في ذكرى وفاته الثلاثين ..تعرف على التعبير المسرحي في أعمال بليغ حمدي

بليغ حمدي
بليغ حمدي

"لو كان للبرقيات لغة في الموسيقى لكانت ألحان بليغ حمدي هي تلك اللغة" هكذا كتب النقاد عن الملحن الراحل بليغ حمدي، وقالوا "ملحن الجمل المفيدة الجديدة المختصرة"، والآن بعد مرور 30 عاما على رحيله لا زال أيقونة الجملة اللحنية البسيطة المؤثرة، فقد كان بليغ يتعامل مع الموسيقى باعتبارها حالة حب، لم يكن يهمه أن يسرق بعض الملحنين ألحانه أو يتأثروا ببعضها فتخرج في صورة ألحان كتبت عليها أسماؤهم، لكن كان همه الأول أن تصل رسالته التي تحمل بصمته وعشقه إلى الجميع. هذه الحالة جعلت الموسيقى جزءاً منه، فصارت لغته التي يستخدمها ويوصل بها رسائله للجميع.

يقول بليغ: "في مشواري مع عبد الحليم حافظ أحب أن أتوقف عند أغنية "أي دمعة حزن لا"، وقتها كان ابتدا ناس تكتب في المزيكا وهي مش فاهمة حاجة. يعني واحد يقول لك الربع تون مقصور على التعبير المسرحي، أنا أردت أثبت جهلهم من خلال هذه الأغنية، فعملت مقدمتها من مقام السيكا لأبين أنه مقام يصلح أيضاً للتعبير المسرحي. يعني عبد الحليم وهو بيقول "أي دمعة حزن لا" كأنه بيؤدي مسرحية.. كأنه موقف في مسرحية. أنا اعتبرتها كدة ساعة ما بدأت ألحنها وقدمتها للناس بالصورة المسرحية دي.. أكتر واحد أحس بما قصدته من هذه الأغنية هو المرحوم الشاعر عبد الحليم نويرة، كلمني وقالي لي: "بليغ.. إيه اللي انت عامله في الأغنية دي؟ إنت عايز تقول إيه؟"، قلت له: «عايز أقول مسرح»، قال لي: "آه أنا حسيت بكدة!". أما أغنية "والنبي وحشتنا" لشادية، فكانت رسالة إلى بليغ حمدي وليست منه، فعندما عاد ذات مرة من رحلة سفر طويلة في الخارج جرت إليه خادمته، وهي سيدة عجوز كانت تقوم برعايته، وقالت له بكل طيبة قلب "يا بليغ يا ابني.. والنبي وحشتنا وانت غايب عنا.. دا احنا من غيرك ولا حاجة"، وبحسه الموسيقي التقط بليغ الجملة التي تصلح مطلعاً لأغنية، وكتبها على ورقة، ثم اتصل بصديقه الشاعر سيد مرسي طالباً منه أن يصوغها في أغنية فكانت "والنبي وحشتنا.. في غيابك عننا. دا احنا من غيرك ولا حاجة.. وناقصنا كام مليون حاجة".

كان بليغ يقوم في أوقات كثيرة بكتابة كلمات المقاطع الأولى أو مدخل الأغاني التي يشارك في تلحينها ويستكملها من بعده الشعراء، حتى إن وردة قالت "لا توجد أغنية بليغ لحنها لي إلا وشارك في كتابتها لكنه كان يرفض دائماً أن يكتب اسمه عليها"، في أحد الأيام سألتْ السيدة أم كلثوم بليغ حمدي ممازحةً إياه: "تعالى يا واد.. إيه؟ إنت صحيح عملتني كوبري علشان تبعت رسالة للبنت اللي بتحبها؟!".. فقد فهمت ما همست به العيون ورددته الألسن التي تقول إنه أضاف مقاطع في أغنية "بعيد عنك حياتي عذاب"، و"أنساك دا كلام أنساك يا سلام، أهو ده اللي مش ممكن أبداً"، وكان رد فعله مؤكدا لما قالته دون أن يتفوه بكلمه ، فقد كان صوت أم كلثوم أفضل من يوصل رسالة بليغ إلى وردة دون أن تعلم.

قصة الحب الكبير الذي جمع بليغ ووردة، يمكن الاستدلال عليها من أغاني بليغ التي حمّلها رسائله. عندما رفض والدها طلب بليغ بالزواج منها، كتب مطلع أول أغنية لأجلها "وعملت إيه فينا السنين فرقتنا لا.. غيرتنا لا.. ولا دوبت فينا الحنين.. السنين"، وأكمل بعدها صديقه الشاعر محمد حمزة الأغنية ولحنها بليغ الذي صار يدندنها على عوده بين أصدقائه وهم يعرفون أنه يقصد بها وردة، ورفض أن يعطيها لأحد على أمل أن يلتقي بها ثانية فتغنيها، وبعد أشهر قليلة من عودة وردة إلى مصر قامت بغنائها، وأصبحت "العيون السود" الأكثر طلباً فى الإذاعة، والأكثر مبيعاً، كما أصبحت ميثاق الحب بين بليغ ووردة.

تم الزواج العام 1972 لتبدأ سلسلة من أجمل الأغاني التي صارت أفضل رسائل متبادلة بين العشاق، ولم تعد الرسائل غير مباشرة، وإنما صارت صريحة كما حدث في الكوبليه الثاني من الأغنية نفسها "كل غنوة ع الفرح كانت ع الجرح كانت ع الصبر كانت ع الحب كانت.. كتبتها وقلتها كانت عشانك".

حتى في الخصام، كان الصلح يأتي برسالة من بليغ في أغنية. في إحدى المرات كانت وردة في الجزائر بعد خلاف حدث مع زوجها، وكانت أم كلثوم ستسافر إلى الجزائر لإقامة بعض الحفلات هناك، فطلب منها بليغ أن تغني أغنية "بعيد عنك حياتي عذاب" في أولى حفلاتها. ولم تفهم أم كلثوم سر هذا الإلحاح، وعندما عادت وعلمت بالأمر اكتشفت أن الأغنية كانت بمثابة رسالة غرام من بليغ إلى زوجته وردة.

وجاء الانفصال بينهما، لكن الرسائل لم تنتهِ لكن تغير مرسال الغرام بينهما. كل لحن صنعه بليغ لميادة الحناوي كان رسالة غرامية مبطنة إلى وردة فجاءت أغاني: "أنا بعشقك"، و"الحب اللي كان"، و"مش عوايدك"، و"فاتت سنة" التي جاءت بعد سنة ليقول لوردة "فاتت سنة حتى الجواب منهم ما وصلش.. ماقدرشي أنا ع البعد ده أنا ما أقدرش"، حتى شادية حملت رسالة تحكي قصة العشق في أغنية "آه يا اسمراني اللون.. حبيبي يا اسمراني".

لم تقتصر رسائل بليغ على العشق فقط، وإنما في مرحلة الغربة مثلاً بينما كان في باريس بعث برسالة جديدة في أغنية الطير المهاجر لنجاة وخاصة في مقطع "حبايبنا عاملين إيه في الغربة.. فرحانين ولاّ زعلانين.. مرتاحين ولاّ تعبانين"، الذي جمع فيه بين المتناقضين "الفرحانين والزعلانين.. المرتاحين والتعبانين" في نغمة واحدة وإحساس واحد مستحضراً روح المصريين الذين إذا فرحوا وضحكوا نزلت دموعهم قائلين "اللهم اجعله خير"، وفي عز أحزانهم يتغلبون على ذلك بالنكتة الساخرة.

عفاف راضي أيضاً حملت رسالة مهمة عن الغربة، حيث تروي عن قصة حدثت معها قبل حفلة من حفلات أكتوبر التي كان الرئيس الأسبق مبارك سيحضرها، إذ اتصلت ببليغ في باريس وسألته عن أغنية وطنية، فقال لها: «رغم البعد عنك.. عمري ما هانسى إنك.. أمي وإني ابنك»، وكان بليغ هو كاتبها وملحنها. تقول عفاف: "شعرت عندما سمعت الأغنية أنها تصف بدقة حالة بليغ في الغربة، وإنه يوجه من خلالها رسالة إلى المسؤولين في مصر أن يهتموا بقضيته. وطلب بليغ مني ألا أذكر أنها من تأليفه إلا بعد الحفل وقررت أن أغني هذه الأغنية. ولما أذيعت وصلت رسالة بليغ حتى إن الموسيقار حلمي بكر قال لي: أنا بكيت لما سمعت الأغنية لأن بليغ عاملها بدمه".

وتحيى دار الاوبرا المصرية ذكرى الموسيقار الراحل بليغ حمدى خلال حفل فرقة اوبرا الاسكندرية للموسيقى والغناء العربى بقيادة المايسترو الدكتور علاء عبد السلام والمقام فى الثامنة و النصف مساء الخميس 7 سبتمبر على مسرح سيد درويش "اوبرا الاسكندرية ". . بليغ حمدى ولد في 7 أكتوبر عام 1931 وأتقن عزف الة العود في سن التاسعة، التحق بمعهد فؤاد الأول للموسيقي ( معهد الموسيقي العربية حاليا) وبدأ حياته الفنية كمغنى حيث سجل 4 اغانى بالاذاعة المصرية ثم اتجه للتلحين واشتهر عام 1957 عندما قدم أول الحانه لعبد الحليم حافظ (تخونوه) ، بعدها تعاون مع نجوم الطرب المصريين والعرب منهم أم كلثوم ، وردة ، فايزة أحمد ، شادية ، نجاة ، صباح ، ميادة الحناوى ، عزيزة جلال ، على الحجار ، هانى شاكر ، محمد رشدى ، سميرة سعيد ولطيفة ، تميزت الحانه بالبساطة والسهولة وتعددت القابه منها ملك الموسيقى ولحن الشجن ، توفى في 12 سبتمبر 1993 عن عمر يناهز 62 عاما تاركاً ثروة فنية من الالحان لجميع الألوان الغنائية التى تنوعت بين الرومانسية والوطنية والقصائد واغاني الأطفال والابتهالات الدينية ومنها الحانه للشيخ سيد النقشبندى واشهرها مولاى .

 

ترشيحاتنا