ماذا لو نجحت المبادرة الصينية في تسوية الأزمة الروسية الأوكرانية

الرئيس الصيني
الرئيس الصيني

بعد إعلان بكين قبل أيام مبادرة لحل الأزمة في أوكرانيا، التي تعتبر جزء من مجموعة من المبادرات التي قدمتها الصين لإيجاد حل للعديد من المشكلات الدولية، وتأتي أهمية المبادرة بعد زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو الذي تابعها العالم بأثره، جاءت الزيارة في اليوم الثاني لإصدار المحكمة الجنائية الدولية قراراً بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتعلن للعالم أن الصين تقف إلى جانب بويتن ، وأن الرئيس الروسي شخصية استثنائية تحظى بالاحترام والتقدير من قبل الرئيس الصيني، الذي أصر على التأكيد على عمق العلاقة الشخصية بينهما.

فبعد طرح الصين مبادرة لحل الأزمة في أوكرانيا  في أواخر فبراير وعرضها علي روسيا، وإبداء موافقة روسيا المبدئية وجاء انفتاح الرئيس الروسي على المبادرة والدعم لها، لأنها لم تتطرق مطلقاً إلى فكرة الانسحاب الروسي من الأراضي الأوكرانية، بل دعت إلى وقف إطلاق النار والشروع بالمفاوضات بين الجانبين.

وحظيت المبادرة الصينية بدعم دولي رغم الرفض المبدئي لها من قبل بعض الدول، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، الرفض الأميركي نابع من تخوف الولايات المتحدة من نجاح بكين في مسعاها، وهو ما سيشكل صورة ذهنية عنها كدولة راعية للسلام وساعية من أجل تحقيقه، وبالتالي ستصبح هناك مقارنة على المستوى الدولي بين دور الصين ودور الولايات المتحدة، وهو ما لا تريده أميركا.

بعد أن نجحت  بكين في تحقيق الاتفاق بين السعودية وإيران، وسط عدم ارتياح  أمريكي لأدوار الوساطة التي تسعى بكين لأدائها.

لعل ما يميز الصين عن غيرها من الدول، ويجعلها مؤهلة لأداء دور الوسيط بين الطرفين الروسي والأوكراني، هو موقفها المحايد من هذه الحرب، حيث أدت ومنذ بداية الحرب في أوكرانيا، دور "الموازن الدولي"، فاستطاعت من خلال موقفها المحايد من الحرب تجنيب العالم ويلات حرب عالمية ثالثة.

واتسم الموقف الصيني بـ"الحياد الإيجابي" الناتج من مبادئ السياسة الخارجية الصينية وثوابتها التي لم تتغير؛ فبكين لم تؤيد الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنها في الوقت ذاته أعلنت تفهمها للمخاوف الروسية التي تتعلق بأمنها القومي.

هذا الموقف لقي قبولاً وتفهماً روسياً، لكنه قوبل باستياء غربي وصل حد التهديدات المباشرة لبكين ومطالبتها بالوقوف ضد روسيا وبشكل صريح.

مما لا شك فيه أن تلك الوساطة متشابكة ومعقدة، لكن ما يعزز فرص نجاحها هو الإدراك الصيني لأهمية إشراك الفاعلين الدوليين الحقيقيين في هذه الأزمة (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا).

وإذا نجحت المبادرة الصينية  في التسوية بين روسيا وأوكرانيا سيحدث شرخاً في التحالف الغربي ضد موسكو، بل إن هذا الشرخ قد يحدث قبل ذلك بكثير بين دول مع هذه المبادرة ودول ضدها.

ويبقى السؤال المهم والأكثر تعقيداً: ماذا لو فشلت المبادرة الصينية في إيجاد حل للأزمة في أوكرانيا؟ هل تغير بكين موقفها من الحرب حينها؟ وماذا لو استمر الضغط الغربي على الصين والاستفزاز المستمر لها؟ وهل هناك احتمال للمساومة على وقف الدعم الصيني لموسكو، في مقابل تخلي الولايات المتحدة عن دعمها لتايوان.

إنَّ الصين، وبعد انتهاء من ترتيب أوضاعها الداخلية، وخصوصاً إغلاق ملف "كوفيد 19"، وعودة الحياة إلى طبيعتها في البلاد، وبدء عجلة الإنتاج بالدوران، مروراً بانعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، وانتهاء بانتخاب الرئيس شي جين بينغ لولاية رئاسية ثالثة، انطلقت للانخراط بشكل فاعل في الترويج لنفسها كراعٍ للسلام في العالم.

ترى بكين أن قوتها الناعمة ستكون طريقها للوصول إلى قمة الهرم الدولي، على عكس الولايات المتحدة التي سعت، ومنذ الحرب العالمية الثانية، لتكريس هيمنتها بالقوة، بل القوة المفرطة لو اقتضى الأمر ذلك، فاستخدمت السلاح النووي ضد اليابان لتعطي للعالم درساً مفاده أنها لن تتردد أبداً في ارتكاب أفظع الجرائم ثمناً لبقائها في قمة الهرم الدولي.

من هذه الرؤية، انطلقت بكين لأداء دور "راعي السلام الدولي"، لتحقق نجاحاً كبيراً عبر الاتفاق الذي تحقق بين إيران والمملكة العربية السعودية. هذا الاتفاق مهم جداً بالنسبة إلى بكين، إذ إنه يعزز قوتها الناعمة

هذا الاتفاق شجّع بكين على المضي قدماً لحل أكبر وأهم وأخطر ملف بالنسبة إلى دول العالم جميعاً، وهو الحرب في أوكرانيا.

إن الحرب في أوكرانيا أصبحت حرباً معولمة (عالمية التأثير)، بمعنى أن ارتداداتها وصلت إلى جميع الدول، وخصوصاً على الصعيد الاقتصادي، إذ فاق تأثيرها تأثيرات الحرب العالمية الثانية.

خلال هذه الحرب، بقي الكثير من دول العالم بعيداً عن تأثيراتها، لأنها لم تكن طرفاً فيها أو نتيجة لبعدها الجغرافي عن الدول المتحاربة، لكن الاقتصاد الدولي اليوم أصبح أكثر تشابكاً وتداخلاً، إذ يمكننا تشبيهه بالأواني المستطرقة، فما يحدث في دولة على الصعيد الاقتصادي ستنتقل تأثيراته إلى باقي دول العالم.

ومن هذه الزاوية، فقد أصبح إيجاد حل لهذه الحرب مطلباً عاماً لجميع الدول، وتحديداً الدول الأوربية، فهي الأكثر تضرراً، واقتصاداتها باتت مهددة، وخصوصاً في ظل سباق التسلح الذي انتهجته حكوماتها لدعم أوكرانيا وتزويدها بالأسلحة اللازمة لصمودها في وجه الجيش الروسي.

وعن مقترحات المبادرة نشرت وزارة الخارجية الصينية مقترحا من 12 بندا لتحقيق السلام في أوكرانيا بالتزامن مع الذكرى الأولى على اندلاع الحرب.

ويركز الإعلان الصيني على وقف إطلاق النار بين موسكو وكييف، والشروع في محادثات سلام بين الطرفين لإنهاء الحرب، وجاء الإعلان الصيني بعنوان "موقف الصين تجاه الحل السياسي للأزمة في أوكرانيا".

وينص الإعلان الصيني على البنود التالية:احترام سيادة كل الدول والتخلي عن عقلية الحرب الباردة.

كما نصت البنود إلي وقف الأعمال العدائية باعتبار إن الصراع والحرب لا يفيدان أحد ، والعمل علي استئناف محادثات السلام عبر الحوار والمفاوضات باعتبارهم  الحل الوحيد القابل للتطبيق للأزمة الأوكرانية.

 كمن نصت البنود علي إيجاد حل للأزمة الإنسانية،  بالإضافة إلي حماية المدنيين وتبادل أسرى الحرب وحث الأطراف علي المشاركة في الصراع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، وتفادي مهاجمة المدنيين والمنشآت المدنية وحماية النساء والأطفال والحفاظ على سلامة المنشآت النووية والعمل علي تقليص الأخطار الاستراتيجية: يجب عدم استخدام الأسلحة النووية وتجنب خوض حروب نووية، وينبغي معارضة التهديد باستخدام الأسلحة النووية، وتسهيل تصدير الحبوب،ووقف العقوبات الأحادية الجانب، والحفاظ على استقرار سلاسل الصناعة والتوريد، كما أكدت البنود علي دعم مرحلة إعادة الإعمار.

 

ترشيحاتنا