احتفالا بالعيد القومي الـ 105 للمنيا

كتاب مشاكسات منياوية يحكي تاريخ الأمة المصرية

أرشيفية
أرشيفية

جمال رمضان

المنيا "عروس الصعيد" أكبر محافظات صعيد مصر، يقطنها قرابة 6 ملايين نسمة. لعبت دورا مهما في تاريخ مصر المحروسة منذ القدم. وبرز منها العديد من الشخصيات، كان لهم دور بارز في تاريخ الوطن، مثل الملك "خوفو" و "حور محب" والسيدة هاجر والسيدة مارية القبطية والإمام القرطبي والفنان عمار الشريعي، وغيرهم الكثير، ممن سجل لهم التاريخ مواقف مشهورة.

ولكن كتاب الدكتور قاسم زكي استاذ الوراثة بكلية الزراعة بجامعة المنيا الذي الفه بعنوان (مُشَاكَسَات مِنْيَاوية في تاريخ الأمة المصرية) حيث  يلقى الضوء على مواقف 16 من أشهر أبناء المنيا الراحلين، كانت سباحتهم ضد التيار العام في مصر، وتمت في ظروف تاريخية خاصة، كان لها تأثير خطير في حياة الأمة. يقول الدكتور قاسم بأن الكتاب القي الضوء على تلك المواقف وتم يوثقها وتحليلها، وكتبت سيرة ذاتية عن بطلها، وزودناها بالمراجع الموثقة. يقع كتابنا في عشرين فصلا، تجاوزت كلماتها 104 ألف كلمة، تغطي 300 صفحة، مزودة بعشرات الصور النادرة.
وحرصنا على سردها طبقا للتسلسل الزمني؛ بدأنا منذ 1353 ق. م.، حين أتى إلى المنيا أخناتون وزوجته نفرتيتي وناديا بوحدانية الإله ونبذ تعددها، أول دعوة تسبح ضد التيار، هزت عرش الإمبراطورية المصرية. وحين قدمت الحملة الفرنسية لتغزو مصر (1798 – 1801م)، قاومها شعب مصر ببسالة، لكنها وجدت مساندة من ابن ملوي المعلم يعقوب لغزو الصعيد واحتلاله. وبعدها بثمانين عاما، أتى الإنجليز لاحتلال المحروسة بدعوة ملكية فاسدة (1882م) وهبت الثورة العرابية في وجههم، أما ابن المنيا محمد سلطان باشا فكان له موقف سابح ضد التيار، مكن الإنجليز من احتلال مصر لقرابة ثلاثة أرباع القرن. وحين هبت ثورة 1919م، لتحرير مصر منهم، عمت أرجاء الكنانة، وتفجرت ثورة الدم والعسل في دير مواس بالمنيا على يد ابنها البار الدكتور خليل أبو زيد، في مشاكسة قوية يذكرها التاريخ إلى الأبد، ويحتفل بذكراها سنويا كعيد قومي للمحافظة (18 مارس). وثورة 1919م لم تفت نساء مصر، اللاتي شاركن فيها، فها هي ابنة مطاي دولت فهمي، تضحي بأثمن ما تملك المرأة من سمعة وشرف من أجل وطنها وحماية ثورته وثواره، ثم تلقى حتفها. بينما تقود ثورة نسوة مصر هدى شعراوي، وتنادي بضرورة تحرير الوطن والمرأة المصرية والعربية. وكان لأبناء المنيا مشاكسات أدبية وفلسفية وفقهية، فقد صَدم الشيخ على عبد الرازق ابن بنى مزار المجتمع الإسلامي بكتابه "الإسلام وأصول الحكم" (1925م)، حينما أنكر الخلافة؛ ثم تلاه عميد الأدب العربي "طه حسين "ابن مغاغة بمؤلفه "في الشعر الجاهلي" (1926م)، حين شكك في حقائق لغوية ودينية وتاريخية ثابتة، لقد كان لهذين الكتابين ومازال أثر كبير في تيار الثقافة.

ويلج أبناء المنيا للسباحة المعاكسة في مجال السياسة أيضا، ولكن تظهر أسماؤهم في أشهر الاغتيالات السياسية في تاريخ مصر الحديث، فهذا "عبد الرحمن السندي" يقود النظام الخاص "المسلح" لجماعة الإخوان المسلمين، وبدلًا من توجيه ضرباتهم كلها للمحتل الإنجليزي، تختل بُصلتهم ويقتلون أبناء جلدتهم، فيغتالوا المستشار الخازندار، ثم رئيس وزراء مصر النقراشي باشا (عام 1948م). وحين قامت ثورة 23 يوليو 1952م، قاد الإقطاعي "عدلي بيك لملوم" ابن مغاغة تمرداً مسلحاً ضد تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي. أما ابن سمالوط المشير عبد الحكيم عامر، أحد رجالات تلك الثورة، فكان له موقف غير واضح من تحمل مسئولية نكسة 1967م، مما كلفته حياته. وكان لابن ملوي خالد الإسلامبولي رأى أخر ومشاكسة قاتله، حينما أقدم على اغتيال رئيس الدولة أنور السادات (عام 1981م).

لم يترك أبناء المنيا مجالا إلا طرقوه، وسجلوا مشاكسات عدة حتى في مجال الإبداع والفن والأدب والموسيقى والتراث، ولعل ابنة مغاغة الدكتورة نعمات احمد فؤاد لم تتوان عن معارضة الحكومة وتقف ضد رئيس الدولة للحفاظ على تراث الأمة، وتتسبب في إلغاء مشروع بيع هضبة الأهرام. وقديما لم تكن نظرة المجتمع (خاصة الصعيدي) إلى الفن والفنانين إيجابية؛ وكان أهل الصعيد أكثر تشددا إذا مال أحد أبنائهم لتلك الهواية، هذا ما دفع الموسيقار والممثل "عبد العظيم عبد الحق" ابن أبو قرقاص، أن يهرب من الباشوية والوزارة، ويذهب لعالم الفن. وفى مطلع الخمسينات كان عمل النساء في مجال التمثيل والسينما نادرا، ولكن سبحت ابنة ملوي الصعيدية ضد هذا التيار، وانضمت لفن التمثيل وتحملت "سناء جميل" طرد أسرتها لها وتبرئها منها، وأصبحت من أشهر فنانات مصر، لكن دفعت الكثير من حياتها وسعادتها. وفي فترة الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين كانت الحركات الثورية الطلابية في مصر والعالم على أشدها تنادي بالحرية، ناقشها ابن ملوي المخرج السينمائي الشاب "ممدوح شكري" في فيلم جريء "زائر الفجر"؛ ولكن مُنع من العرض مما سبب له مرضاً عضالاً، ومات مبكرا.

 

ترشيحاتنا