«اللعب بالأعراض لعب بالنار» .. تفاصيل مرافعة النيابة العامة في قضية نيرة طالبة العريش

المستشار عبدالخالق فتح الباب رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية خلال المرافعة
المستشار عبدالخالق فتح الباب رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية خلال المرافعة

خلال مرافعتها بقضية نيرة طالبة العريش .. النيابة العامة تحذر من انتهاك حرمة الحياة الخاصة للآخرين

«اللعب بالأعراض .. لعب بالنار» .. كلمات بسيطة، قد يراها البعض جامدة بلا روح، حيث لا يزيد عددها على أربع كلمات، لكنها تحمل بين حروفها معان كثيرة في الحياة، لعلها تحقق الردع القانوني، والمجتمعي لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجرائم المتعلقة بالأعراض، والتي قد يكون محورها «كلمة» .. وأحدث هذه الجرائم التي كان أساسها كلمة -مثلما كشفت النيابة العامة في مرافعتها أمام محكمة الجنايات-، هي قضية انتحار طالبة العريش، فبين «التهديد، وخيانة الأمانة»، كانت «الكلمة» التي انتهت بها حياة نيرة طالبة العريش، حيث انتحرت بسبب «كلمة»، وضاع مستقبل المتهمين بـ«كلمة»، فيما أسدلت محكمة جنايات شمال سيناء، المنعقدة في مجمع محاكم الإسماعيلية، برئاسة المستشار عبد العزيز شاهين، وعضوية المستشارين وائل شعبان حافظ، وسامر ذو الفقار، الستار عن محاكمة المتهمين في الواقعة، حيث عاقبتهما بالسجن 3 سنوات، ومصادرة الهواتف المحمولة، وإحالة الدعوى للمحكمة المدنية المختصة.

وجاءت مرافعة النيابة العامة التي ألقاها المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، أمام هيئة المحكمة قوية، تحمل في كلماتها العديد من الرسائل المجتمعية الهامة، التي تؤكد بحق دور النيابة في إظهار الحقيقة التي تكون بداية لـ الردع القانوني، حيث كشفت المرافعة الكثير من الحقائق، ولم تخل المرافعة من الاستشهاد بآيات الذكر الحكيم، وأحاديث الرسول الكريم، وانتهت المرافعة، بتوجيه رسالتين طالبت خلالها النيابة، الشباب، بضرورة التمسك بالقيم الأصيلة، والتأكيد على أن هناك حرمة للحياة الخاصة، محذرة من انتهاكها، والابتعاد عن ترويع الآخرين، وأن يرحموا الضعيف، وأن يصارحوا أولياء أمورهم بما ارتكبوه من أخطاء، مهما بلغت الأخطاء.

وأشارت النيابة في رسالتها إلى أن كل شيء قابل للإصلاح، وعلى الشباب أن يعلم علم اليقين أن طريق النيابة العامة، وكافة جهات الاختصاص، طريق الحق المبين الذي سيجدون فيه السند، وألا يقنطوا من رحمة الله، وشددت النيابة على أن الانتحار كبيرة من الكبائر.

كما وجهت النيابة، رسالة أخرى إلى أولياء الأمور طالبتهم فيها بالاستماع إلى الأبناء، ومجالستهم، وأن يفهموا فيما يفكرون، وأن يتابعوهم، وأن يكونوا السند والملاذ، إذا ما ألمت بهم المخاطر، وأن يسامحوهم، ويساعدوهم ويلجأوا بهم إلى جهات الاختصاص.

وخلال المرافعة، فاجأ المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، هيئة المحكمة والحضور بالقاعة، بأن استأذن هيئة المحكمة في استحضار روح المجني عليها، لينقل توسلاتها بعدما انقلبت عليها نظرات القاصي، والداني، وطاردتها التساؤلات بين مُنكرٍ ونكيرٍ، وحاصرها إحساس الازدراء القاتل، قائلة: «يا زملائي أجيروني .. أغيثوني .. استروني .. ماذا يُرضيهم لأنفذه، ولو على رقبتي، فليمسحوا ما بيدهم، ولهم مني الدنيا، وما فيها».

وأشار المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، إلى أن النيابة ممثل عن المجتمع، وهي الأمينة على دعواه، والخصم الشريف في القضية التي تموج بالفتن، وخيانة الأمانة، وانتهاك الأعراض، والحرمات، قائلا: «قضية اللعب بالأعراض، وما أدراك ما اللعب بها، فاللعب بالأعراض .. لعب بالنار».

وأوضح «فتح الباب»، أن المجني عليها نشأت في أسرة بسيطة، كان أقصى طموحا لها أن تمتهن الطب، وكان يشهد لها القاصي، والداني بصلاح الدين، وحسن السلوك، والخلق، وطيب السيرة، مؤكدا أنها كباقي البشر تعيش بين الناس عالقة على نعمة الستر، تخطئ ككل بني آدم، فهددها المتهمان، وبثا الرعب في نفسها، فأنهت حياتها.

وأضاف «ممثل النيابة العامة»، أن المتهمة الأولى، وتدعى شروق أحمد كمال، 18 عاما، وهي زميلة المجني عليها، تقاسمت معها السكن بالمدينة الجامعية، واستأمنتها على سرها فلم تؤمنها، وخانت الأمانة، وقامت بفضحها، بكل خسة، ولم ترحم توسلاتها، أما المتهم الثاني، ويدعى طه محمد إبراهيم التميلي، 19 عاما، وهو زميل المجني عليها، والمتهمة الأولى، واستقوت به المتهمة الأولى، على المجني عليها، فلم يرحم ضعفها، وقاد ثورة التخلص المعنوي منها، فقام بتهديدها كتابة، عبر جروب الدفعة بتطبيق «واتس آب»، واستطاع بتهديده أن يفتك بها، وبث الرعب في نفسها.

وأوضح المستشار عبدالخالق فتح الباب، أن بداية الواقعة كانت مع بداية العام الدراسي الحالي، وتحديدا في شهر أكتوبر 2023، عندما التحق كل من المجني عليها، والمتهمين بالفرقة الأولي بكلية الطب البيطري بجامعة العريش، وتزاملت المجني عليها، والمتهمة الأولى، والشاهدتين الخامسة، والسادسة، حيث أقمن جميعا في غرفة السكن بالمدينة الجامعية، حتى وسوس الشيطان للمتهمة الأولى لانتهاك حرمة حياتها الخاصة، فخانت الأمانة، واطلعت على محادثاتها على هاتفها المحمول، وأذاعت أسرارها بين أقرانها.

وأكد المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، على الثقة الكبيرة في فطنة المحكمة في أن تُميز الغث من الثمين، لافتا إلى أنه مهما اختلط في الأوراق، فإن الحقيقة التي لا مفر منها تتمثل في أن المتهمة الأولى خانت أمانة المجني عليها، وانتهكت عرضها، وحرمة حياتها الخاصة بكل خسة، وندالة، كاشفا أنها لم تكتف بذلك، بل أطلعت زملائها على الرسائل التي تخدش الحياء، ووصف ممثل النيابة، المتهم الثاني بأنه لم يكن الناصح الأمين للمتهمة الأولى لكنه ناصرها في غيها، ووضعا المجني عليها تحت وطأة التهديد القاتل .. وطالب ممثل النيابة العامة بتوقيع أقصى العقوبات المقررة قانونا على المتهمين.

من جانبها تنشر «الأخبار المسائي»، نص مرافعة النيابة العامة كاملة، والتي قدمها المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، تحت إشراف إدارة التفتيش القضائي بمكتب النائب العام المستشار محمد شوقي. 

وبدأ المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس استئناف الإسماعيلية، مرافعته بقوله «بسم الله الحق، بسم الله العدل، بسم الله الستار، بسم الله الرحمن الرحيم .. سيادة الرئيس الجليل ... حضرات السادة القضاة، إنه ليروم لي أن أقف هنا اليوم أمام عدالتكم، وفي محرابكم المقدس، في عناية قول الحق تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ».

قضية تموج بالفتن وخيانة الأمانة 

وأضاف ممثل النيابة العامة: «جئتكم بشرف تمثيل النيابة العامة عن المجتمع، الأمينة على دعواه، والخصم الشريف في هذه القضية، هذه القضية التي تموج بالفتن، وخيانة الأمانة، وانتهاك الأعراض والحرمات، قضية اللعب بالأعراض، وما أدراك ما اللعب بها، فاللعب بالأعراض .. لعب بالنار».

وتابع المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية: «انتحرت نيرة .. وضاعت شروق، وطه، قضيتنا اليوم يا سيادة الرئيس، هي جريمة التهديد الكتابي بإفشاء أمور مخدشة بالشرف المصحوب بطلب، المرتبط بجرائم انتهاك حرمة الحياة الخاصة»، حيث قال الله تعالي في محكم تنزيله: بسم الله الرحمن الرحيم «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» .. صدق الله العظيم «الآية ٥٨ من سورة الأحزاب»، وفي الحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَليْهِ وَسَلّمَ: «مَن نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ».

الأمانة ثقيلة والبحث عن الحقيقة فيها أشد ثقلا 

وأوضح المستشار عبدالخالق فتح الباب، قائلا: «سيادة الرئيس الجليل .. لقد كانت الأمانة ثقيلة، وكان البحث عن الحقيقة فيها أشد ثقلا، سمعنا من المتهمَين وسمعنا فيهما، حتى إذا آنسنا من الدعوى اكتمالا، ووجدناها شبّت عن الطوق، جئنا بها لساحتكم المقدسة، سقنا إليكم هذين المتهمين مكبلين بأدلتها، فالمجني عليها في هذه الواقعة هي نيرة صلاح محمود، طالبة بالصف الأول لكلية الطب البيطري بجامعة العريش، ذات الثمانية عشر عاما، نشأت في أسرة بسيطة كسائر الأسر، كانت تحلم بامتهان الطب، شهد لها القاصي، والداني بصلاح الدين، وحسن السلوك، والخُلق، وطيب السيرة، لكنها مثل كل البشر تعيش بين الناس عالقة على نعمة الستر، تُخطئ ككل بني آدم، فهددها المتهمان بما أمسكاه عليها، وبثا الرعب في نفسها، فأودت بحياتها».

بطولة زائفة

وتابع ممثل النيابة: «أما المتهمة الأولى، فهي شروق أحمد كمال، ذات الثمانية عشر عاما، زميلة المجني عليها بالفرقة الأولى بكلية الطب البيطري بجامعة العريش، تقاسمت مع المجني عليها سكنها بالمدينة الجامعية، فاستأمنتها على سرها فلم تؤمنها، فخانت أمانة المعشر لتضيع من أجل بطولة زائفة، ركبها الغرور بامتلاكها نقيصة خليلتها، فأمسكت بتلابيبها، وقامت بفضحها بكل خسة، ولم ترحم توسلاتها، فكانت من الأخسرين».

ثورة التخلص المعنوي

أما المتهم الثاني، فيدعى طه محمد إبراهيم التميلي، ذي التاسعة عشر عاما، زميل المجني عليها والمتهمة الأولى بالفرقة الأولى بكلية الطب البيطري بجامعة العريش، استقوت به المتهمة الأولى على المجني عليها، فلم يرحم ضعفها، وقاد ثورة التخلص المعنوي منها، فقام بتهديدها كتابة في ملاءة مجموعة الدفعة عبر تطبيق واتس آب، ليُحدث تهديده أشد الآثار فتكًا بها، فبث الرعب في نفسها، وغدا مبتهجًا مسرورًا ببكائها من سطوته، نُزعت منه النخوة، وكان من الخاسرين.

خيانة الأمانة وانتهاك حرمة الحياة الخاصة 

وقام المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، بسرد تفاصيل الواقعة قائلا: «سيادة الرئيس الجليل .. حضرات السادة القضاة، بدأت وقائع الدعوى مع بداية العام الدراسي الحالي في أكتوبر من العام الفائت، وقتما التحق كل من المجني عليها، والمتهمين بالفرقة الأولي بكلية الطب البيطري بجامعة العريش، فتزاملت المجني عليها، والمتهمة الأولى والشاهدتين الخامسة، والسادسة بغرفة السكن بالمدينة الجامعية، حتى لاحظوا محادثتها للشاهد الخامس عشر، وهم في جزء منه، فوسوس الشيطان للمتهمة الأولى بانتهاك حرمة حياتها الخاصة، فخانت الأمانة، ودلفت على هاتفها النقال بكلمة السر، مُستأمنها، تُطالع بكل ندالة مكنون أسرارها من محادثات مع آنف الذكر، ثم أذاعت الخبر بين أقرانها .. وهنا تساءل «فتح الباب»، مستنكرا .. خبر ماذا؟ .. إنه فضيحة الشيخة نيرة، حقًا لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ». «الحجرات :12».

صدمة وحسرة وشيطان رجيم 

وأضاف ممثل النيابة العامة: «صدمة، وحسرة حتى تغيّرت النظرة، تغيّرُ لاحظته المجني عليها، حتى تركت غرفتها، وانقطع خبرها، فنقل شيطان رجيم للمتهمة الأولى نبأ حديث المجني عليها عنها بالسوء، فركبها الغرور، ولما لا .. فبيدها ما يُخرس لسانها، ويكسر أنفها، فمن التي تتحدث عن الشرف أهي الشيخة نيرة؟ !! .. فحدثت المتهم الثاني بالأمر، وأطلعته على خبر غريمتها، فاستنهض عزيمته إرضاءً لشريكته، ونادى بمجموعة الدفعة على تطبيق واتس آب .. اسمعوا وعوا، أمر الشيخة التي لها مفضوح، مفضوح يقضي على مستقبلها بالجامعة، والسكن .. أتُحبون أن نأكل في لحمها ميتًا يوم الخميس، أم الجمعة؟ !!، أخبروني .. هلموا جميعاً وأفيدوني، أنذيعه الخميس، أم الجمعة؟!!، فليكن السبت يا طه، قالتها المتهمة الأولى، فكان الاختيار إما الفضيحة أو الاعتذار، فحُدِّثت أخبارها، فحامت حولها النظرات، والأقوال، والتكهنات .. إنها نيرة، قالتها شروق، وقالها طه في غُرف موارب بابها، حتى وصل لعلمها ما يُذاع عن خبرها.

رسالة نيرة لزملائها بعد افتضاح أمرها 

وفي هذه اللحظة بينما كان الجميع متابعا لكلمات ممثل النيابة، المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، انقلبت الأحوال رأسا على عقب عندما طلب السماح له باستحضار روح المجني عليها، قائلا: «فلتسمحوا لي يا سيادة الرئيس، أن نستحضر روح المجني عليها في تلك اللحظة، هذه الشابة حديثة العهد بالحياة، البعيدة عن ذويها، تجابه جُرما بهذا التوحش، انقلبت عليها نظرات القاصي، والداني، طاردتها التساؤلات ما بين مُنكرٍ ونكيرٍ، حاصرها إحساس الازدراء القاتل، يا زملائي أجيروني .. أغيثوني .. استروني .. ماذا يُرضيهم لأنفذه، ولو على رقبتي، فليمسحوا ما بيدهم، ولهم مني الدنيا، وما فيها، يا نيرة اعتذري ولكي الأمان .. فأي أمانٍ بغير ضمانٍ، لكن الأمان بغير ضمانٍ أهون من الفضيحة على رؤوس الأعيان، نظن أنه لسان حالها».

الفصل من الجامعة 

وتابع ممثل النيابة العامة: «توسط الشاهد يوسف محمد عبدالعظيم مطاوع، وطلب من المتهم الثاني جلسة الوساطة بين نيرة، وشروق، فبعد أن تحدد لها يوم السبت، رفض المتهمان الحل، وأبلغا الوسيط يوسف، أن أمر نيرة بيد إدارة الجامعة التي تنامى لعلمها الواقعة برمتها، يالا حسرتي، الجامعة وصل لها أمر فضيحتى، صار فصلي أمراً محتما، هنا نظن يا سيادة الرئيس، انتوت نيرة الرحيل، الأمر يتسع كالنار في الهشيم، فكيف أواجه مجتمع قاسي؟!! .. فلا هو يغفر الذلات، ولا يرحم الغافلات، قالتها بلسانها للشاهد الخامس عشر، إما أن تلوي ذراعي، وهو ذُلٌ إلي الأبد، أو أن تكسر يدي وبعض العز جَلَد، فاختارت لضعفها الموت مجبرة، بدلاً من الحياة بمذلة».


إبراء الذمة .. ومخالفة شرع الله


وأشار رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، قائلا: «يا يوسف، أبلغ هذا، اعتذار نيرة خلال ربع من الساعة، وإلا تنقلب الأمور على عقبيها، إنه قرار طه، وشروق الأخير، فأبلغ يوسف نيرة، فانصاعت مُرغمة، وكتبت الاعتذار، لتبرئ ذمتها، ثم تعاطت سُمًا زعافًا تحت وطأة الرعب، والشعور بالعار، والإهانة، فخالفت شرع الله الذي نهى عن القنوت من رحمته، وقتل الذات بظن، وبعض الظن إثم، أن الموت لجل الستر أولى».

وتابع ممثل النيابة: «للأسف يا سادة، انتحرت نيرة لجل ألا تظهر تلك المحادثات للعلن، وها هي رهن علانية المحاكمة، إنها حقًا سوءة الأوراق».

وهنا كان المستشار عبدالخالق فتح الباب، قد انتهى في حديثه عما يخص ظروف وملابسات الواقعة، حيث انتقل بحديثه عن مواد القانون، بقوله : «سيادة الرئيس الجليل .. حضرات السادة القضاة، تلك وقائع الدعوى، فأما عن حديث القانون، فنعلم أنه لا يجوز في حضرة سادات القانون، أن تُطرح مواده وشروحه، لأنكم أعلم به منا، لكنه شغف تلميذ العلم الذي يقف على باب أساتذته كي ينهل من فيض علمهم، فعلمتنونا أن القانون قد اشترط في جريمة التهديد، أن يحصل التهديد بارتكاب جريمة ضد النفس، أو المال، أو بإفشاء أمور، أو نسبة أمور مُخدشة للشرف، ولا يُشترط أن تُذكر صراحًة، بل يكفي التلميح بها، أو الإشارة إليها على وجه يجعلها مفهومة للمجني عليه، وقد اشترط أيضًا أن يكون مصحوبًا بطلب، أو تكليف بأمر، وقد جاء النص على الأمر، أو الطلب مُطلقًا .. وأما الكتابة، وذلك الشرط يكتمل به الركن المادي طالما توافر مع الأركان الأخرى، وذلك لتوقيع عقوبة السَجن، ولم يقيد القانون الكتابة بوضع خاص».

القصد الجنائي

وتابع: «أما عن القصد الجنائي، وهو أن يكون الجاني مُدركًا وقت ارتكاب الجريمة أن قوله أو كتابته من شأن أيهُما أن يُزعج المجني عليه، وقد يكرهه في صورة التهديد المصحوب بطلب، أو تكليف بأمر على أداء ما هو مطلوب منه، أو فعل ما هو مأمور به، ولا يشترط بعد ذلك أن يكون الجاني قصد تنفيذ ما هدد به، أو أن تهديده قد أحدث الأثر المطلوب لدى المجني عليه، فالجريمة تتم بمُجرد التهديد، ولا عبرة بالبواعث، والأغراض فيُعاقَب على الفعل ولو قصد الجاني إحداث الأثر المطلوب، ولو على سبيل المزاح».

وأضاف ممثل النيابة: «وفي هذا استقر قضاؤكم على أن جناية التهديد المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 327 من قانون العقوبات تتوافر إذا وقع التهديد كتابة بارتكاب جريمة ضد النفس، أو المال، وكان التهديد مصحوباً بطلب، أو تكليف بأمر، وكان مصطلح الكتابة قد ورد في المادة 327 سالفة الذكر على سبيل البيان في صيغة عامة لتشمل كافة وسائل الكتابة المختلفة سواء كانت بالطرق التقليدية، أو بإحدى الوسائل الإلكترونية الحديثة فإذا ثبت إرسال المتهمين عبارات التهديد عن طريق الوسائط الإلكترونية الحديثة - وهي لوحة المفاتيح - بقصد إيقاع الخوف في نفس المجني عليها لحملها على أداء ما هو مطلوب فإنه يكون قد استظهر أركان جريمة التهديد كما هي معرفة به في القانون .. (الطعن رقم ١٥٤٨٥ لسنة ٩٢ ق – جلسة ١٨/١٠/٢٠٢٣).. وأما بعد ؛ فسنشرع الآن في سرد الدليل على الواقعة، امتثالاً للأمر الكريم .. «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»، «سورة النمل آية 64».. والدليل في هذه الدعوى قد استقام بلوغًا من الجزم واليقين على صحتها، وصحة نسبتها للمتهمين الماثلين، وقد تنوع ما بين أدلة قولية، وفنية، ومادية.

وأوضح المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، خلال مرافعة النيابة العامة، قائلا: «أما الدليل القولي، فها هو لسان المتهمين يشهد عليهم في يومهم هذا، حيث أقرا المتهمان بجرمهما، إقراراً حُرًا طليقًا، تطابق مع ماديات الواقعة كما يتطابق القفاز باليد، فالمتهمة الأولى أقرت بأنها خانت الأمانة، وانتهكت حرمة حياة المجني عليها الخاصة»، إذ قالت نصاً في التحقيقات: «أنا خليتها بتستحمى في الحمام، وفتحت تليفونها لقيت الشات اللي بينها، وبين باسم كبير، وكله كلام قلة أدب، وإحنا مذكورين فيه»، وقالت أيضا: «أنا معايا كلمة السر الخاص بها، وهي معاها كلمة السر الخاصة بينا بحكم الزمالة»، وأضافت : «أنا أخدتها على تليفوني –تقصد المحادثات– ووريتها لولاء، ومريم »، ثم قالت عن تهديد المتهم الثاني للمجني عليها: «إذا لم تعتذر لها، أنا قلتله إن نيرة بتجيب في سيرتنا، وفي سمعتنا رغم إنها بتكلم ولاد، وبتصور نفسها لواحد اسمه باسم، وهو مصدقش، وقالي ابعتيلي إسكرينات من الحاجة دي، وهو هدد نيرة على الجروب بس مذكرش اسمها، ولا إن معاه إسكرينات، كان الكلام كله على المغطي بأن هو كان بيتكلم بصيغة ولد، علشان محدش يعرف إنها نيرة بس الكلام كان على نيرة».

وعن قصد المتهم الثاني، بالتهديد قررت أيضا المتهمة الأولى: «هو قصده يهددها بنشر الإسكرينات اللي معاه إذا مسكتتش عن التعرض لينا في الكلام اللي يخص سمعتنا، وكان هذا التهديد مصحوب بطلب وهو أنها تتأسفلي على جروب الدفعة».

وأضاف ممثل النيابة العامة: وأقر المتهم الثاني بأن المتهمة الأولى أفضت له بخلافها مع المجني عليها، وأنها قد تحصلت على المحادثات الخاصة بالمجني عليها من هاتفها خلسة، إذ قرر خلال التحقيقات بأن «نيرة بتتكلم في ضهر شروق بكلام مش كويس، وإن أنا وهي بنحب بعض وده كلام محصلش، وإن شروق أخدت الشات اللي بين نيرة، وبين باسم من تليفونها خلسة، وشروق هي اللي قالتلي»، مضيفا أنه هو من كتب التعليقات الخاصة بتهديد المجني عليها على مجموعة الدفعة على تطبيق واتس آب، حيث قال في التحقيقات «هو أنا دخلت على الجروب وكتبت البوستات الخاصة بالواقعة، كان الكلام كله على المغطي بصيغة ولد علشان محدش يعرف إنها نيرة بس الكلام كان على نيرة»، ثم عاد بعد مواجهته بأقوال المتهمة الأولى بأنها أمدته بصور من المحادثات الخاصة بالمجني عليها حيث قال: «هي اديتني صور من الإسكرينات، دي بس أنا مسحتها»، وعن دور الشاهد يوسف محمد عبد العظيم إبراهيم مطاوع، فقال: «يوسف كلمني عن إن نيرة زعلانة على أساس إنها بتقول إنكم بتقصدوها في الجروب، وأنا قولتله إحنا مش عايزين منها غير إنها تبطل كلام علينا في الجروب وروحت قولتله علي الحاجات اللي شروق ورتهالي اللي هي خاصة بالمحادثات اللي بين نيرة، وباسم وطلبت منه إن هي متجبش سيرتنا على لسانها، وهو قالي أنه هيشوف الموضوع ويحله»، ثم أقر بأنه هدد المجني عليها شفاهة بواسطة الشاهد يوسف محمد عبد العظيم إبراهيم مطاوع، بإبلاغ المجني عليها أن تعتذر خلال ربع الساعة، وإلا سينفذ التهديد، حيث قال: «لما شروق كلمتني بتقولي إن نيرة اتأسفت على الخاص، وإن أم شروق كلمت نيرة، وقالتلها لو معتذرتيش في خلال ربع ساعة هتخذ الإجراءات فروحت أنا كلمت يوسف علشان أنا شفت بادرة أمل وقد نجحت الوساطة باعتذار نيرة»، ثم أقر ما قرره ذلك الشاهد بشأن تلك المحادثة بالتحقيقات، ثم أقر بصحة ما طالعته النيابة العامة بالهواتف النقالة بشأن عبارات التهديد الحاصلة على ما يسمى بمجموعة الدفعة عبر تطبيق واتس آب ووجود نسخة من المحادثات الخاصة بالمجني عليها في هاتف المتهمة الأولى وصحة ما توصل إليه تقرير المساعدات الفنية بشأن فحص الهواتف النقالة، وأقر المتهم الثاني بصوته في المقاطع الصوتية المقدمة من الشاهد الرابع  وهو يقول فيه «أنا بهددها بس».

وأكد ممثل النيابة، المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، على تطابق هذا الإقرار مع ما شهد به 16 شاهدًا هم كل من «يوسف محمد عبدالعظيم، ومحمد عبدالوهاب محمد، ومريم عبدالرحمن محمد، وولاء سيد فتحي، وملك أمجد عليوة، وأمنية حمدي محمود، وهنا موسى عبدالجبار، وإسراء محمود عبدالفتاح، وهاجر حازم أبوالعز، وحبيبة محمد محمد عبدالواحد، وهاجر سعد عبدالرحمن، وهداية سعد عبدالرحمن، وصلاح محمود عبدالرازق، ونشوي جمعة عاشور، ونادية صلاح محمود، وباسم أسامة محمد»، بالإضافة إلى ما شهد به مجري التحريات اللواء عبد الواحد الصيرفي، حيث أكد الجميع صحة الواقعة على نحو ما ورد بإقرارات المتهمين بأن المتهمة الأولى قد تحصلت على المحادثات الخاصة بالمجني عليه من هاتفها خلسة، وأمدت بها المتهم الثاني الذي هددها بها على مجموعة الدفعة عبر تطبيق واتس آب، وأنها انصاعت لطلبهما، وكتبت الاعتذار قبل أن تودي بحياتها.

وتابع ممثل النيابة المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية: «أما عن الدليل المادي، فقد ثبت مِن خلال مطالعة النيابة العامة هاتف الشاهد الخامس عشر، تضمنه محادثة خاصة مُخدشة بالشرف جَرَت بينه، والمجني عليها، ثم ثبت مِن خلال مطالعة النيابة العامة هاتف المتهمة الأولى احتوائه نُسخة نصية مِن بعض المحادثة التي تضمنها الهاتف الخاص بالشاهد الخامس عشر، والتي جرت بينه، والمجني عليها، كما ثبت مِن خلال مطالعة النيابة العامة لمجموعة الواتس آب الخاصة بالفرقة الأولى مِن كلية الطب البيطري بجامعة العريش، والمنشأة تحت اسم «Vetrinary Medicine»، مِن خلال الهاتف الخاص بالشاهدة الخامسة، والمتهمة الأولى تضمنها تهديدات مِن المتهمَين لأحد أعضائها مُشيرين -تلميحًا- للمجني عليها، بنشر محتوى فاضح عنها ما لم تتقدم بالاعتذار للأولى منهما وامتثالها لطلبهم».

وأضاف ممثل النيابة العامة: «وثبت مِن خلال مطالعة النيابة العامة لهاتف الشاهد الرابع مُشاركة المتهم الثاني معه عبر تطبيق مراسلات الواتس آب لقطات شاشة للمحادثة التي هدد المجني عليها بإفشائها ورسائل صوتية تضمنَّت إقراره بواقعة التهديد وآثارها في نفس المجني عليها، كما ثبت أيضا مِن خلال مطالعة النيابة العامة لهاتف المجني عليها تضمنه محادثة فيما بينها والمتهمة الأولى تضمنت أسفها لها خلالها، وأعقبها تهديد المتهمة الأولى لها بتفاقم الأمر ما لم تتقدم بالاعتذار علنًا عبر مجموعة زملاء دراستها آنفة البيان».

أما عن الدليل الفني فأعلن ممثل النيابة العامة المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، أن التقرير الفني لقسم البحوث، والمساعدات الفنية بإدارة مكافحة جرائم تقنية المعلومات بوزارة الداخلية، أثبت أنه تبين من فحص الهواتف النقالة للمتهمين وبعض الشهود لصحة وجود الملف الإلكتروني للمحادثات الخاصة بالمجني عليها وآخر – آنفة الذكر – بهاتف المتهمة الأولى، وتبين وجود ما يسمى بمجموعة الدفعة وبه عبارات التهديد التي كتبها المتهم الأول وكذا الإعتذار التي كتبته المجني عليها.

وتابع ممثل النيابة المستشار عبد الخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، قائلا: «سيادة الرئيس الجليل .. حضرات السادة القضاة، ختامًا، إننا نثق في فطنة المحكمة الموقرة في أن تُميّز الغث من الثمين، فمهما اختلط في الأوراق، فإن الحقيقة التي لا فكاك منها، إن المتهمة الأولى خانت أمانة المجني عليها، وانتهكت عرضها، وحرمة حياتها الخاصة بكل خسة وندالة، ولم تكتفِ بذلك، بل أطلعت عليه وما به من تلك محادثات مخدشة بالشرف، الشباب والشابات ممن هم في عُمر المراهقة .. وهنا تساءل مستنكرا .. أي وضاعة هذه يا سيادة الرئيس؟ !!».
وأضاف ممثل النيابة العامة: «وبدلاً من أن يكون لها المتهم الثاني ناصح أمين، ناصرها في غيّها، واستمرأ فِعلتها، ووضعا المجني عليها تحت وطأة التهديد القاتل، وهو ظرف بالغ السوء، لا يتحمله الكبار، فكيف بالمجني عليها !!!، وتلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من أشار إلي أخيه ولو بحديدة ملعون من الملائكة حتى يدعها وإن كان لأبيه وأمه».

الكلمة نور وبعض الكلمات قبور

وهنا تحدث المستشار عبدالخالق فتح الباب، عن الكلمة التي أودت بحياة المجني عليها، قائلا: «سيادة الرئيس الجليل .. وأنتم في خلوتكم المقدسة، تذكروا ما فعله المتهمين بالمجني عليها وقتما تكتبون كلمتكم، تذكروا شبابها الذي فنى من أجل فِعلتهما، تسألوا.. بأي ذنب قُتلت؟!!، فنحن نثق أنكم لن تلتفتوا لأولئك الذين يقولون أن فِعلة المتهمين هي «كلمة»، أيعلمون ما معنى «الكلمة»، فمفتاح الجنة في «كلمة»، ودخول النار على «كلمة»، وقضاء الله هو «كلمة»، وما التهديد إلا «كلمة»، انتحرت نيرة على إثر«كلمة»، فضحوا سترها بـ«كلمة»، وضاع مستقبل المتهمين من أجل «كلمة»، وحكمكم العادل هو «الكلمة»، فالكلمة نور .. وبعض الكلمات قبور».

وطالب رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين قائلا: «سيادة الرئيس الجليل .. حضرات السادة القضاة، إن النيابة العامة تطلب توقيع أقصى العقوبة، وهي عقوبة السجن المقررة قانونًا على المتهمين الماثلين جزاءً وفاقًا لما اقترفاه من إثمٍ».

وأنهى ممثل النيابة العامة، المستشار عبدالخالق فتح الباب، رئيس نيابة استئناف الإسماعيلية، مرافعته بتوجيه رسالة مجتمعية قال فيها : 
«في الخاتمة، فإن النيابة العامة من مقامها هذا تود أن توجه رسالتين، الأولى للمجتمع .. شبابه، وفتياته، والثانية لأولياء الأمور .. فأما عن رسالتها للشباب والفتيات، تمسكوا بالقيم الأصيلة، واتقوا الله، واعلموا أن للحياة الخاصة حُرمة، فلا تنتهكوها، ولا تروّعوا إنسانا مهما كان، وارحموا الضعيف منكم، وإذا أخطأتم، لا تخافوا، مهما بلغ هذا الخطأ، فكل شيء قابل للإصلاح، اذهبوا إلى أولياء أموركم، ولا تستوحشوا طريق النيابة العامة، وكافة جهات الاختصاص، فهو طريق الحق المبين، وستجدوا سندا، ومآلا ثابتا، لا تقنطوا من رحمة الله، فالحياة هبة الله عز وجل لكم، لا يملك أياً من كان أن ينهيها غيره، فالانتحار كبيرة من الكبائر .. حماكم الله منه».

وأضاف : «إلي أولياء الأمور.. استمعوا إلى أبنائكم، وبناتكم، اجلسوا إليهم، افهموا كيف يفكرون، تابعوا أفكارهم، وقراءاتهم، ومتابعاتهم، ومشاعرهم، اقتربوا منهم، وإذا ألم بهم خطر لا تتخلوا عنهم، سامحوهم، وساعدوهم، والجأوا بهم لجهات الاختصاص، وستجدونهم حريصين عليهم كما أنتم، ولتعلموا أن بمصر قضاء عادل، لا يخشي في الحق لومة لائم .. حفظ الله الوطن .. شكرا يا سيادة الرئيس».