رحيل الكوميديا عن مصر..ولاعزاء للجمهور

محمد هنيدي
محمد هنيدي

 

 

رحلت الكوميديا عن مصر, ولم يبق لنا سوى مجموعة من المضحكاتية ثقيلى الظل والدم, ولاعزاء للجمهور..بهذه الكلمات تشعر وكأن دكتور محمد عبد الهادى استاذ التمثيل..والذى تعلم على يديه فى ورش تعليم وتدريس فن التمثيل والاداء الذى ادارها ويديرها اهم واشهر نجوم التمثيل فى مصر حاليا..ينعى الكوميديا وفن الاضحاك فى مصر..وذلك عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعى.

 

والسؤال هنا هل حقا رحلت الكوميديا عن مصر..وهل تحول فن اضحاك الجمهور الى فن الضحك على الجمهور؟!..الاجابة طبعا واضحة لمن يتابع الاعمال الكوميدية التى تعرض حاليا سواء فى السينما او الدراما التلفزيونية..فأغلب هذه الاعمال وليس كلها بالطبع اصبح يعتمد على كوميديا الأفيه ومين بيعلى على مين حتى تحول الحوار مابين نجوم العمل الى مجرد استخفاف ورمى إفيهات من باب الاستظراف.

 

وحتى ولو كان الافيه دمه خفيف فالأعتماد عليه فقط دون احداث درامية تساعد على تأسيسه وتعليته وتصاعد الحدث معه يتحول الى شكل اقرب الى النكتة..فالنكتة مهما كانت حلاوتها ستضحك معها اول مرة ثم تبتسم معها مرة ثانية ولكن بعد ذلك ستصبح نكتة قديمة ولن يضحك معها احد..لذلك فالأفيه الذى يخرج من رحم الموقف ويساعد على تطوير الاحداث وتصاعدها دائما مايكون هو الأفضل للعمل الكوميدى..فكوميديا الموقف هى التى تعيش اما كوميديا الأفيه لها وقت وتتحول الى نكتة قديمة.

 

وماحدث مع الكوميديا وفن الاضحاك بشكله الجديد ظهر مع ميلاد فرقة مسرح مصر والتى كانت تعتمد على الارتجال اكثر من وجود قصة وسياق درامى وخطوط يسير عليها شخوص العمل الفنى..والناس فى البداية عجبها بل انبهرت بظهور جيل جديد من المضحكين الجدد بإفيهاتهم ومرادفات كلماتهم التى تعبر عن جيل جديد من المشاهدين..ونجحوا فى تشكيل وجدان جمهور جديد التف حولهم ووجد فيهم رمز لجيلهم فى شكل لغة الحوار والإفيه.

 

ولكن لم يطور نجوم مسرح مصر من ادائهم وموضوعاتهم التى يتناولوها من خلال عمل درامى مفترض ان يكون متكامل البناء الدرامى..اعتمد هؤلاء المضحكين الجدد على الارضية الجماهيرية التى اكتسبوها مع عروضهم المسرحية التى لاقت اقبالا جماهيريا كاسحا..ولكن لم يعوا هؤلاء النجوم ان التكرار وعصر الأفيه حتى يصل لأخره سيكون سببا فى عزف الجمهور عنهم والبحث عن غيرهم..ولكن للاسف لم يظهر غيرهم وذلك لان المنتجين استسهلوا واعتمدوا عليهم بل وتركوا لهم المساحة لرسم شكل العمل الفنى بما يتناسب معهم كنجوم وليس بما يتناسب مع الشكل الفنى الطبيعى الذى لابد ان يعتمد اولا على سيناريو مكتوب بحرفية وبخفة دم.

 

 

لذلك فالبداية فى ازمة الكوميديا جاءت من استسهال المنتجين بالجرى وراء المضحكين الجدد وتسليمهم مفتاح الكرار والقرار..فجاءت كوميديا بلا مضمون اوهدف..وثانى نقطة وهى الاهم اصبح السيناريو يكتب حسب اهواء النجم فتحول العمل الى شكل قهوة بلدى يرتجل فيها روادها مايشاؤن ويضحكون معها دون الالتفات او الاهتمام بما يضحك الجمهور.

 

المهم هم يضحكون عليها وعليه سيقدموه للمشاهد غضبا عنه وعليه هو ان يؤهل نفسه للضحك غصبا عن نفسه..فتحولت الكوميديا الى فن الاستخفاف والاستظراف وشعر المشاهد انه امام حالة من وجع الدماغ والبطن ف(قفل)منها..خاصة وان هؤلاء ليس لديهم من الخبرات والثقافة الفنية مايؤهلهم ان يتحكموا فى صناعة الضحك او صنع ضحك كما كان يفعل نجوم الفن الكبار فى زمن الفن الجميل عندما كانوا يرتجلون على خشبة المسرح ويضيفوا الى الضحك المكتوب ضحك اكثر واكثر.

 

ولكن فى سياق الدراما المكتوبة..فهم متمكنون من ادواتهم الفنية ويعرفون جيدا البعد والبناء الدرامى للشخصية الفنية التى يجسدونها وكيف تكون مفراداتها وتفكيرها وتاريخ حياتها التى من خلالها يقدموا فن الضحك..فالحكاية ليست مجرد رمى إفيهات والا كانت المسألة توقفت عنذ فن المنولوج واصبح المنولوجيست بطل قومى فى عالم الكوميديا.

 

وبالتالى فى ظل غياب السيناريو المكتوب بحرفية وتسليم مفتاح الكرار والقرار لمجموعة هواة تحولت الكوميديا الى استظراف واستخفاف بعقول المشاهدين..الذين هم اوعى بكثير ممن يظن انه يضحك عليهم لا ان يضحكهم.

 

 

والمثير للدهشة والحزن معا هو ان هناك من النجوم الكبار ماوقع فى فخ هذا الاستظراف ظنا منه انها كوميديا الجيل الجديد فسقط فى حفرة ومن حفرة لدحديرة والخ الخ..وتنازل وضحى بقيمته وتاريخه الفنى فى فن الاضحاك والذى كان ممكن جدا ان يصبح ايقون من ايقونات الكوميديا الكبار مثل هنيدى ومحمد سعد الذين اضاعوا تاريخهم فى فن الكوميديا وما فعلوه من ثورة فى هذا الفن مع نهاية حقبة التسعينيات من القرن الماضى وبداية الالفية الجديدة.

 

وتحقيقهم لإيرادات لم يكن احدا يتخيل انها ممكن ان تتحقق بعيدا عن افلام الزعيم عادل امام ولكنهم نجحوا فى تكسير القاعدة واصبحوا نجوما اسطوريين فى هذه الفترة..ولكن يبدو ان النجاح (خبطهم) على رأسهم وداخوا ولم يستوعبوا المسألة ولم يقدروها حق تقديرها فتعالوا على الكوميديا وظنوا انهم هم الكوميديا وتدريجيا فقدوا نجوميتهم لشباك السينما وكلما حاولوا العودة ازدادوا ابتعادا عن نقطة العودة..وبدلا من ان يكنوا قدوة لمن بعدهم فى اختياراتهم واحترامهم للسيناريو قرروا ان يكونوا هم السيناريو.

 

ولأنها من شغلتهم ولا موهوهبتهم فجاؤا بسيناريوهات ضعيفة اضعفت من مكانتهم اكثر..ومن جاء بعدهم مشى على خطاهم فتخلوا تماما عن فكرة ان السيناريو الجيد هو اساس نجاح اى عمل فنى..وفصلوا الورق كما يطلقوا عليه الان على نفسهم وبفكرهم السطحى فرحلت الكوميديا عن مصر..اللهم لاتزال موجود رائحتها فى نجم مثل بيومى فؤاد ولكنه ايضا فى كثير من الاعمال يقضيها سبوبة ولكنها بالنسبة للمشاهد تصبح سبوبة جميلة دمها خفيف لانه الوحيد الذى يستطيع رسم الضحكة على شفاهم رغم سطحية مايقدمه ولكنه يحاول بخبرته ان يضف له بعد كوميدى.

وكذلك اكرم حسنى الذى تشعر معه انه لايزال هناك امل فى عودة الروح لفن الكوميديا..فهو يعمل على اختيار السيناريو والذى يحاول ان يكون مكتوبا بحرفية..وكذلك هشام ماجد وشيكو بغض النظر عن فيلم ابن الحاج احمد..فهم يعملوا بجدية على السيناريو حتى يخرجوا منه الضحك الحقيقي..ومعهم محمد عادل امام الذى يعتمد على كوميديا الموقف ويقدمها بخفة دم وطبعا احمد مكى ودنيا سمير غانم..كما ان هناك من هم يتمتعون بدم خفيف وموهبة وقدرة على الاضحاك مثل محمد سلام ومحمد ثروت واحمد فتحى ولكنهم ليسوا بنجوم شباك ولكن مجرد وجودهم يشعرك بالطمأنينة فى وجود الحد الادنى من الضحك. فما بالك لو وجدوا مع سيناريوا جيد..اكيد سيزداد ابداعم فى الضحك.

 

وبالتالى وعودة الى كلام د/محمد عبد الهادى فالحل لعودة الكوميديا من جديد هى عودة كتاب الكوميديا من جديد اصحاب الدم الخفيف والموهبة الحقيقية وليس الكتاب الملاكى للنجم الذى يعتقد انه حامى حمى الكوميديا وصاحب الكرة الذى يجب ان يلعب غصبا عن اى احد (ماهى كورته بقى )والمنتجين بيجروا وراه ويصنعوا له الافلام وهو لايعلم انهم بعصروا نجاحه ومع الوقت سيرموه ويبحثوا عن غيره وهكذا..لذلك على من يصل الى القمة عليه الحفظ عليه بالاعتماد اولا على السيناريو الذى هو اساس اى عمل فنى..وعدم الاعتماد على كوميديا وافيهات القهاوى التى مع الوقت تتحول الى كوميديا بلا هدف.

 

ترشيحاتنا