"، وبأن رئيس الجامعة وعميد الكلية يعلمان أيضًا، متهمًا كلاهما بالتخاذل.

وفي المرة الرابعة، نشر المعمري، صورة، نقلها من صفحة رئيس جامعة المنيا، معلقًا: "رئيس جامعة المنيا في صورة تذكارية مع....، بعد أقل من أسبوع من النشر عن انتحالها".

                          

                     اعترافات رسمية

وبالطبع، هذه الواقعة فتات من حوادث مماثلة، والسند هنا جملة تصريحات رسمية، لمسئولين كبار، فهناك تصريح قديم وجريء، لوزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، بأن "الجامعات المصرية تحتل المركز الأول فى سرقة البحوث العلمية على مستوى العالم"، هذا الاعتراف الحقيقي والكارثي قاله النمنم، من فوق كرسي الوزارة مرتين، إحداهما في برنامج تليفزيونى، والآخر أمام لجنة التعليم فى مجلس النواب.

النمنم

بل إن أشرف الشيحي الذي كان على رأس هرم البحث، حين كان وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي، كرر نفس تصريح النمنم، في ندوة شهدها المئات، في معرض القاهرة الدولي للكتاب، سنة 2017م.

الشيحي

 

فينيس

 

تصريحات الوزيرين، تكشف أن مصر قفزت مركزًا إلى الأمام، في هذا المسار السيئ، وهو السرقة العلمية، إذ إن مسئولة أسبق منهما، هي الدكتورة فينيس كامل جودة، وزيرة البحث العلمي منتصف تسعينات القرن الماضي، قالت إن مصر تحتل المركز الثاني عالميًا في سرقة الأبحاث العلمية.

 

                      نقطة نور

هذه الاعترافات المحبطة، تتناقض مع نقطة نور، تَحُول بيننا وبين اليأس، وهي سمعة الباحث والعالم المصري في الخارج، إذ إن دراسة نشرت عام 2015 بعنوان "البحث العلمي في مصر، علماء بالجملة ورؤية غائبة"، لمركز "هردوا" لدعم التعبير الرقمي، كشف أنّ تعداد العلماء المصريين في الخارج 86 ألف عالم، وأنّ مصر في المركز الأول في عدد العلماء على مستوى العالم، وأنّ من بين المصريين في الخارج 42 عالماً مصرياً في وظيفة رئيس جامعة.

 

                        نماذج قديمة

طوفان السرقة الذي أساء إلى مصر ومؤسساتها البحثية والجامعية، في العقدين الأخيرين، له سوابق كان لها صدى كبيرًا في المجتمع كله، نهايات القرن العشرين، وقتها تفجّرت أزمة مسّت بسمعة رئيس جامعة الأزهر وقتها، ودارت رحاها في ردهات المحاكم، حيث اُتهم بسرقة رسالته العلمية التي كان قد حصل بها على درجة الدكتوراة، سنة 1971م، من كتاب لأحد أساتذته، لكنه بعدها بما يزيد قليلا عن ثلاثين سنة، صار رئيسًا للجامعة.

قضية أخرى وقتها، لكنها لم تمت بعد، لأن صاحبها صار من وجهاء المجتمع الثقافي، بل يُصنف فيلسوفًا ومفكرًا، بعدما ارتقى إلى رئاسة مؤسسة ثقافية هامة، وحصل على جائزة أدبية إقليمية ذات أصل عالمي، عن رواية له أثارت الجدل حول موضوعها وحول أصالتها، حيث رأى البعض أنها مسروقة، من عملين لروائيين أوربيين.

قبل السرقة الأدبية تلك، -التي لم تراعها لجنة تحكيم الجائزة "الإقليمية/ العالمية"-، كان هذا المثقف متهمًا بسرقة رسالته التي حصل بها على درجة الدكتوراة في الفلسفة.

 

                    التعريف والقانون

ويعرِّف موقع المؤسسة العربية للعلوم ونشر الأبحاث، السرقة العلمية بأنها " قيام أحد الطلاب بسرقة أعمال أو أفكار الآخرين، وإدراجها في مقالته أو دراسته على أنها اجتهاد شخصي منه، بدون ذكر المصدر الأصلي".

كانت المحكمة الإدارية العليا قد قالت في حيثيات حكم تصدت به لظاهرة السطو العلمي في الجامعات، عام 2020م: " إن واجب الأمانة العلمية هو أهم ما يتحلى به العالم ويقوم عليه العلم بأن ينسب هذا العلم إلى أهله، وذلك في أي صورة يُنشر فيها هذا العلم سواء في صورة مرجع أو رسالة علمية لنيل درجة علمية أو بحث أو مقالة علمية فى دورية أو مجلة علمية متخصصة تتولى نشرها مؤسسة علمية أو مركز للأبحاث أو نحوها، وبالتالي فإنه يتعين على عضو هيئة التدريس حال الحاجة إلى النقل الحرفي الكامل من مؤلفات الغير أن يشير في مؤلفه إلى ذلك في المواضع كلها محل النقل وإلا مثَل ذلك إخلالاً جسيماً بواجبات ومقتضيات وظيفته كعضو هيئة تدريس بالجامعة، بنسبة علم ليس له إليه وسطوٍ على جهد مجتهد أو فكر عالم وسلبه له ونسبته إليه دون إعمال لفكر أو بذل لجهد أو قدح لزند وهو عمل يتنافى مع الأمانة العلمية التي يجب أن تكون رائد كل باحث في العلم في جميع مجالاته وفي شتى دوربه وعلى الأخص في الجامعات".

 حيثيات المحكمة راعت التفرقة بين الاقتباس المسموح السرقة، قائلة: "يتعين التفرقة بين الاقتباس المباح من المصادر التاريخية المتعددة التي تتعرض لموضوع واحد وبين التعدي المحظور على حقوق الغير بالنقل الحرفي من مؤلفاتهم، ففي الحالة الأولى فإن الاقتباس يكون من الفكر الإنسانى ومراحل تطوره المتعددة وبيئاته المختلفة وهو فكر شارك فى انتاجه مفكرون مجهولون على مدار مراحل التطور البشرى أو قائع تاريخية واحتضنته بيئات ثقافية واجتماعية مختلفة ساهمت فى تهذيبه وتطويره والحفاظ عليه لينهل منه البشر أجمعين، وهو تراث مباح".

 

رجب

 

                 حماية الملكية الفكرية

ويوضح محمد رجب، المحامي: أن بداية تنظيم تلك المسألة كانت عبر القانون رقم 57 لسنة 1939 بشأن العلامات والبيانات التجارية، ثم القانون رقم 132 لسنة 1949 بشأن براءات الاختراعات والرسوم والنماذج الصناعية، عدا أحكام براءات الاختراع الخاصة بالمنتجات الكيميائية المتعلقة بالاغذية والمنتجات الكيميائية الصيدلية، ثم القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حق المؤلف.

ويضيف: ثم جاء قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، الذي واكب انتشار الانترنت، فلم يحدد بشكل مباشر عقوبة لجريمة سرقة الأبحاث العلمية، واكتفى في المادة رقم 32 بمعاقبة كل من قلد بغرض التداول التجاري موضوع اختراع أو نموذج منفعة منحت براءة اختراع عنه، بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، كما نصت المادة 181، من القانون.

ولفت رجب إلى أن القانون لم يُحجّم تلك السرقات، لأن المشكلة في التنفيذ والتطبيق، المشكلة تبدأ من تحرير المحضر، ثم تعامل النيابة مع المحضر، ثم العقوبات، التي لا تصل إلى الحبس، فيستهين بها السارق "المنتحل".

 

 

وتلك نماذج من الحالة التي عرضناها، وما بها من تشابه الذي يصل إلى حد النسخ:

 

 

نموذج 1

بحث القصيم

 

بحث جامعة المنيا

 

 

نموذج 2

بحث القصيم

 

بحث جامعة المنيا

 

 

نموذج 3

بحث القصيم

 

بحث جامعة المنيا

 

 

نموذج 4

بحث القصيم

 

بحث جامعة المنيا

 

 

نموذج 5

بحث القصيم

 

بحث جامعة المنيا

 

ترشيحاتنا