«خيبتنا» كشفت خيبة «مسرح مصر»

محمد صبحي في مسرحية «خيبتنا»
محمد صبحي في مسرحية «خيبتنا»

- تحول إلى نكتة قديمة تعتمد على سطحية نجومه

- مغامرة عبدالباقى أنقذت المسرح وعبقرية صبحى تعيد هيبته

«خيبتنا» أحدث مسرحيات النجم الكبير محمد صبحي، هذا الفنان العبقرى فنًا وفكرًا خاصة على المسرح الذى افتقدناه كثيرًا منذ انتشار «مسرح مصر». هذا الشكل المسرحى الأقرب إلى الاسكتشات أو السيت كوم الذى لا علاقة له بالدراما وبناؤها وتصاعدها الطبيعى. ومن الطبيعى أن يحدث تطور فى المسرح أو حتى التمرد على الشكل المتعارف عليه، وليس على المضمون القائم عليه الفن المسرحى بشكل عام. فالبحث الدائم على الخروج عن المألوف من اجل جذب الجمهور إلى قاعات المسرح هذا شئ صحي وإيجابى جدًا، ولكن أن يتحول هذا الخروج عن المألوف إلى أساس الشكل والمضمون المسرحي، فهذا يعد هدمًا لقيمة المسرح المصرى.

وما حققه «مسرح مصر» من نجاحات تعتبر أرقاما قياسية ونجاح كبير جدًا لصاحب الفكرة النجم أشرف عبدالباقى، ابن مسرح مصر الحقيقي، حيث تتلمذ على يد الفنان الكبير الراحل عبد المنعم مدبولى أحد أهم رواد المسرح العربي، وعمل مع كبار نجوم المسرح، وشرب منهم «يعنى إيه مسرح».

ولأن فكرة فرقة «مسرح مصر» ولدت في عقل وتفكير عبدالباقى فى ظل ظروف سياسية ومجتمعية متقلبة بعد ثورة يناير، وظهور جيل جديد من جمهور الشباب المنغمس والمنغرس فى عالم افتراضى، مع تفشى واستفحال السوشيال ميديا، كان لابد أن يتعامل معهم بمفرداتهم ولغتهم وتفاصيلهم الجديدة التى تختلف عن جمهور ما قبل يناير 2011. فقدم أشرف عبدالباقى «مسرح مصر» اسما وفعلا جديدا، حيث مسرحيات خفيفة بسيطة الفكر والفن، لا تعتمد على العمق بقدر سطحيتها في طرح الأفكار، ولاقت نجاحا كبيرا على كل المستويات، فهي أولا قدمت جيلاً جديدًا من شباب الفنانين الذين أصبحوا الآن نجوم شباك ولهم جماهيرية عريضة ليس فى مصر فقط بل فى الوطن العربى كله، وهذا طبعا نجاح يحسب لأشرف عبدالباقي، وثانيًا أعاد الرواج للمسرح مرة أخرى والإقبال الجماهيري الكبير الذي افتقدناه كثيرًا بعد يناير 2011، وهذا أيضا نجاح، ومع الوقت بدأت فرق أخرى تظهر على السطح، تحاول تقديم ما يقدمه «مسرح مصر»، وطبعًا لم تحقق نفس النجاحات، لأنه كان مجرد تقليد ومحاولات استنساخ «مسرح مصر»، ولكن دائمًا الأصل يكسب، وظل لسنوات «مسرح مصر» هو المسيطر على الساحة والحركة المصرية والعربية.

ولكن مع الوقت بدأت أضواء نجاح هذه الظاهرة فى الانطفاء، حيث سقط صناعه فى التكرار والاستمرار فى التعمق في السطحية والسذاجة الفنية التي تعتمد على الإيفيهات والاسكتشات التى لاتمت للدراما بصلة، أي أنها أصبحت كالنكتة القديمة التي أضحكتنا في البداية، ولكن مع الوقت أصبحت قديمة، ومع التمسك باستمرارها بنفس الشكل أصبحت سخيفة، وتحول عنها جمهورها وأعطاها ظهره بحثًا عن الجديد.

ولأنه لا يصح إلا الصحيح كان لا بد أن يعود المسرح لـ«مرسحته»، وبعيدًا الخطأ اللغوي لـ«المرسحة» التي كانوا يطلقوها على المسرح في فترة الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، إلا أنه كان ولا بد أن يعود المسرح لقيمته وبنائه وتصاعده الدرامي، من خلال حدوتة درامية تحتوى على الأشخاص والعلاقات المتشابكة والمتصارعة التي تفرز لنا دراما متصاعدة بغض النظر عن نوعية الدراما سواء كوميدي أو تراجيدي، ولكنها دراما متماسكة لها بناء واضح وعمق فني وفكري بعيد عن السطحية والسذاجة.

وهذا ما كان يفعله «مسرح مصر» الذي نجح بشكل مرعب جماهيريًا، ولكن لم يطور نفسه، وبدلاً من أن يأخذ الجمهور الذي تعلق به ليرتقى به وبذوقه، نزل هو إلى سطحية وسذاجة «السوشيال ميديا»، فعزف عنه جمهور العالم الافتراضى، الذى بدأ يتعامل معه على أنه أصبح نكتة قديمة.

ومع عودة الفنان الكبير محمد صبحى إلى مسرح مصر الحقيقي وتقديمه لفكرة المسرح للجميع من خلال ثلاث مسرحيات جديدة، عرض منها تلفزيونيًا مسرحية «خيبتنا» من تأليفه وإخراجه، والذى قدم من خلالها كل فنون المسرح من دراما متماسكة متصاعدة تعتمد على الكوميديا الراقية التي تضحك معها، بل وتفكر في قضايا مهمة يطرحها العمل الفني، فوظيفة الفن فى زمن «السوشيال ميديا» أصبحت ليس فقط الإضحاك أو عرض أعمال للتسلية، ففى ظل غياب فكرة القراءة والبحث والتفكير عن جيل لا يقرأ سوى «بوستات» الفيس بوك و«تويتات» تويتر وصور «إنستجرام»، لابد من الفن أن يقدم العوض عن ذلك بأعمال تمس العقل والوجدان لدى الجمهور، وهذا ما فعله ويفعله نجوم كبار بقيمة محمد صبحى.

وأعتقد أن فنان كبير أيضا بقيمة أشرف عبدالباقى حاول الخروج من فخ سطحية «مسرح مصر» الذي كان له وقته إلى عمل جديد مثل «جريمة فى المعادى»، ولكن محاولات صبحى وحده لا ولن تكفى بالنهوض بالمسرح العربى، لأن فكرة مسرح مصر أصبحت فكرة لا تموت، بل وتشعر أنها تتفرع، حيث أن السطحية أصبحت ليست على المسرح فقط، بل امتدت إلى الأغنية، إذ أطل علينا مطربو المهرجانات بأصواتهم التي تشبه صوت النعير، وكلمات أغانيهم التي تشعر وأنها دعوة للانحلال، وأيضا بعض الأفلام التي يدعى أصحابها أنها أفلام كوميدية، وهي عبارة عن اسكتشات لا دراما ولا فكرة فيها، مجرد إيفيهات يتصارع ويتنافس أبطالها في إلقائها بحثا عن الضحك الساذج. 

وهذا لو استمر واستفحل سيكون سبب في هدم معبد الفن المصرى، وهنا شعر نقيب الموسيقيين بخطورته وكارثيته وكذلك نجوم كبار مثل صبحى وخوفه على حقيقة المسرح المصرى، بل والفن المصرى، الذى يعد رائد الحركة الفنية فى المنطقة العربية، ودخل هؤلاء الكبار فى صراع وتحدى بل وحرب شرسة بين الفن الحقيقي والمحترم، وبين فن التغييب والتغريب والتدمير لأجيال من الجمهور.

وبعيدًا عن نظرية المؤامرة التي يراها البعض خاصة مع إيقاف هانى شاكر لمدعى الفن من أمثال بيكا وشيكا وتيكا، في الوقت الذى يكرمهم قنوات ورجال أعمال وجامعات عربية وإتاحة الفرصة لهم فى أن يضعوهم على قمة الهرم الفنى فى الوطن العربى، وعموما هذا رأى البعض الذى لن نهتم به كثيرا، سواء صواب او خطأ، فقط يجب أن نهتم نحن بأنفسنا وما نقدمه من فن حقيقي يزيد ويعمق من ريادتنا المستمرة من سنوات وسنوات تخطت الـ100 عام، لا بد أن نساند النجم هانى شاكر فى معركته ضد الغناء الهابط وفي السينما والتلفزيون أعتقد اننا نسير بشكل إيجابى يحافظ لنا على الريادة مع ضرورة الاستمرار فى التطور والتطوير وتقديم نجوم جدد بشكل مستمر.

أما عن المسرح فلا بد أن نأخذ من «خيبتنا» قدوة ورمز لنقدم غيرها من المسرحيات المهمة التى ترتقى بذوق الجمهور ولا يجب الاعتماد فقط على النجم محمد صبحى بمفرده فلا بد من اهتمام كل النجوم الكبار والشباب بالبحث الدائم عن أعمال مسرحية تحمي الفن والفكر معًا.  

ترشيحاتنا