نعم .. العنوان ليس فيه أدنى مبالغة ، فبالفعل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قوة عسكرية واقتصادية ونووية في العالم ، بدأت تدخل عمليا في مرحلة أفول دورها وتأثيرها ووزنها العالمي .
الأفول الأمريكي قد بدأ عمليا ، ومن حيث لا يتخيل الكثيرون بسقوط الاتحاد السوفيتي المنافس الأول للولايات المتحدة ، فعندما أصبحت أمريكا متربعة على عرش العالم بلا عدو ، كان ذلك أول أسباب إنهيارها الداخلي وتآكلها .
وأيضا إنسحاباتها المتتالية من العديد من بقاع العالم ، وعودة الاتحاد السوفيتي القديم ممثلا في روسيا الاتحادية الفتية القوية على يد فلاديمير بوتين ، وتحول الصين إلى منافس قوي وشرس في عالم الإقتصاد ، أدى إلى تراجع الولايات المتحدة إلى المرتبة الثالثة ، كأمر طبيعي ومنطقي ،
ونشهد حاليا ، انهيار داخلي في أمريكا ، بدأت مظاهره بوضوح في عهد الرئيس الأمريكي السابق ترامب ، واستمرت وتواصلت ووصلت إلى حد اقتحام الكونجرس والاشتباكات الدموية بين الأمريكيين ، والاتهامات المتبادلة في تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة ،
ثم اشتدت التحولات الداخلية السلبية داخل المجتمع الأمريكي ، والتي تسير بالتوازي مع التحولات الدولية والعالمية ، حيث شاهدنا احتجاجات لأول مرة تظهر على السطح بعد أن كانت غير معلنة ، وتتمثل في صيحات الاستقلال والانفصال عن الولايات المتحدة ، على غرار ما كان يحدث في بعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ، والتي وصلت إلى حد المطالبة بضرورة استقلال ولاية تكساس ، إحدى أهم الولايات الأمريكية ، والتي سبق لها أن أنجبت وقدمت العديد من الرؤساء الأمريكان ، وتحتل المرتبة الثالثة في العالم في إنتاج وتصدير النفط بعد السعودية وروسيا ، والتي تقدر ب9% من قيمة إجمالي الناتج القومي الأمريكى ، وتصدر بنحو قرابة 40 مليار دولار سنويا إلى الخارج ،
الأكثر من ذلك أن جارتها ولاية أوكلاهوما أعلنت تضامنها معها فى عملية الإنفصال .
إذن الشروخ تتسع وتتزايد وتعلو وتظهر بوضوح في بنية و جسد المجتمع الأمريكي .
بجانب تعاظم الدور الروسي والصيني في أفريقيا ، وفي الشرق الأوسط وفي أمريكا الجنوبية ، والذي وصل إلى حد أن دول مثل فنزويلا وكوبا والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا ، تجاهر بالعداء مع أمريكا ، وتعلن أنها لا تبالى بمحاربتها ،
ولم يعد التواجد الروسي في الشرق الأوسط ، مقصورا على مجرد حلف استراتيجي مع إيران ، ولا تحالف رسمي مع سوريا ، بل أصبح له وجودا ملموسا بالفعل في العديد من البلدان العربية . ونخص منها بالذكر اليمن ، والجزائر ، وتونس ، والجمهورية العراقية ، رغم وجود القواعد الأمريكية داخل أراضيها ، إلا أن علاقاتها مع روسيا والصين تتنامى من خلال الوسيط الإيراني بالطبع .
وظهر التواجد الروسي والصيني أيضا قويا في السودان ، رغم ظروف الحرب الأهلية ، وقيامهما بدور اقتصادي ملموس هناك ،
ناهيك عن دورهما في دعم المقاومة الفلسطينية ، وهو الأمر الذي بدأ يتضح شيئا فشيئا .
حتى القوى العربية التقليدية ، والمعروفة تاريخيا لتبعيتها لأمريكا مثل السعودية والإمارات ، تتمتعان بعلاقات قوية ومتينة مع روسيا والصين ، لدرجة أن الصين لعبت دور الوسيط الأساسي في الصلح بين الرياض وطهران .
بجانب حالة الصعود الإيجابية في العلاقات بين مصر من ناحية ، وروسيا والصين من ناحية أخرى ، ولعل مشروع الضبعة النووي خير دليل على ذلك .
ويُضاف إلى ذلك ، أن هناك تخوفات أوروبية من نجاح ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية ، وهو المعروف برفضه لحلف الناتو ، ورفضه لاستمرار بلاده فيه ، ورفضه لأي أعباء تتحملها الخزانة الأمريكية من أجل الناتو .
هذا الأمر الذي لو حدث وفاز ترامب فى الإنتخابات الرئاسية المقبلة ، ونفذ كلامه فيما يخص الناتو ، يعني أن أوروبا ستبتعد عن دائرة النفوذ الأمريكى .
كل هذه العوامل معا تشير بوضوح إلى أن مرحلة الأفول الأمريكي قد بدأت ، وهذا ما يمكن أن يدركه جيدا علماء التاريخ والاجتماع والسياسة الدولية والأمن القومي في العالم .
ولكن ليس معنى ذلك أن "الغروب" سوف يكون اليوم أو غدا ، وإنما هي مرحلة قد تستمر من 10 إلى 20 عاما ، ولكنها مدة لا تُذكر في تاريخ الشعوب والأمم .
وسوف يتضح هذا الأمر جليا وعمليا ، خلال السنوات القادمة ، ومع العديد من الأحداث والتطورات المتوقعة ، والتي سوف تحدث حتما في العالم في كافة المجالات الحيوية السياسية والاقتصادية والاستراتيجية .
إقرأ أيضا : فيصل مصطفى يكتب.. بدون روتوش: حماة العزة والكرامة
إقرأ أيضا : فيصل مصطفى يكتب .. بدون روتوش : فليرحمك الله يا ناصر