رحلة الغناء في مصر.. من العندليب وثومة إلى بيكا وشاكوش وصاصا!

العندليب
العندليب

هيثم وحيد

بعيدًا عن فكرة السيارات التي يصل سعرها إلى ملايين الجنيهات، أو الأجور الخيالية التي يتحصل عليها مطربو المهرجانات والعشوائيات في حفلاتهم وأفراحهم، وخروج أحدهم على الجمهور يعطيه درس في الأخلاق والرزق، وأنه اجتهد وتعب وشقى ليصل إلى ما وصل إليه، وبعيدًا عن كل هذا العبث وحالة الاستعطاف غير المبررة، يبرز سؤال مهم وهو: ماذا يقدم هؤلاء من فن أو محتوى أو موهبة ليصلوا لهذه المنزلة والدرجة العالية من النجومية؟!

الإجابة «لا شيء»، فهؤلاء لا صوت ولا صورة ولا أسلوب ولا رقي ولا (أي حاجة) تدل على أنهم يستحقوا ما وصلوا إليه من نجومية، وهنا نؤكد على فكرة النجومية الفنية التي أساسها الموهبة، ولا علاقة لنا بموضوع الرزق، فالرزق من عند الله، يرزق من يشاء، ولكن كلامنا هنا عن الفن وعن الموهبة التي يمتلكونها، فهل شاكوش وبيكا أو صاصا أو من هم على شاكلتهم فنانين أصلاً؟ بالتأكيد لا علاقة لهم بالفن ولا يملكون أدنى درجات الموهبة.

تخيل أن هؤلاء هم من يشكلوا الوعى والفكر والوجدان  لدى الجمهور في مصر الآن، خاصة الشباب الذي أصبح قدوته بيكا وصاصا، ويرى أن هؤلاء هم مطربينه المفضلين، أي طرب يقدمون وأي غناء يلقونه على مسامعنا، فهل تحولت مصر العندليب وأم كلثوم وعبدالوهاب وصولاً إلى عمرو دياب وحتى تامر حسنى وحماقى، إلى مصر بيكا وشاكوش وصاصا وكزبرة وغيرهم من خضروات المطربين؟

هل أصبح الطرب الذى كنا صناعه ومبدعيه مجرد تاريخ نبكى عليه؟ كيف وصل بنا الحال أن ننجم مثل هؤلاء من فاقدي الموهبة حتى في أسلوب الكلام العادي وليس الغناء والطرب؟ كيف أتيحت لهم المساحة للعبث بعقول الأجيال الجديدة وإقناعهم أن هذا هو الفن؟

كلها تساؤلات تنذر بالشؤم على حال ومستقبل الغناء والطرب في مصر، فمصر كانت الرائدة وصاحبة الريادة الفنية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ونجومها هم من كانوا يشكلون الوعي والوجدان العربي. فجأة تحولت إلى منبع للعبث الفني وأساس لتصدير العاهات الفنية ولا أحد يقول إنه إفراز لواقع وانعكاس لطبيعة مجتمع أصبح الإسفاف أساس حياته، فهذا ليس بصحيح، فالزن على الودان أمر من السحر، فمن كثرة الزن عبر وسائل الاعلام والسوشيال ميديا تصدر هؤلاء المشهد.

في البداية كانوا مثل النكتة التي يضحك عليها الناس، ثم فجأة و(بقدرة قادر) تصدروا المشهد وأصبحوا نجوم المجتمع ورمز للفن في مصر.

فبعيدا عن هؤلاء اصحاب الحناجر المتورمة والاصوت المؤلمة أين اصحاب المواهب الحقيقية والاصوات الجميلة من الشباب الجديد..اذكر لى اسم مطرب شاب جديد او مطربة شابة جديدة يحمل او تحمل الراية الفنية فى مصر بعد جيل حماقى وتامر حسنى وشيرين وأمال ماهر وانغام وطبعا قبلهم الهضبة عمرو دياب..لاأتذكر اسم واحد ممكن يعطينا الامل فى مستقبل فنى غنائى مقبول وليس جيد حتى.

وهذا ليس وليد اللحظة بل انه منذ زمن بعيد وكان المؤشر الفنى الموسيقى فى مصر ينذر بهذا الهبوط الحاد فى الدورة الفنية..بداية من شعبان عبد الرحيم الذى كان يعد حالة بدأت بالنكتة ثم تحولت تدريجيا الى واقع فرض نفسه ليتم تصنيفه كغناء شعبى..وهو بالفعل كان اقرب للغناء الشعبى وكان يملك القدر البسيط من صوت المطرب او المؤدى المقبول..فضلا عن الكلمات التى كان يكتبها له اسامة خليل والتى كانت بعيدة عن الاسفاف او الابتذال بغض النظرعن فكرة اللحن الواحد الذى يغنى به كل اغانيه ولكنها كانت فى العموم مقبولة..ومع الوقت تحولت هذه النكتة الى ايقونة فنية لدى جيل جديد ظهر علينا تحت مسمى المؤدى.

ومع الايام تحول الى مسمى مطربى المهرجانات الذى هم لامطربين ولا لهم علاقة بالمهرجانات سوى الدوشة والإزعاج الفنى..والتى بدئها اوكا واورتيجا..واصبحت مهنة المطربين مهنة من لامهنة له..فكل عاطل او صنايعى او تباع او صبى جزار يتمرد على مهنته ويبحث عن الشهرة والثراء دون تعب او مجهود فعليه بالغناء الذى ليس هو بغناء بقدر انه نشاز ولكن لأنه له صديق يملك لاب توب فى غرفته فوق السطوح التى كانت فى الاساس عشة حمام يربى فيها الحمام ويطيره فقرر ان يغنى وينشر سمومه الفنية ويطيرها عبر وسائل السوشيال ميديا ومع اى كلام مشوه عبثى بموسيقى صاخبة يختفى ورائها هذا الصوت النشاز الذى يعد جريمة ليس فى حق الغناء والطرب بل فى حق مجرد الكلام العادى..فالتضجين والصريخ ونشر الألفاظ الغير لائقة اصبحت هى اهم سمات هذا الشكل من الغناء العبثى.

ولو استمرينا على هذا لن نفقد فقط الريادة الفنية فى المنطقة بل سنفقد هويتنا وذوقنا الفنى داخل حدودنا الخاصة..وتصدير هؤلاء كنجوم للفن والمجتمع سيجعل كل من هب ودب يطمح فى ان يصل الى ماوصلوا له ولاعزاء للموهبين بجد والذين لايجدوا من يساندهم او يشجعهم على تقديم موهبتهم وفنهم.

والسؤال مرة اخرى من سيحمل الراية الفنية فى المستقبل بعيدا عن العاهات الفنية التى اصابت قلب الحياة الفنية فى مصر وتكاد أن تتسبب فى  ان توقف هذا القلب عن النبض؟ اين المنتجين الذين يملكون قدر من الثقافة الفنية.. اين دور الاوبرا المصرية.. اين وأين وأين من ينقذ الساحة الفنية من هؤلاء الأراوجوزات الغنائية..الذين ظنوا انهم انهم مطربين بجد ففى السابق كانوا يستحوا ان يقولوا انهم مطربين واطلقوا على أنفسهم مؤديين مهرجانات..ولكن مع الوقت ومع عبث الحياة التى يعيشونها صدقوا انهم مطربين وانهم صوت مصر واصلح من يغنوا او كما قال احدهم ان  س من المطربين الكبار ابن منير قال عنه اصلح من يغنى الاغانى الوطنية..وهو لايعرف من ابن منير فيهم من قال عنه هذا هل محمد منير ام شريف منير ام اسامة منير ام الراحل سراج منير..أى عبث يقال فى زمن يسيطر فيه اقزام الموهبة وعديمى الثقافة والمعرفة..فقط كل موهبتهم فى تحقيق التريند بأى شكل ولون حتى اصبحت مصر رائدة فى صنع التريند من خلال اراجوزات الفن الجدد.

ترشيحاتنا